الحثّ على التَّوحِيد والتّحْذِير مِنَ الشِّرْك بالله

عايد القزلان التميمي
1447/05/01 - 2025/10/23 22:32PM
إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ، نَعْبُدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسَنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلًّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِل فَلَا هَاديَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرا.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا عِبَاد اَللَّهِ، اِتَّقَوْا اَللَّهُ تَعَالَى وَافْعَلُوا مَا أَمَرَكُم بِهِ وَاجْتَنَبُوا مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَعْظَمَ مَا أَمَرَكُم اَللَّهُ بِهِ هُوَ اَلتَّوْحِيدُ، وَهُوَ إِخْلَاصُ اَلْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَاَللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولَ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ))
وَأَوَّلُ أَمْرٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ، فَأَمَرَنَا اللَّهُ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي خَلَقَنَا وَخَلَقَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ إلَّا الْخَالِقَ سُبحَانَه.
وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ بِهِ التَّوْحِيدُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ وأعظمُ ما نهانا عَنْهُ الشِّرْك، وَالشِّرْكُ أَعْظَمُ الْإِثْمِ، وَأَظْلَمُ الظُّلْمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾
وقال سبحانه {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}
وَعَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ- رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (( مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ )) متفق عليه.
عِبَادَ اللهِ وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ كُلَّ نَبِيٍّ مِنَ الشِّرْكِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
وَقَدْ كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ الشِّرْكِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
وَالشِّرْكُ عِبَاد اللَّهِ نَوْعَان:
شِرْكٌ أكْبَرُ َيُخْرِجُ مِنْ الْمِلَّةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} ـ وَالشِّرْكُ الْأَكْبَر لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ إذَا مَاتَ صَاحِبَهُ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}
وَالشِّرْكُ اَلْأَكْبَرُ هُوَ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ اَلْعِبَادَةِ لِغَيْرِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: كَأَنْ يَدْعُو غَيْرَ اَللَّهِ، أَوْ يَذْبَحُ لِغَيْرِ اَللَّهِ، أَوْ يَنْذُرَ لِغَيْرِ اَللَّهِ، أَوْ يَتَقَرَّبُ لِأَصْحَابِ اَلْقُبُورِ، أَوْ اَلْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ اَلْعِبَادَةِ، أَوْ يَخَافُ اَلْمَوْتَى أَنْ يَضُرُّوهُ، أَوْ يَرْجُو غَيْرَ اَللَّهِ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اَللَّه مِنْ قَضَاءِ اَلْحَاجَاتِ وَتَفْرِيجِ اَلْكُرُبَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ اَلْعِبَادَةِ اَلَّتِي لَا تُصْرَف إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
عِبَادَ اللهِ وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الشِّرْكِ:
شِرْكٌ أَصْغَرُ لَا يُخْرِجُ مِنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنَّهُ خَطِيرٌ وَإِثْمُهُ عَظِيمٌ وَقَدْ يُؤَدِّي إِلَى الشِّرْكِ الْأكْبَرِ ،
وَمِنِ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ: الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللهِ- عَزَّ وَجَل-، كَالحَلِفِ بِالْآبَاءِ، وَحَيَاةَ فُلَانٍ أَوِ الْأَبْنَاءِ، أَوِ النَّبِيِّ، فَعَنْ عُمَرِ بْن الْخِطَابِ- رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((مَن ‌حَلَفَ ‌بغير ‌اللهِ فقد كَفَرَ أو أَشْرَكَ)) رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني.
وَمِنْ اَلشِّرْكِ اَلْأَصْغَرِ اَلرِّيَاء قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ((إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ، قالوا: وما الشِّركُ الأصْغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الرِّياءُ))
وَمَنْ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ: الشِّرْكُ فِي الْأَلْفَاظِ، وَمِنْهُ قَوْلُ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ، ولَوْلَا اللَّهُ وَأَنْتِ مَا حَصَلَ كَذَا، وَاعْتَمَدْت عَلَى اللَّهِ وَعَلَيْك، فَهَذَا تَسْوِيَةً بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، وَهُوَ مِنْ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ يَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْت.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوه، أَنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لله الْمُبْدِئُ الْمُعِيد، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهٌ إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسُلَّمُ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آله وَصَحْبَهُ وَالتَّابِعَيْنِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فِيَا عِبَادَ اللهِ يَجِبُ على الْمُؤْمِن أنْ يخافَ مِنَ الشِّرْكِ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يَدْرِي مَا هُوَ الشِّرْك وَمَا هِي أَنْوَاعُهُ ؟ حَتَّى صَارَ بَعْضَ الْجُهَّالِ أَوِ الْمُتَسَاهِلِينَ فِي عَقِيدَتِهِمْ يَتَعَالَجُونَ مِنَ الْأَمْرَاضِ عِنْدَ الدَّجَّالِينَ وَالْمُشَعْوِذِينَ وَالسَّحَرَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( مَن أتى عرَّافًا أو كاهِنًا فصَدَّقَه بما يقولُ، فقد كَفَرَ بما أُنْزِلَ على محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) رواه أحمد وأبو داود.
عِبَادَ اَللَّهِ وَكَيْفَ لَا نَخَافُ مِنْ اَلْوُقُوعِ فِي اَلشِّرْكِ، وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى اَلْإِسْلَامِ اَلْيَوْمَ قَدْ وَقَعُوا فِيهِ وَمَارَسُوهُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ عِنْدَ اَلْقُبُورِ، فَفِي اَلصَّحِيحِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْض اَلْحَبَشَةِ، وَمَا فِيهَا مِنْ اَلصُّوَرِ؛ فَقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ، أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ)). متفق عليه
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، وَاعْبُدُوهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقِّقُوا اَلتَّوْحِيدَ تُفْلِحُوا، فَإِنَّ اَلتَّوْحِيدَ ولِلَّهِ اَلْحَمْدُ مُنْتَشِرٌ وَمُنْتَصِرٌ، كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ((لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الحقِّ منصورةً لا يَضُرُّهم مَن خَذَلهم ولا مَن خالَفَهم حتى يأتي أمرُ اللهِ)) جَعَلنَا اللهُ وإيَّاكُم مِنْهُم بمنِّه وجُودِه وكرمِه.
عباد الله صَلُّوا وسَلِّمُوا عَلى رَسُولِ الله ....
المرفقات

1761248247_الحث على التوحيد والتحذير من الشرك بالله.docx

1761248258_الحث على التوحيد والتحذير من الشرك بالله.pdf

المشاهدات 318 | التعليقات 0