التوبة والأوبة
يحيى جبران جباري
الخطبة الاولى
الحمد لله له العطاء والمن، أحمده سبحانه وأشكره ما صبح أقبل وما ليل جن ، و أستعينه وأستهديه وأستغفره تعالى من كل ذنب وعن ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب كل شيء تحرك أوسكن، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله نحبه سراً وعلاً، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما تقادم وما بقي الزمن. ثم أما بعد: فأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المقصرة بتقوى الله عز وجل، في كل قول وتصرف، مع من نعرف ومن لا نعرف، والدوام على حسن الظن بالله، والصبر، والتعفف، والحذر من اليأس والقنوط والتأفف، وترك الحرص على الدنيا وما فات منها والتأسف، فهي إلى زوال إن كنت لا تعرف ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (29 الأنفال)
أيها العباد: اعلموا يا رعاني الله ورعاكم وهداني إلى الحق وهداكم، بأن أعظم نعم الله عليكم ،هي هذا الدين، الذي وهبكم إياه وإليه اصطفاكم ، يقول من به حباكم: ﴿ هُوَ اجتَباكُم وَما جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبيكُم إِبراهيمَ هُوَ سَمّاكُمُ المُسلِمينَ مِن قَبلُ وَفي هذا لِيَكونَ الرَّسولُ شَهيدًا عَلَيكُم وَتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ فَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعتَصِموا بِاللَّهِ هُوَ مَولاكُم فَنِعمَ المَولى وَنِعمَ النَّصيرُ﴾ ٧٨(الحج) وقال عز من قائل كريما (وَوَصّى بِها إِبراهيمُ بَنيهِ وَيَعقوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصطَفى لَكُمُ الدّينَ فَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ١٣٢ (البقرة) وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: "مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود. ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى: ثم قال من يعمل من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارىوقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا؟ قال: هل نقصتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا. قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء) رواه البخاري. أيها الأحبة : لولم يكن من الخطباء والأئمة، إلا قراءة ما جاء في الكتاب والسنة، لكان كافياً لهداية أبناء هذه الأمة، ووافياً للشعور بالفخر والعزة وعظيم النعمة، ومن أفضل وأجل النعم التي اختص الله بها أهل هذه الأمة، عدم القنوط من الرحمة، ولم يكن هذا لغيرنا ولله الحمد والمنة (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٥٣ (الزمر)، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا) رواه مسلم. ومن منا ليس بذلك المخطئ الآثم، نسأل الله أن يغفر لنا كل ما هو به عالم ، ففي زمن كثرة فيه اللواهي والملاهي، وتيسرت فيه الأخطاء والمعاصي، اصبح الجل للتذكير بهذا الخير والفضل متناسي، وتجد صاحب الإثم يمكث ويداوم على إثمه، وعن التوبة والاستغفار غافل ناسي، ظناً منه ببعد الأجل، وتمسكاً بحبل الأمل، والتسويف الذي به على نفسه جهل، فيقول: عندما أكبر أتوب، وكأنه اطلع على عمره الذي كتبه علام الغيوب، فيأتيه الموت وهو على الذنب والحوب ، نعوذ بالله مما يضعف الإيمان ويشوب، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أن عبداً أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت ذنبا فاغفر لي، قال الله تعالى: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا آخر فقال: رب أذنبت ذنبا فاغفر لي، قال الله تعالى: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا آخر فقال: رب أذنبت ذنبا فاغفر لي، قال الله تعالى: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي) وفي رواية لمسلم " قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء " يعني: مادام على هذا الحال كلما أذنب استغفر فإني قد غفرت له، اللهم إنا أذنبنا ذنوبا لا يعلمها ولا يحصيها إلا أنت، فاغفر لنا دقها وجلها وكلها إنك أنت الحليم الكريم، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله للنعمة اتمم، احمده سبحانه وأشكره وله أسلم، وأشهد أنه الإله الحق وحده المنعم، وأن محمدا رسوله فوق الشداد كُلم ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم ، وبعد : يامن أعلم لما قيل يعلم ، إتق الله فمن اتق الله ينجو ويسلم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
عباد الله : أوردت بعموم أن الإسلام أعظم نعمة، وذكَّرت بفضل اختص الله به هذه الأمة ، وهو عفو الله عنا بالاستغفار والتوبة ، وما فيه نحن والجيل من تهاون ،وغفلة ، وإلا فالاستغفار والتوبة، موضوع طويل ليس بالسهل أن أتمه في وقفة، والخلاصة المهمة، أن من أذنب ثم تاب توبة صادقة، وندم على ما فعل وأقلع عن الذنب، وعقد العزم على عدم العودة ، فإن الله سيغفر له، وإن عاد إلى الذنب ثانية ، ثم تاب توبة كالأولى غفر الله له ورحمه ، وهذا فيه تمام الكرم منه سبحانه والمنة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)رواه الترمذي وقال: حديث حسن ، فبعد هذا الترحاب الغامر، من العزيز الغافر، أنَّى لليأس أن يجد طريقا إلى قلب المسلم، ولسان الحال ما قاله القائل:
ربي وإن عظمت ذنوبي كثرة *** فلقد علمت بأن عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن *** فمن الذي يدعو ويرجو المجرم مالي إليك وسيلة إلا الرجا *** وجميل عفوك ثم إني مسلم ثم استجيبوا للإله جميعكم *** صلوا على خير العباد وسلموا اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد...
المرفقات
1761103786_خطبة الجمعة بعنوان التوبة والأوبة.pdf