الشائعاتُ

محمد محمد
1447/01/15 - 2025/07/10 08:35AM

الشائعاتُ-16-1-1447هـ-مستفادة من خطبة الشيخ تركي الميمان

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، أَمَّا بَعْدُ: فيَا أيُّها الـمُكَرَّمُونَ:

رُبَّ كَلِمَةٍ جَرَىَ بِهَا اللِّسَانُ؛ فهَلَكَ بِهَا الإِنْسَانُ! ورُبَّ شَائِعَة كانَتْ سَبَبًا في وُقُوعِ كَارِثَة!، قالَ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْسًا؛ يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا في النَّارِ!". قالَ ابنُ القَيِّم-رحمه اللهُ-: "وكَمْ تَرَى مِنْ رَجُلٍ مُتَوَرِّعٍ عَنِ الفَوَاحِشِ والظُّلْمِ، ولِسَانُهُ يَفْرِي في أَعرَاضِ الأَحيَاءِ والأَموَاتِ، ولَا يُبَالِي ما يَقُولُ!".

والقَلَمُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ، والخَطُّ لِسَانُ اليَدِ؛ فاحْفَظْ يَدَكَ عِندَ الكِتَابَةِ، كَمَا تَحْفَظُ لِسَانَكَ عندَ الكِلَام، فَإِنَّ اليَدَ واللِّسَانَ شاهِدَانِ على الإنسانِ! قالَ-عزَّ وجلَّ-: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

ومَنْ عَدَّ كَلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ: قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ! قالَ-تعالى-: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾.

والمُؤْمِنُ عاقلٌ فَطِنٌ، لا تَنْطَلِي عَلَيْهِ الشَّائِعَاتِ، ولا يَبْنِي على الظُّنُونِ والتَّخَرُّصَاتِ، قالَ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ".

ومِنْ آفَاتِ الشَّائِعَاتِ: أَنَّها مِنْ أَسْبَابِ الفِتْنَةِ في الدِّيْن؛ فَهِيَ السَّبَبُ في نشرِ الأَحَادِيثِ والأَخْبَارِ المَكْذُوبَة، على رَسُولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وأَصْحَابِهِ والصَّالحِيِن.

ونَشْرُ الشَّائِعَات أُسلُوبٌ قَدِيمٌ، اِسْتَعْمَلَهُ المُنَافِقُونَ في عَهدِ رَسُولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فقدْ كانوا يَنتَهِزُونَ كُلَّ فُرصَةٍ لِبَثِّ شَهَوَاتِهِم، وشُبُهَاتِهِم؛ لِلْطَّعْنِ في الإِسلَامِ ونَبِيِّهِ، كَحَادِثَةِ الإِفْكِ!

قالَ-تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾، قالَ السِّعْدِيُ-رحمه اللهُ-: "فَإِذَا كانَ هَذَا الوَعِيدُ؛ لِمُجَرَّدِ مَحَبَّةِ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ؛ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ إِظْهَارِهِ ونَقْلِهِ؟!".

وفي أوقَاتِ الفِتَنِ تَنْشَطُ الإِشَاعَاتُ، وقدْ جَاءَ الوَعِيدُ الشَّدِيدُ لِمَنْ يَنْشُرُونَ الشائِعَاتِ المُرجِفَةَ في صُفُوفِ المُسلِمِينَ؛ قالَ-عزَّ وجلَّ-: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ المُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا*مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾.

ولـمَّا كانَ بَعضُ النَّاسِ يَتَفَاعَلُ مَعَ الشَّائِعَاتِ بِتَصْدِيْقِهَا ونَشْرِهَا، فقدْ حَذَّرَهُم القُرآنُ، وأَمَرَهُمْ بالقولِ السديدِ، قالَ-عزَّ وجلَّ-: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾. 

ومِنَ الوِقَايَةِ مِنَ النِّفَاقِ حِفْظُ القَلبِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْشَّهَوَاتِ والشُّبُهَاتِ، وحِفْظُ الأُذُنِ مِنْ سَمَاعِ الأَرَاجِيفِ والشائِعَاتِ؛ قالَ اللهُ-سبحانه-عن أَهلِ النِّفَاقِ: ﴿يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾. قالَ المُفَسِّرُون: وَفِيكُمْ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامَهُم ويُصَدِّقُهُ، ويُطيعُهم، ويُعجَبُ بأَخبَارِهِم، ويَتَأَثَّرُ بِهِم.

والمَشَارَكَةُ في نَقلِ الشَّائِعَةِ قَبلَ التَّحَقُّقِ مِنهَا مُشَارَكَةٌ في الإثمِ والكَذِبِ!

قالَ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ".

ومِنْ آفَاتِ الشائعاتِ: الوقوعُ في الغِيبَةِ؛ قالَ-عزَّ وجلَّ-: ﴿ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾، قال ابنُ كثيرٍ-رحمه اللهُ-: "أي كما تكرهونَ هذا-أكلَ لحمِ الميتِ-طبعًا؛ فاكرهوا ذَاكَ-الغيبةَ-شَرْعًا، فإِنَّ عُقُوبَتَهُ أَشَدُّ مِنْ هذا"، قالَ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي-عزَّ وجلَّ-مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُم وصُدُورَهُم، فقلتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قال: هؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، ويَقَعُونَ في أَعْرَاضِهِم!".

ومِنْ آفَاتِ الشائعاتِ: التحريشُ بينَ المسلمينَ، والافتراءُ عليهِم؛ قالَ-تعالى-: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾، وَعِيدٌ شَدِيْدٌ لِكُلِّ هَمَّازٍ: يَعِيبُ النَّاسَ بِفِعْلِهِ، لَـمَّازٍ: يَعِيبُهُم بِقَولِهِ، قالَ ابنُ عبَّاسٍ-رضيَ اللهُ عنهما-: "هُمُ المَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، المُفَرِّقُونَ بَينَ الأَحِبَّةِ"، ومَرَّ النَّبِيُّ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:بِقَبْرَيْنِ؛ فقالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ ... أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَة".

قالَ يحيى بنُ أبي كثيرٍ-رحمه اللهُ-: "يُفْسِدُ النَّمامُ في ساعةٍ، ما لا يُفْسِدُ الساحرُ في سنَة!".

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فَلِلْوِقَايَةِ مِن الشائعاتِ أسبابٌ منها: الرُّجُوعُ إلى القَاعِدَةِ الشَّرعِيَّةِ: حُسْنُ الظَّنِّ بِالمُسلِمِ، وأَنَّ الأَصلَ فِيهِ البَرَاءَة؛ فلَا يَجُوزُ اتِّهَامُهُ بِمَا لَيسَ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ إثمٌ مبينٌ، قالَ-سبحانَهُ-: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾، قالَ ابنُ عُثَيْمِينَ-رحمه اللهُ-: "إِيَّاكَ وَسُوءَ الظَنِّ بِمَنْ ظَاهِرُهُ العَدَالَةُ؛ لِأَنَّ الإِنسَانَ قد يُسِيءُ الظَنَّ بِشَخْصٍ؛ بِنَاءً على وَهْمٍ كَاذِبٍ لا حَقِيقةَ له!".

ومِنْها: التَّأَكُّدُ مِنْ صِحَّةِ النَّقْلِ والخَبَرِ، قَبْلَ أَنْ تَبْنِيَ عليه الحُكمَ والأَثَر؛ فَرُبَّ شَائِعَةٍ كَانَتْ سَبَبًا في هَدْمِ أُسرَةٍ، وانقلابِ مَحَبَّةٍ، وتَشْوِيهِ سُمْعَةٍ! قالَ-جلَّ جلالُه-: ﴿فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.

ومنها: التَّثَبُّتُ فِيمَا يُنقَلُ مِنَ الأحاديثِ والأَقوالِ، وما يُنسَبُ إلى الدينِ مِنَ الفَضَائِلِ والأَعمَالِ! قالَ-سبحانَهُ-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾.

ومِنْها: عَدَمُ الخَوضِ فِيهَا بِلَا عِلْمٍ، وتَرْكُ الأَمرِ لِأَهْلِهِ، قالَ-تعالى-: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾.

ومِنَها: التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ، فَهُوَ الحِصْنُ الحَصِينُ، والدِّرْعُ المَتِينُ، في مُوَاجَهَةِ المُرجِفِينَ والمُخَذِّلِينَ، فَإِنَّ المُؤمِنِينَ حَقًّا لا يُبَالُونَ بِالحَربِ النَّفسِيَّةِ، ولا تَهُزُّهُمُ الشائعاتُ الإِعلَامِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ وَاثِقُونَ بِاللهِ، مُتَوكِّلُونَ عليهِ!، قالَ-تعالى-: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ*فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾، قال ابنُ كَثِيرٍ-رحمه اللهُ-: "تَوَعَّدَهُمُ النَّاسُ وخَوَّفُوْهُمْ بِكَثْرَةِ الأَعْدَاءِ، فَمَا اكْتَرَثُوا لِذَلِكَ! بَلْ تَوَكَّلُوا على اللهِ؛ فكَفَاهُمْ ما أَهَمَّهُم، ورَدَّ عَنهُم بَأْسَ مَنْ أَرَادَ كَيدَهُم".

الدعاء

اللَّهمَّ لكَ الحمدُ، وإِليكَ الـمُشتكى، وأَنتَ الـمُستَعانُ، وبِكَ الـمُستغاثُ، وعليكَ التُكْلان، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بكَ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ انصرْ المسلمينَ وجنودَنا الـمُرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ.

اللَّهُمَّ أَلِّفْ بينَ قلوبِ الـمُسلمينَ، وأصلحْ ذاتَ بينهم.

اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والـمُسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والـمسلمينَ والـمسالِمين.

اللَّهُمَّ ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالـمينَ.

المرفقات

1752125729_الشائعاتُ-16-1-1447هـ-مستفادة من خطبة الشيخ تركي الميمان.docx

1752125729_الشائعاتُ-16-1-1447هـ-مستفادة من خطبة الشيخ تركي الميمان.pdf

المشاهدات 170 | التعليقات 0