الحياء (مشكولة+مختصرة)

صالح عبد الرحمن
1447/04/02 - 2025/09/24 16:39PM

خطبة عن الحياء (مشكولة+مختصرة)

الخطبة الأولى: 

الحمدُ لله مُجزِلِ العَطَايا وَدَافِعِ النِّقمِ، أَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ يَعلَمُ الخَفَايا ومَا فِي الظُّلَمِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ خَيرُ الأَنَامِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه، وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وَمَنْ سَارَ على نَهجِهِ على الدَّوامِ. أمَّا بَعدُ: فَيَا مُسلِمُونَ، اتَّقوا اللهَ تَعالى وَأطِيعُوا أمْرَهُ ولا تعصوه. 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَاْلأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) .. أَمَّا بَعْدُ:

تَعَاقَبَ الأنبياءُ عَلى الوَصيةِ بِهِ، وأَجمَعَ على حُسنِهِ الحُكَمَاءُ، وتَتَابَعَ عَلى العَملِ بِهِ العُقَلاءُ، حَتى جَاءَ في وَصَاياَ سَيِّدِ الأتقيَاءِ، فَقَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ ‌فَاصْنَعْ ‌مَا ‌شِئْتَ)، فَمَا أَجمَلَهَا مِن كَلِمَاتٍ، مِن بَقَايَا تُراثِ النُّبوَاتِ، فَكُلُّ الشَّرائعِ والأَديانِ تَتَابَعتْ عَلى الوَصيَّةِ بَالحَياءِ، حَتى أَصبحَ شِعَاراً وخُلُقاً لدِينِ خَاتَمِ الأَنبياءِ، كَمَا قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلَامِ الْـحَيَاءُ).

مَا نَراهُ في الوَاقعِ اليوم، فَإنَّ الحَياءَ إذا ذَهَبَ، نُزِعَتْ الأَقنِعَةُ والبَرَاقِعُ، وظَهَرَتْ مَعَادِنُ النَّاسِ عَلى الحَقَائقِ، وَبَانَ مَا كَانَ يَسترُهُ الحَيَاءُ مِنَ البَوائقِ، عِندَهَا لا تَسلْ عَن سوءِ أخلاق الأَفرادِ والمُجتَمَعاتِ، فَيَكونُ القَبرُ خَيراً مِن تِلكَ السَّنَواتِ الخَدَّاعَاتِ، وَصَدَقَ القَائلُ:      

إذَا لَمْ تَخْـــشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي *** وَلَمْ تَسْـــتَحِ فَــاصْنَعْ مَــا تَشَاءُ

فَلَا وَاَللَّهِ مَا فِـي الْعَيْشِ خَـــيْرٌ *** وَلَا الدُّنْيَـا إذَا ذَهَـبَ الْحَيَـاءُ

يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْــتَحْيَا بِخَــيْرٍ *** وَيَبْقَى الْعُـودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ

(إِذَا لَمْ تَسْتَحِ ‌فَاصْنَعْ ‌مَا ‌شِئْتَ)، وتَكَلَّمْ فِي المَجَالسِ بِمَا تَشَاءُ، مِن كَذِبٍ وغِيبةٍ واستِهزَاءٍ، وافضَحْ مَا سَتَرَهُ اللهُ عَليكَ في ظُلمَةِ اللَّيالي، واطلِقْ لِلسَانِكَ العِنانَ لِيَقولَ مَا شَاءَ ولا تُبالي، فَإذا لَم يَمنَعْكَ دِينٌ ولا حَياءٌ، فَمَا هِيَ حُدودُك، وَكَمَا قَالَ مُعاذٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: يَا نَبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بِمَا نَتَكلَّمُ بِه؟، قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ثَكِلَتكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ عَلَى وجُوهِهِم، أَو عَلَى مَنَاخِرِهم، إلَّا حَصَائدُ أَلسِنَتِهم.

(إِذَا لَمْ تَسْتَحِ ‌فَاصْنَعْ ‌مَا ‌شِئْتَ)، فَانظُرْ لِمَا شِئتَ، واسمَعْ مَا شِئتَ، وافعَلْ مَا شِئتَ، واظلِم مَن شِئتَ، واكسِبْ مَالَكَ مِن حَيثُ شِئت، واصرِفْ مَالَكَ فِيما شِئتَ، وَمَا لَم تَستحِ مِنهُ اليَومَ فَستَجِدُهُ في كِتابٍ، عِندَمَا يُعرَضُ النَّاسُ في يومِ الحِسابِ، (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا).

 اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت. 

أَقولُ مَا تَسمَعونَ وَأَستغفرُ اللهَ العَظيمَ لي وَلَكم مِنْ كُلِّ ذَنبٍ فَاستغفِروه؛ إنَّهُ هُو الغَفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمدُ للهِ المَحمُودِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ حَالِ أَهلِ الضَّلالِ، وَأَشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ الكَبيرُ المُتَعالُ، وَأَشهدُ أنَّ نَبيَّنَا مُحمداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ، المَجبُولُ عَلَى جَميلِ الفِعَالِ، وَكَريمِ الخِصَالِ، صَلَّى اللهُ عَليهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَسَلَّمْ تَسليماً كَثيراً، أَمَا بَعدُ:

(إِذَا لَمْ تَسْتَحِ ‌فَاصْنَعْ ‌مَا ‌شِئْتَ)، فَصَوِّرْ مَا شِئتَ، وانشُرْ مَا شِئتَ، وَمِنْ أَجلِ شُهرَةٍ رَذِيلَةٍ، ولِجَمعِ أَموالٍ ذَلِيلَةٍ، ظَهَرَتْ عَورَاتٌ كَانتْ مَصونَةً، وأَسرارٌ كَانتْ مَدفونَةً، وأَصبَحَ التَّصويرُ يَصِلُ إلى كُلِّ مَكانٍ في البيتِ دُونَ استثناءِ، وَصَارَ كُلُّ شيءٍ قَابلاً للتَّصويرِ دُونَ تَحَفُّظٍ أو حَياءٍ، والعَجيبُ أَنَّ المُتَابعينَ لَهم بالآلافِ بَل بالمَلايينِ، فِي ضَياعٍ للأَوقاتِ والأَخلاقِ والدِّينِ، وَكَأنَّ حَالَ الزَّمَانِ يَقُولُ: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ). 

إذا لم تَصُنْ عِرْضًا وَلَم تَخشَ خَالِقًا *** وَتَستَحيِ مَخلوقًا فَمَا شِئتَ فَاصنَعِ

(إِذَا لَمْ تَسْتَحِ ‌فَاصْنَعْ ‌مَا ‌شِئْتَ)، والبَسْ مَا شِئتَ، وَقَلِّدْ مَن شِئتَ، فَهَذا قَصيرٌ يَكشِفُ أَفخَاذَ الرِّجَالِ، وَتِلكَ أَسَاورُ ورَبطَاتُ شَعرٍ وَسِلسَالٌ، فَهَلْ هَذا ما يَتَربى عَليهِ الأجيَالُ؟، وإذا لَم يَمنعِ الإنسانَ دِينٌ مَنَعَهُ الحَياءُ، وإذا ذَهَبَ الحَياءُ ذَهبَ الخَيرُ كُلُّهُ، كَما قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّمَ: (الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَا بِخَيْرٍ).

إذا قَلَّ مَاءُ الوَجهِ قَلَّ حَياؤُهُ *** وَلا خَيرَ في وَجهٍ إذا قَلَّ مَاؤُهُ

حَيَاؤُكَ فَاحفَظْهُ عَليكَ فَإنَّمَا *** يَدُلُّ عَلى وَجهِ الكَريمِ حَياؤُهُ

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ والشَّهَادَةِ، وَمُرَاقَبَتَكَ في السِّرِّ وَالْعَلانِيَة. 

المشاهدات 327 | التعليقات 0