الحق المبين

توفيق الغامدي
1446/07/06 - 2025/01/06 01:28AM

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَاوَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،وأَشْهَدُ أَنْ لَا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ. ﷺ

 (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَاوَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَاْلأَرْحَامَ إِنَّ اللهَكَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، أَمَّا بَعْدُ:

 


إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمنوا بربهم ، هذا الوصفُ لهم من اللهِ تعالى فيه عظيمُ المَدحِوالثناءِ، فمع حَداثةِ أسنانِهم إلا أنهم آمنوا بربِّ السَّماءِ، وقَبِلوا الحقَّ الذيليسَ فِيهِ خَفاءٌ، فربطَ اللهُ قلوباً توَجَّهتْ إليه بالدُّعاءِ، وصَدَعوا بكلمةِالتَّوحيدِ التي اهتزَّ لها الفَضاءُ، (إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)، وصَدَقوا واللهِ، لقد قالَشطَطاً أيْ باطلاً وكَذِباً وبُهتاناً من دعا مع اللهِ أحداً.

الشَّبابُ هم أكثرُ النَّاسِ جُرْأَةً إذا اقتَنَعوا، وأَقبلُ للحقِّ إذا صَدَّقوا، وأَهدىللسَّبيلِ إذا تيَقَّنوا، وأرهَفُ إحساساً إذا أحبُّوا، وأذكى في النَظرِ فيحقائقِ الأمورِ، فَهَا هُم نَظروا إلى مَا عَليهِ قَومُهم من عبادةِ غيرِ الذي خلقَكلَ شيءٍ فأبدعَ، ورزقَ كلَ حيٍ فأشبعَ، وعَبَدوا من دونِه من لا يُبصرُ ولايَسمعُ، ومن لا يضرُّ ولا يَنفعُ، فقالوا: (هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةًلَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا).

وما أجملَ الإيمانَ إذا خالطَتْ بشاشتُه قلوبَ الشَّباب، فامتلأتْ نفوسُهمباليقينِ، واختلطَ كلامُهم بالتفاؤلِ، فها هم يتَّجِهونَ إلى كهفٍ في جَبَلٍ،وكُلُّهم في ربِّ السمواتِ والأرضِ الأملُ، (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوارَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)، فَيَتَساءَلُ السَّامعُ: أيُّرحمةٍ ورُشدٍ في فجوةِ جبلٍ قد اجتمعتْ فيه هوَامُّ الأرضِ؟، فنقولُ: إن كانَالحافظُ هو العزيزُ الجَبَّارُ، أصبحَ الكهفُ مصدرَ أمانٍ وهدوءٍ واستقرارٍ.

 


ولِذَلِكَ أصبحَ من خرجَ خائفاً مِن الإعدَامِ، ينامُ في كهفٍ مَفتُوحٍ بِسَلامٍ، ومنيكنِ اللهُ معَه فمعَه العينُ التي لا تنامُ، ومعه القوَّةُ التي لا تُغلَبُ، وهانتعليه المَشاقُّ، وسَهُلَ عليه كلُّ عسيرٍ، وقَربُ له كلُّ بعيدٍ، وزالتْ همومُهوغمومُه وأحزانُه، وما أجملَها من كُهُوفٍ، إن كانَ الصَّاحبُ فيها هو الرَحِيمُالرَّؤوفُ، فإنها تكونُ سعادةً وأماناً من الخوفِ.

وإذا أردتَ أن تعرفَ هذا فانظر إلى هذا الكهفِ المُخيفِ، كيفَ كانَ بيتاًفسيحاً، وسَريراً مُريحاً، ينامونَ فيه سنَواتٍ عديدةً، (فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْفِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا)، وجعلَ اللهُ تعالى على آذانِهم حِجاباً مانعاً منالسَماعِ، لِيَنَاموا في أَقصَى دَرجاتِ الرَّاحةِ والاستِمتَاعِ، (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)، فلا إله إلا اللهُ، ظَاهرةٌ عَجيبةُ الخَبرِ، لاتُقاسُ بقوانينِ البَشرِ. وليست عجبا من آيات الله ودلائل قدرته الكونيةفهناك ماهو أعجب منها .

ومن عجيبِ هذه القِصَّةِ، وكلُّها عَجيبٌ، قولُه تعالى: (وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِبِالْوَصِيدِ)، يحرسُهم عندَ البابِ، فأصابَه ما أصابَهم من النَّومِ على تلكالحالِ، وهذا فائدةُ صُحبةِ الأخيارِ، وأنَّ من أحبَّ أهلَ الخيرِ نالَ من بركتِهم،كلبٌ صَحِبَ أهلَ فضلٍ وإحسانٍ، فذكرَه اللهُ في مُحكمِ القُرآنِ، وصار له ذكرٌوخبرٌ وشأنٌ، فما ظنُّك بمؤمنٍ مُوَحِّدٍ مُحبٍّ للصَّالحينَ مُجالساً لهم، لذلكعندما يقولُ اللهُ تعالى لملائكتِه عن أهلِ مجالسِ الذِّكرِ: (فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْغَفَرْتُ لَهُمْ، فَيَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ،قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ).

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ،فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الذي جعلَ قوَّةَ هذه الأمةِ في إيمانِها، وعزَّها في إسلامِها، أحمدُهسبحانَه وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفرُه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لاشريكَ له، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه،وعلى آلِه وأصحابِه، وسلمَ تسليماً كثيراً .. أما بعد:

أيها الشَّبابُ  .. لم يذكرِ اللهُ سبحانَه وتعالى في قصَّةِ أصحابِ الكهفِأسماءً ولا أماكنَ ولا زمناً، وإنما ذكرَ أنهم (فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ)، بدأوابالإيمانِ الصَّادقِ لربِّ العالمينَ، واعتزَلوا أصحابَ السُّوءِ المُجرمينَ، فزادَهمهدىً، ونشرَ لهم من رحمتِه، وهيأَ لهم من أمره رشداً، وكذلك كلُّ من آمنَ بربِّهحقَّ الإيمانِ، وتابَ إليه من الذُّنوبِ والعِصيانِ، وهجرَ أهلَ الخطاياوالخُسرانِ، والتجأَ إلى اللهِ تعالى مُعتذراً من ذنبهِ ندمانَ، فلْيبشرْ بهدايةٍوتوفيقٍ وتثبيتٍ ونورٍ ورُشدٍ وإحسانٍ.

ولِذَلكَ جَاءتْ الوَصيَّةُ الرَّبانيَّةَ للثَّباتِ على الدِّينِ بعد ذكرِ قصَّةِ أصحابِالكهفِ، فَقَالَ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّيُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، الصُّحبةِ الصَّالحةِ، المُداومينَ على الطَّاعةِ ليلاً ونهاراً،المُخلصينَ الَّذينَ لا يُريدونَ إلا وجهَ اللهِ، ولأن الثَّباتَ عَلى الطَّاعةِ ثَقيلٌ مَتينٌ،جاءَ الأمرُ بتصبيرِ النَّفسِ مَعَ الصَّالحينَ.

واحذَرْ مِن بَريقِ الدُّنيا والشَّهواتِ، ولا تُكثرْ مِن التَّردُّدِ والالتفاتَ،

(وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، وانتَبه من هذا الصِّنفِ منالناسِ الذي قالَ عنه تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) فالقلبُغافلٌ عن ذِكرِ العزيزِ الغفورِ، (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) فهو يَهوي به في مَواطنِ الهَلاكِوالشُّرور، (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) فلا تراه مشغولاً إلا في حَقيرِ الأمورِ، عِندَهاسَتَكونُ حَقَّاً مِن أصحابِ الكَهفِ في هَذا الزَّمَانِ، وسَتنزِلُ عَليكَ الرَّحمةُوالهُدى والرُّشدُ مِن الرَّحمَانِ.

فينبغي الاعتزال والفرار والبعد عن مواقع الفتن اذا خاف الانسان علىدينه خوفا محققا وإن كانت من وسائل التواصل الاجتماعي التي تهدمالخير والفضيلة وقد قيل الوحدة خير من جليس السوء

اللهم اهدِ شبابَ المسلمينَ، ورُدَّ ضالَهم إليك رداً جميلاً، اللهم جَنبْهم قُرناءَالسُّوءِ والفَسادِ، اللهم أَقرَّ عُيونَ الآباءِ والأمهاتِ بصلاحِ أبنائِهم وبناتِهم ياربَّ العالمينَ

المشاهدات 93 | التعليقات 0