إنها المرأة

هلال الهاجري
1447/06/19 - 2025/12/10 08:09AM

الحَمدُ للهِ بَارئِ البَريَّاتِ، غَافِرِ الخَطِيَّاتِ، عَالمِ الخَفيَّاتِ، المُطَّلِع عَلَى الضَّمائِرِ وَالنيَّاتِ، أَحمدُهُ حَمدَ مُعتَرِفٍ بالتَّقصِيرِ، وأَستغفِرُهُ استِغفَارَ مُذنِبٍ يَخافُ عَذَابَ السَّعيرِ، وَأَشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا، وَوَسِعَ كُلَّ شَيءٍ رَحمةً وحِلمًا، وأَشهدُ أَنَّ نَبيَّنَا وَسَيدَنا مُحمَّدًا عَبدُهُ ورَسولُهُ نبيُّ الرَّحمةِ الدَّاعي إلى سَبِيلِ ربِّه بِالحِكمَةِ، صَلَّى اللهُ وسلَّمَ وبَارَكَ عَليهِ وعلى آلِهِ وصَحبِه، وسَلَّمَ تَسليمًا كَثيرًا، أَمَّا بَعدُ:

فَاتقُوا اللهَ؛ فَإنَّ تَقوَاهُ أَفضَلُ مُكتَسَبٍ، وَطَاعَتَهُ أَعلَى نَسَبٍ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

إنَّهَا المَرأةُ، وَلَكِن .. مَا لَنَا نَرَاهَا أُمَّاً تَشتَكِي عُقُوقَ ابنِهَا، وَأُختَاً تَشتَكِي هَجرَ أَخِيهَا، وَزَوجَةً تَشتَكِي قَسوَةَ زَوجِهَا، وَبِنتَاً تَشتَكِي عُنفَ أَبيهَا، فَأينَ وَصِيةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ لَكُم يَا مَعشَرَ الرِّجَالِ، حِينَ قَالَ: (استَوصُوا بِالنِّسَاءِ خَيرًا)؟، فَهَل أدَّيتُم حَقَّ هَذِهِ الوَصِيَّةِ؟، هَل استَمسَكتُم بِهَا؟، فَحزتُم الخَيرِيَّةَ التي ذَكرَهَا في الحَدِيثِ: (خَيْرُكُمْ، خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ)، أَمْ أنَّ المَرأةَ لا تَزَالُ تَعِيشُ في زَمِنِ الجَاهِليةِ الظَّليمِ، بَعدَ إذ أَنقذَهَا اللهُ تَعَالى مِنهَا بالإسلامِ العَظِيمِ؟.

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ .. المَرأةُ هِيَ الأمُّ، صَاحِبةُ القَلبِ الكَبيرِ، وفِي بِرِّها الأَجرُ الوَفِيرُ، فَقدْ نَصَحَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حِينَ أوصاكَ، فَقَالَ: (أُمَّكَ) ثُمَّ (أُمَّكَ) ثُمَّ (أُمَّكَ) ثُمَّ (أَبَاكَ)، وَقَالَ ابنُ عَبَاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: (إِنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ‌بِرِّ ‌الْوَالِدَةِ)، فِي بَطنِهَا خُلِقتَ، وِمن صَدرِها رَضَعتَ، وفي حِجرِها تَرَعرَعتَ، مَن أنتَ لولا رِعَايَتُهَا وتَربيَّتُها الصَّالحةُ؟، وكَيفَ تَكُونُ لولا أَدعيَّتُها المُباركةُ؟، ولِذَلكَ كَانَ وَاجِبَاً عَليكَ أن تُحسِنَ إليها وتَكرِمَها وتَحميَها، فَالجَنَّةُ قَد جَعَلَها اللهُ تَعَالى عِندَ قَدمِيهَا، إنَّها الأمُّ، إنَّها المَرأةُ.

المَرأةُ هِيَ الأُختُ، صَاحِبَةُ التَّضحِيةُ وَالعَطاءُ، وفِي وَصلِها عَظيمُ الجَزاءِ، تَفرحُ لأفراحِكَ، وتَحزنُ لأحزانِكَ، تُحبُّ أنْ تَرَاكَ في أَحسِنِ حَياةٍ وحَالٍ، فَأَنتَ فَخرُهَا وَعِزُّهَا إذا ذُكِرَ الرِّجَالُ، قَد أوصَاكَ نَبيُّكَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِصَحبَتِها والإحسانِ، وجَعلَ ثَمنَ ذَلكَ جَنَّةَ الرَّحمانِ، فَقَالَ: (مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الجَنَّةُ)، إنَّها الأُختُ، إنَّها المَرأةُ.

وَما عَرفوا حَوَّاءَ أُمَّا كَريمةً *** وَأُختَاً لَهَا حَقُّ الرِّعايةِ والـبِّرِّ

ومَا عَرفوا حَوَّاءَ ذَاتَ رِسَالةٍ *** وذَاتَ مَكَانٍ في العُلا لَيسَ بالنَّزرِ

المَرأةُ هِيَ الزَّوجةُ، صَاحِبةُ الحَنانِ والوَفاءِ، هِيَ القَلبُ الكَبيرُ في الرَّخاءِ، وهِيَ اليَدُ الحَانيةُ في البَلاءِ، كَم صَبَرتْ؟، وكَم ضَحَّتْ؟، وكَم أعطَتْ؟، وكَم وَاسَتْ؟، أَخَذنَا مِنهَا أَضعَافَ مَا بَذلناهُ لَها، ونَسِينَا وَصيَّةَ اللهِ تَعَالى بِها: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، فَالخَيرُ فِي إكرَامِها، والشَّرُ في إهَانِتهَا، كَما قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ: (خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ، وأَنا خيرُكُم لأَهْلي)، إنَّها الزَّوجةُ، إنَّها المَرأةُ.

المَرأةُ هِيَ البِنتُ، صَاحِبةُ الجَمَالِ والدَّلالِ، هِيَ عِزُّ وشَرفُ الرِّجالِ، وَقَدْ جَاءَ في أَحَادِيثِ المُصطَفَى المُختَارِ، أنَّ مَنْ أحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتراً مِنَ النَّارِ، إنَّها البِنتُ، إنَّها المَرأةُ.

هُنَّ القَوَارِيرُ، رِفقَاً بِالقَوَارِيرِ *** وَهُنَّ لَو كُنتَ تَدرِي كَالأَزَاهِيرِ

هُنَّ الفَرَاشَاتُ أَلوَانَاً وَهَفهَفَةً *** فَهَل يُطِقنَّ احتِمَالاً للأَعَاصِيرِ؟

فَإنْ نَظرَنَّ مَنحَنَّ القَلبَ رَاحَتَهُ *** وَإن نَطَقنَّ فَإيقَاعُ المَزَامِيرِ

يَغرِسنَّ في البَيتِ أَزهَارَ الحَنَانِ فَمَا *** جَزاؤهنَّ سُوى حُبٍّ وتَقدِيرِ

هُنَّ القَوَاريرُ هَذَا قُولُ سَيِّدِنا *** في وَصفِهِنَّ فَرِفقاً بالقَوَاريرِ

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيْمِ، وَنَفَعَنِي وَاِيِّاكُمْ بِمَا فِيْهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيْمِ، أقُوْلُ قَوْلِي هَذا وَأسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيْمَ لَيْ وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمدُ للهِ عَلى إحسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِه، وَأَشهدُ ألاَّ إله إلا الله وحْدَه لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عَبدُه وَرَسولُه، صَلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وصَحبِهِ، وسَلَمَ تَسليمًا كَثيرًا، أما بَعدُ:

هَل رَأيتُم كَيفُ تُحيطُ المَرأةُ بالرَّجُلِ اهتِمَامَاً وَرِعَايَةً مِن جَميعِ الاتِجاهَاتِ؟، فَهُنَّ الأمَّهَاتُ والأَخوَاتُ والزَّوجَاتُ والبَنَاتُ، وَهَل سَمِعتُم كَيفَ يُحيطُ الرَّجُلُ بالمَرأةِ صِيَانَةً وَحِمَايَةً مِن جَميعِ الأَنحَاءِ، فَهُم الآبَاءُ والإخوَةُ والأَزوَاجُ والأَبنَاءُ، هَكَذا حَياةُ المُسلِمِينَ ومَا خَالفَ ذلكَ فَهيَ حَالاتٌ لا يُقِرُّها العُرفُ والدِّينُ.

وَأَمَّا الحَرَكَاتُ النَّسَويَّةُ التي كَانَتْ رَدَّةُ فِعلٍ لِلظُّلمِ الوَاقِعِ عَلَى المَرأَةِ الغَربِيَّةِ، فَإنَّهم أَنقَذُوهَا مِن ظُلمٍ وأوقَعوها في ظُلمٍ أشَدَّ مِنهُ حَيثُ نَادَوا بمُسَاوَاتِها بِالرَّجلِ، وَهَذَا في حَقِيقَتِهِ احتِقَارٌ لجِنسِ المَرأةِ عَلِمُوا أو لَم يَعلَمُوا، فَهُم لا يَعتِرفونَ بِطَبِيعَةِ الأُنثَى وَحُقُوقِهَا كَأُنثَى، لأنَّهم يُرِيدُونَهَا ذَكَراً، وَاللهُ يَقُولُ: (‌وَلَيْسَ ‌الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)، فَكُتِبَ عَلِيهَا التَّعَبُ وَالشَّقَاءُ، وقُضِيَ عَليها بالنَّصَبِ والعَنَاءِ، وَأَخّذتْ دَورَ الرَّجلِ، وَقَد قَالَ تَعالى: (فَقُلْنا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ ‌فَتَشْقى) تَشَقَى أَنتَ يَا آدَمُ لأنَّكُم أَنتُم الرِّجَالُ، وتَرتَاحُ حَوَاءُ مِنَ التَّعَبِ وَالكَدِّ وَالأَعمَالِ.

والمُصِيبَةُ الأُخرَى لِلحَرَكَاتِ النَّسَويَّةِ أنَّها اختَرَعَتْ عَدَاوَةً بِينَ الرَّجُلِ وَالمَرأَةِ، وَاستَطَاعَتْ أَن تَنتَزعَ المَرأةَ مِن يَدِ مَن يَصُونُها ويَحمِيهَا إلى مَكَانٍ مُنعَزلٍ وَحِيدَةً، فَرِيسَةً لُكلِّ نَفسٍ آثِمَةٍ مَرِيدَةٍ، وَانظُرُوهَا في الغَربِ جَمالٌ يُعرَضُ عَلى غِلافِ المَجَلاتِ، ومَفَاتِنُ تُستَخَدمُ في الإعلاناتِ، وَسِلعَةٌ يُسَاوَمُ عَليها في المَلاهِي والبَارَاتِ، ثُمَّ يأتونَ بِكُلِّ وَقَاحَةٍ مَعلُومَةٍ، ويَقولونَ: المَرأةُ في بلادِ الإسلامِ مَظلومةٌ، فسُبحانَكَ هذا بُهتانٌ عَظيمٌ، فَاعرِفُوا لِلمَرأةِ حَقَّهَا العَظِيمَ، واحفَظُوهَا مِن كُلِّ مُعتَدٍ أَثِيمٍ.

‌اللهمَّ ‌احفَظْ ‌نِسَاءَنا مِن كُلِّ سُوءٍ، وَمِن هَذهِ الدَّعوَاتِ الفَاسِقَةِ الفَاجِرَةِ، ‌اللهمَّ ‌احفَظهُنَّ مِن الفِتَنِ مَا ظَهرَ مِنهَا ومَا بَطنَ، اللهمَّ اجعلْهُنَّ تَقيَّاتٍ نَقيَّاتٍ صَفيَّاتٍ، حَافِظَاتٍ للغَيبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ، اللهمَّ مَن أَرادَهُنَّ بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيدَهُ في نَحرِه، وأَشغلْهُ في نَفسِهِ، اللهمَّ لا تُبلِّغهُ غَايةً، واجْعلهُ لِمنْ خَلفَه آيةً، اللهمَّ عَاملنا بما أَنتَ أَهلُه، ولا تَعاملنا بما نَحنُ أَهلُه، فَأَنتَ أَهلُ التَّقوى وأَهلُ المَغفرةِ، اللهمَّ أَصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينَ، واجمع شَملَ المسلمينَ، وَوحِّدْ صَفَّهم، واهدِهم سُبلَ السَّلامِ، وانصرنا على القَومِ الكَافرينَ.

المرفقات

1765343307_إنها المرأة.docx

1765343319_إنها المرأة.pdf

المشاهدات 224 | التعليقات 0