إلى كل مشتاق لتحسين الأخلاق

د. محمود بن أحمد الدوسري
1447/05/04 - 2025/10/26 07:43AM

إلى كل مشتاق لتحسين الأخلاق

د. محمود بن أحمد الدوسري

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَأَثْقَلُ مَا عَلَى الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ تَغْيِيرُ الْأَخْلَاقِ وَالْعَادَاتِ الَّتِي طُبِعَتْ عَلَيْهَا النَّفْسُ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُتَعَذِّرًا وَلَا مُسْتَحِيلًا؛ مِصْدَاقًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌إِنَّمَا ‌الْعِلْمُ ‌بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ» حَسَنٌ – رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

وَهُنَاكَ وَسَائِلُ وَطُرُقٌ يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ مِنْ خِلَالِهَا أَنْ يَتَخَلَّقَ بِالْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ، فَمِنْ أَهَمِّهَا:

1- الْتِزَامُ الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ: فَإِنَّهَا تُصَحِّحُ الْأَخْلَاقَ، وَتَحْمِي الْإِنْسَانَ مِنَ الِانْزِلَاقِ، وَالِانْحِرَافُ فِي السُّلُوكِ نَاتِجٌ عَنْ خَلَلٍ فِي الْمُعْتَقَدِ، أَوْ نَاتِجٌ عَنْ تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْمُعْتَقَدِ الصَّحِيحِ، فَإِذَا صَحَّتِ الْعَقِيدَةُ؛ حَسُنَتِ الْأَخْلَاقُ تَبَعًا لِذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

2- التَّوَجُّهُ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ: فَقَدْ كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُوَ صَاحِبُ الْخُلُقِ الْعَظِيمِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ، وَأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَقِنِي سَيِّئَ الْأَعْمَالِ وَسَيِّئَ الْأَخْلَاقِ لَا يَقِي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَمِنْ دُعَائِهِ أَيْضًا: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَهْوَاءِ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

3- مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ: يَتَحَصَّلُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْخُلُقِ الْحَسَنِ بِالدُّرْبَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ وَالْمُثَابَرَةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [الْعَنْكَبُوتِ: 69].

4- مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ: مِنْ طَبِيعَةِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِيمُ إِلَّا بِالْمُعَاتَبَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ؛ فَيَنْبَغِي عَلَى الْمُؤْمِنِ سِيَاسَةُ نَفْسِهِ، وَاكْتِشَافُ عُيُوبِهَا، وَمُحَاسَبَتُهَا، وَمُعَاقَبَتُهَا إِذَا اقْتَرَفَتْ خُلُقًا ذَمِيمًا، وَحَمْلُهَا عَلَى أَلَّا تَعُودَ إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى؛ تَأْدِيبًا لَهَا.

5- اسْتِذْكَارُ فَضَائِلِ حُسْنِ الْخُلُقِ: مِنْ مِثْلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا» صَحِيحٌ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

6- الِاعْتِبَارُ بِعَوَاقِبِ سُوءِ الْخُلُقِ: فَإِنَّ الْإِفْلَاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَتِيجَةُ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ؛ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ - قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ - أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

7- التَّطَلُّعُ إِلَى مَعَالِي الْأَخْلَاقِ: قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (مَنْ ‌عَلَتْ ‌هِمَّتُهُ، وَخَشَعَتْ نَفْسُهُ؛ اتَّصَفَ بِكُلِّ خُلُقٍ جَمِيلٍ، وَمَنْ دَنَتْ هِمَّتُهُ، وَطَغَتْ نَفْسُهُ؛ اتَّصَفَ بِكُلِّ خُلُقٍ رَذِيلٍ)([1]). وَقَالَ – فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: (فَالنُّفُوسُ الشَّرِيفَةُ لَا تَرْضَى مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا بِأَعْلَاهَا، وَأَفْضَلِهَا، وَأَحْمَدِهَا عَاقِبَةً، وَالنُّفُوسُ الدَّنِيئَةُ تَحُومُ حَوْلَ الدَّنَاءَاتِ، وَتَقَعُ عَلَيْهَا كَمَا يَقَعُ الذُّبَابُ عَلَى الْأَقْذَارِ)([2]).

8- الْعَمَلُ بِالْآيَاتِ الْحَاثَّةِ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ: مِنْ مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الْأَعْرَافِ: 199]؛ وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 134].

9- الصَّبْرُ وَالْمُصَابَرَةُ: قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 200]. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَيْسَ لِمَنْ ‌قَلَّ ‌صَبْرُهُ عَلَى طَاعَةٍ حَظٌّ مِنْ بِرٍّ، وَلَا نَصِيبٌ مِنْ صَلَاحٍ)([3]).

10- التَّوَاصِي بِحُسْنِ الْخُلُقِ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ؛ يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ([4])، وَيَحُوطُهُ([5]) مِنْ وَرَائِهِ» حَسَنٌ – رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَأَنْتَ مِرْآةٌ لِأَخِيكَ؛ ‌يُبْصِرُ ‌حَالَهُ ‌فِيكَ، وَهُوَ مِرْآةٌ لَكَ؛ تُبْصِرُ حَالَكَ فِيهِ)([6]).

11- السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ: فَإِنَّ كُلَّ مَا كَرِهْتَهُ فِي النَّاسِ، وَنَفَرْتَ مِنْهُ؛ مِنْ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ، أَوْ خُلُقٍ؛ فَاجْتَنِبْهُ، وَمَا أَحْبَبْتَهُ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ؛ فَافْعَلْهُ.

إِنَّ السَّعِيدَ ‌لَهُ ‌مِنْ ‌غَيْرِهِ ‌عِظَةٌ … وَفِي التَّجَارِبِ تَحْكِيمٌ وَمُعْتَبَرُ([7])

12- مُصَاحَبَةُ أَهْلِ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ: فَالْمَرْءُ مُولَعٌ بِمُحَاكَاةِ مَنْ حَوْلَهُ، شَدِيدُ التَّأَثُّرِ بِمَنْ يُصَاحِبُ، فَالصَّدَاقَةُ الْمَتِينَةُ، وَالصُّحْبَةُ الصَّالِحَةُ، لَا تَحُلُّ فِي نَفْسٍ إِلَّا هَذَّبَتْ أَخْلَاقَهَا الذَّمِيمَةَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ – رَحِمَهُ اللَّهُ –: (مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ أَذًى لِلْمُؤْمِنِ مِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ؛ ‌فَإِنَّ ‌الطَّبْعَ ‌يَسْرِقُ، فَإِنْ لَمْ يَتَشَبَّهْ بِهِمْ، وَلَمْ يَسْرِقْ مِنْهُمْ؛ فَتَرَ عَنْ عَمَلِهِ)([8]).

13- إِدَامَةُ النَّظَرِ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (مَنْ أَرَادَ خَيْرَ الْآخِرَةِ، ‌وَحِكْمَةَ ‌الدُّنْيَا، وَعَدْلَ السِّيرَةِ، وَالِاحْتِوَاءَ عَلَى مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ كُلِّهَا، وَاسْتِحْقَاقَ الْفَضَائِلِ بِأَسْرِهَا؛ فَلْيَقْتَدِ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلْيَسْتَعْمِلْ أَخْلَاقَهُ وَسِيَرَهُ مَا أَمْكَنَهُ)([9]).

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. وَمِنْ وَسَائِلِ اكْتِسَابِ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ:

14- التَّغَافُلُ عَنْ أَخْطَاءِ النَّاسِ: فَهَذَا مِنْ أَخْلَاقِ الْعُظَمَاءِ، وَيُعِينُ عَلَى دَوَامِ الْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ بَيْنَ النَّاسِ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ أُمُورِ الدُّنْيَا لَا تَسْتَقِيمُ إِلَّا بِالتَّغَافُلِ؛ فَإِنَّ الْعَاقِلَ هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ([10]). وَكَانَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الْأَمِينِ الشَّنْقِيطِيُّ – رَحِمَهُ اللَّهُ – كَثِيرَ التَّغَاضِي عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَحِينَمَا يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ يَقُولُ:

لَيْسَ الْغَبِيُّ بِسَيِّدٍ فِي قَوْمِهِ … لَكِنَّ سَيِّدَ ‌قَوْمِهِ ‌الْمُتَغَابِي([11])

15- قَبُولُ نُصْحِ النَّاصِحِينَ: فَهَذَا مِمَّا يُعِينُ عَلَى اكْتِسَابِ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَمِمَّا يَبْعَثُ عَلَى التَّخَلِّي عَنِ الْأَخْلَاقِ السَّاقِطَةِ، فَعَلَى مَنْ نُصِحَ أَنْ يَتَقَبَّلَ النُّصْحَ، وَيَأْخُذَ بِهِ؛ حَتَّى يَكْمُلَ سُؤْدُدُهُ، وَتَتِمَّ مُرُوءَتُهُ، وَيَتَنَاهَى فَضْلُهُ.

وَيَنْبَغِي لِمُتَطَلِّبِ الْكَمَالِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى خَوَاصِّهِ، ‌وَثِقَاتِهِ؛ فَيَأْمُرَهُمْ أَنْ يَتَفَقَّدُوا عُيُوبَهُ وَنَقَائِصَهُ، وَيُطْلِعُوهُ عَلَيْهَا، وَيُعْلِمُوهُ بِهَا؛ فَهَذَا مِمَّا يَبْعَثُهُ لِلتَّنَزُّهِ مِنَ الْعُيُوبِ، وَالتَّطَهُّرِ مِنْ دَنَسِهَا([12]).

16- النَّظَرُ فِي سِيرَةِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ: فَهُمُ الَّذِينَ وَرِثُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيَهُ، وَسَمْتَهُ، وَخُلُقَهُ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الْأَنْعَامِ: 90]. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَإِذَا نَظَرَ فِي ‌سِيَرِ ‌الْقُدَمَاءِ زَاحَمَهُمْ، وَتَأَدَّبَ بِأَخْلَاقِهِمْ)([13]).

17- مُطَالَعَةُ كُتُبِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ: فَفِيهَا تَرْبِيَةٌ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَتَذْكِرَةٌ بِفَضْلِهَا، وَتُعِينُ الْعَاقِلَ عَلَى اكْتِسَابِهَا، وَيَزِيدُهَا جَمَالًا فَهْمُهَا، وَالْعَمَلُ بِمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ آدَابٍ وَأَخْلَاقٍ.

18- اسْتِعْمَالُ الْمُدَارَاةِ: وَهِيَ تَرْجِعُ إِلَى حُسْنِ اللِّقَاءِ، وَلِينِ الْكَلَامِ، وَتَجَنُّبِ مَا يُشْعِرُ بِبُغْضٍ أَوْ غَضَبٍ، أَوِ اسْتِنْكَارٍ، إِلَّا فِي أَحْوَالٍ يَكُونُ الْإِشْعَارُ بِهِ خَيْرًا مِنْ كِتْمَانِهِ. قَالَ الْحَسَنُ – رَحِمَهُ اللَّهُ –: (مُدَارَاةُ النَّاسِ نِصْفُ الْعَقْلِ)([14]). وَقَالَ بَعْضُهُمْ: (يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُدَارِيَ زَمَانَهُ مُدَارَاةَ السَّابِحِ فِي الْمَاءِ الْجَارِي)([15]).

19- الِاعْتِبَارُ بِحَوَادِثِ التَّارِيخِ: وَمَا فِيهِ مِنْ تَجَارِبَ؛ فَفِي ذَلِكَ بَاعِثٌ رَئِيسٌ لِمَنْ يُحِبُّ اكْتِسَابَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ. قَالَ ابْنُ خَلْدُونَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (اعْلَمْ أَنَّ ‌فَنَّ ‌التَّأْرِيخِ فَنٌّ عَزِيزُ الْمَذْهَبِ، جَمُّ الْفَوَائِدِ، شَرِيفُ الْغَايَةِ؛ إِذْ هُوَ يُوقِفُنَا عَلَى أَحْوَالِ الْمَاضِينَ مِنَ الْأُمَمِ فِي أَخْلَاقِهِمْ، وَالْأَنْبِيَاءِ فِي سِيَرِهِمْ، وَالْمُلُوكِ فِي دُوَلِهِمْ وَسِيَاسَتِهِمْ؛ حَتَّى تَتِمَّ فَائِدَةُ الِاقْتِدَاءِ فِي ذَلِكَ لِمَنْ يَرُومُهُ فِي أَحْوَالِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا)([16]).

وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَقَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِمَّنْ يَدَّعِي الْمَعْرِفَةَ وَالدِّرَايَةَ، وَيَظُنُّ ‌بِنَفْسِهِ ‌التَّبَحُّرَ فِي الْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ، يَحْتَقِرُ التَّوَارِيخَ وَيَزْدَرِيهَا، وَيُعْرِضُ عَنْهَا وَيُلْغِيهَا؛ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ غَايَةَ فَائِدَتِهَا إِنَّمَا هُوَ الْقِصَصُ وَالْأَخْبَارُ، وَنِهَايَةَ مَعْرِفَتِهَا الْأَحَادِيثُ وَالْأَسْمَارُ، وَهَذِهِ حَالُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْقِشْرِ دُونَ اللُّبِّ نَظَرُهُ. وَمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ طَبْعًا سَلِيمًا، وَهَدَاهُ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا؛ عَلِمَ أَنَّ فَوَائِدَهَا كَثِيرَةٌ، وَمَنَافِعَهَا الدُّنْيَوِيَّةَ وَالْأُخْرَوِيَّةَ جَمَّةٌ غَزِيرَةٌ)([17]).

([1]) الفوائد، (ص210).
([2]) المصدر نفسه، (ص258).
([3]) أدب الدنيا والدين، (ص287).
([4]) يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ: أي: يمنع ضياعه وهلاكه، فيجمع عليه معيشته ويضمها إليه.
([5]) وَيَحُوطُهُ: أَيْ ‌يَحْفَظُهُ ‌وَيَصُونُهُ وَيَذُبُّ عَنْهُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ. انظر: عون العبود، (13/178).
([6]) فتح القدير، (6/252).
([7]) أدب الدنيا والدين، (ص82).
([8]) صيد الخاطر، (ص425).
([9]) الأخلاق والسير في مداواة النفوس، (ص24).
([10]) انظر: أدب الدنيا والدين، (ص180).
([11]) انظر: أضواء البيان، (9/305).
([12]) انظر: الأخبار المفيدة في اكتساب الأخلاق الحميدة، (ص34)؛ موسوعة الأخلاق، (ص72).
([13]) تلبيس إبليس، (ص107).
([14]) عيون الأخبار، لابن قتيبة (3/22).
([15]) عين الأدب والسياسة، (ص154).
([16]) تاريخ ابن خلدون، (1/13).
([17]) الكامل في التاريخ، (1/9).

المرفقات

1761453786_إلى كل مشتاق لتحسين الأخلاق.docx

المشاهدات 39 | التعليقات 0