العين والمس والسحر … الدواء والدرع والحصن
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
«العَيْنُ وَالمَسُّ وَالسِّحْرُ…الدَّوَاءُ وَالدِّرْعُ وَالحِصْنُ»
الخطبة الأولى
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَقَهَرَ جَمِيعَ خَلْقِهِ عِزَّةً وَحُكْمًا.
أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، مَلِكُ المُلْكِ، يُؤْتِي المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَحُجَّةً عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللَّهِ – وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ؛ فَهِيَ السِّلَاحُ، وَهِيَ الحِصْنُ، وَهِيَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ فِي الحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنوا بِرَسولِهِ يُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رَحمَتِهِ وَيَجعَل لَكُم نورًا تَمشونَ بِهِ وَيَغفِر لَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [الحديد: ٢٨]
أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ،
يَخَافُ النَّاسُ كَثِيرًا مِمَّا لا يُرَوْنَهُ بِأَعْيُنِهِمْ: يَخَافُونَ العَيْنَ، وَيَخَافُونَ المَسَّ، وَيَخَافُونَ السِّحْرَ، وَالحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الأُمُورَ وِجْدَانًا وَشَرْعًا حَقٌّ لا يُجْحَدُ، لَكِنَّهَا تَجْرِي كُلُّهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، لَا تَخْرُجُ عَنْ مَشِيئَتِهِ، وَلَا تَقَعُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَاللَّهُ – جَلَّ وَعَلَا – أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، أَرْحَمُ بِنَا مِنَ الأُمِّ بِوَلَدِهَا، يُدَبِّرُ أَمْرَنَا، وَيَكْفِينَا الشَّرَّ إِذَا لُذْنَا بِهِ وَتَوَكَّلْنَا عَلَيْهِ.
خُطُورَةُ السِّحْرِ وَحُكْمُه
عِبَادَ اللَّهِ،
السِّحْرُ حَقٌّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ سَبِيلُ الشَّيَاطِينِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا:
﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾
وَقَدْ عَدَّ النَّبِيُّ ﷺ السِّحْرَ مِنَ السَّبْعِ المُوبِقَاتِ – المُهْلِكَاتِ – مَعَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عِظَمِ جُرْمِهِ وَشِدَّةِ خُطُورَتِهِ.
وَمِنْ أَعْظَمِ الجِنَايَاتِ أَيْضًا: أَنْ يَأْتِيَ الإِنْسَانُ السَّحَرَةَ وَالعَرَّافِينَ وَالكُهَّانَ، يَسْأَلُهُمْ عَنِ الغَيْبِ وَالمُسْتَقْبَلِ، أَوْ يَطْلُبُ مِنْهُم حَلَّ مُشْكِلَاتِهِ بِالسِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ؛ قَالَ ﷺ – بِمَعْنَاهُ –:
«مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»،
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ».
فَاحْذَرُوا – رَحِمَكُمُ اللَّهُ – مِنْ هَؤُلَاءِ المُشَعْوِذِينَ، لَا تَنْخَدِعُوا بِأَشْكَالِهِمْ، وَلَا بِكَلَامِهِمْ، وَلَا بِمَا يُظْهِرُونَهُ مِنْ مَسَاجِدَ وَأَذْكَارٍ وَمُصْحَفٍ؛ فَالسِّحْرُ بَابٌ لِلشِّرْكِ وَالكُفْرِ، وَالتَّعَامُلُ مَعَهُمْ جُرْمٌ فِي الدِّينِ، وَمَذَلَّةٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
مَنْ أُصِيبَ بِسِحْرٍ أَوْ مَسٍّ… مَاذَا يَصْنَعُ؟
وَقَدْ يُبْتَلَى بَعْضُ عِبَادِ اللَّهِ بِسِحْرٍ، أَوْ عَيْنٍ، أَوْ مَسٍّ، فَيَجِدُ فِي نَفْسِهِ ضِيقًا وَهُمُومًا، أَوْ تَعَبًا فِي جَسَدِهِ، أَوْ أَحْلَامًا مُفْزِعَةً، أَوْ نَفُورًا مِنَ العِبَادَةِ وَأَهْلِهَا.
أَيُّهَا المُبْتَلَى، يَا مَنْ ضَاقَ صَدْرُهُ:
اصْبِرْ، وَلَا تَيْأَسْ، وَلَا تَظُنَّ أَنَّ بَابَ الفَرَجِ قَدْ أُغْلِقَ، فَرَبُّكَ يَقُولُ: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾
خُذْ بِالأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ:
الزَمِ الرُّقْيَةَ الشَّرْعِيَّةَ بِآيَاتِ الكِتَابِ وَأَذْكَارِ السُّنَّةِ.
ارْقِ نَفْسَكَ، فَهُوَ أَكْمَلُ فِي التَّوَكُّلِ، وَإِنِ احْتَجْتَ لِمَنْ يَرْقِيكَ فَلْيَكُنْ مِمَّنْ يُعْرَفُ بِالسُّنَّةِ وَالعَقِيدَةِ وَالأَمَانَةِ.
أَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ، وَتَيَقَّنْ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُفَرِّجَ عَنْكَ فِي لَحْظَةٍ.
يَا صَاحِبَ الهَمِّ إِنَّ الهَمَّ مُنْفَرِجٌ أَبْشِرْ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الفَارِجَ اللَّهُ
اليَأْسُ يَقْطَعُ أَحْيَانًا بِصَاحِبِهِ لَا تَيْأَسَنَّ فَإِنَّ الكَافِيَ اللَّهُ
اللَّهُ يُحْدِثُ بَعْدَ العُسْرِ مَيْسَرَةً لَا تَجْزَعَنَّ فَإِنَّ الصَّانِعَ اللَّهُ
إِذَا ابْتُلِيتَ فَثِقْ بِاللَّهِ وَارْضَ بِهِ إِنَّ الَّذِي يَكْشِفُ البَلْوَى هُوَ اللَّهُ
مَا دُمْتَ مَعَ اللَّهِ فَلَا بُؤْسَ وَلَا خَوْفَ، وَمَا دُمْتَ حَوْلَ بَابِهِ فَإِنَّ الفَرَجَ قَرِيبٌ.
عِبَادَ اللَّهِ،
مِنَ البَلَايَا أَيْضًا: مَسُّ الشَّيْطَانِ لِلإنْسِيِّ؛ قَدْ يَتَلَبَّسُ الجِنِّيُّ بِالإِنْسِيِّ بِإِذْنِ اللَّهِ، امْتِحَانًا وَابْتِلَاءً، وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ»
وَمِنْ أَسْبَابِ وُقُوعِ المَسِّ وَتَسَلُّطِ الشَّيَاطِينِ – وَالعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ –:
ضَعْفُ الذِّكْرِ، وَكَثْرَةُ الغَفْلَةِ، فَالقَلْبُ الخَاوِي مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ مَرْعًى لِلشَّيْطَانِ.
أَنْ يَخْلَعَ الإِنْسَانُ ثِيَابَهُ وَلَا يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ، وَخُصُوصًا عِنْدَ دُخُولِ الخَلَاءِ، وَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ سِتْرٌ بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ.
أَنْ يُكْثِرَ الكَلَامَ وَالمَكْثَ فِي أَمَاكِنِ الخَبَثِ وَالقَذَرِ؛ فَإِنَّهَا مَوَاطِنُ حُضُورِ الشَّيَاطِينِ، وَالمُؤْمِنُ يُخَفِّفُ مَكْثَهُ فِيهَا، وَيَلْتَزِمُ أَذْكَارَ الدُّخُولِ وَالخُرُوجِ.
وَالمَسُّ – عِبَادَ اللَّهِ – حَقِيقَةٌ وُجِدَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَفِي أَزْمِنَةِ الصَّحَابَةِ، لَيْسَ كُلُّ حَالَةٍ نَفْسِيَّةٍ مَسًّا، وَلَا كُلُّ تَعَبٍ جَسَدِيٍّ جِنًّا، وَلَكِنْ بَعْضُ النَّاسِ قَدْ يُصَابُ بِذَلِكَ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَعَافِيَنَا وَإِيَّاكُمْ.
هذا واعلموا يرحمكم الله!
أن عِلَاجُ المَسِّ وَالسِّحْرِ وَالعَيْنِ يَدُورُ عَلَى أُمُورٍ أَصِيلَةٍ:
1. الرُّقْيَةُ الشَّرْعِيَّةُ: بِقِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ، وَآيَةِ الكُرْسِيِّ، وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ البَقَرَةِ، وَالمُعَوِّذَاتِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الآيَاتِ؛ يَقْرَؤُهَا الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَنْفُثُ فِي يَدَيْهِ، وَيَمْسَحُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ.
2. الإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ عَامَّةً؛ فَالقُرْآنُ كُلُّهُ شِفَاءٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾
3. سُورَةُ البَقَرَةِ خَاصَّةً: بَيْتٌ تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ لَا يَقْرَبُهُ الشَّيْطَانُ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ – أَيْ السَّحَرَةُ – كما ثبت في الحديث.
4. اللُّجُوءُ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ، وَالإِكْثَارُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، وَتَجْدِيدُ التَّوْبَةِ، وَتَرْكُ المَعَاصِي؛ فَعَلَّةُ القُلُوبِ الأَكْبَرُ هِيَ الذُّنُوبُ.
يَا عِبَادَ اللَّهِ،
تَحَصَّنُوا بِذِكْرِ اللَّهِ فِي الصَّبَاحِ وَالمَسَاءِ، وَعِنْدَ النَّوْمِ، وَعِنْدَ الدُّخُولِ وَالخُرُوجِ، وَعِنْدَ رُكُوبِ السَّيَّارَةِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الخَلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَالمُؤْمِنُ كُلُّهُ بَيْنَ ذِكْرٍ وَتَحْصِينٍ.
ويَا مَنْ يُعانِي مَسًّا أَوْ سِحْرًا أَوْ عَيْنًا…
اصبر وتَفَاءَلْ، وَأَحْسِنِ الظَّنَّ بِاللَّهِ، وَاجْعَلْ لِسَانَ حَالِكَ يَقُولُ:
إِلَيْكَ المُشْتَكَى لَا مِنْكَ رَبِّي __ وَأَنْتَ لِحَادِثَاتِ الدَّهْرِ حَسْبِي
تَرْوِي غِلَّتِي وَتَرُمُّ حَالِي __ وَتُؤْمِنُ رَوْعَتِي وَتُزِيلُ كَرْبِي
إِلَى رَبِّي وَلَيْسَ إِلَي سِوَاهُ __ مَدَدْتُ يَدِي مُرْتَجِيًا رِضَاهُ
اللَّهُمَّ فَرِّجْ عَنْ كُلِّ مَنْ يُعَانِي عَيْنًا أَوْ سِحْرًا أَوْ مَسًّا،
اللَّهُمَّ الطُفْ بِهِمْ، وَاشْفِ قُلُوبَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ،
اللَّهُمَّ اكْشِفْ ضُرَّهُمْ، وَاصْرِفْ عَنْهُمْ مَا أَهَمَّهُمْ،
اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُمْ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا،
يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ… أَنْتَ حَسْبُنا وإياهم وَنِعْمَ الوَكِيلُ.
اقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، يَكْشِفُ البَلَاءَ، وَيُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ – عِبَادَ اللَّهِ – وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَخَافُهُ النَّاسُ: العَيْنُ. وقد قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «العَيْنُ حَقٌّ»، وَفِي لَفْظٍ: «العَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ القَدَرَ لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ»
وَفِي حَدِيثٍ حَسَّنَهُ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ:
«أكثرُ مَن يموتُ مِن أُمَّتي بعدَ قضاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ بالأنفسِ – أي بالعَيْنِ»
فَالعَيْنُ حَقٌّ، وَتُسَبِّبُ – بِإِذْنِ اللَّهِ – أَذًى عَظِيمًا: مَرَضًا فِي البَدَنِ، أَوْ ضِيقًا فِي الصَّدْرِ، أَوْ تَعَطُّلًا فِي الأَرْزَاقِ، أَوْ نَفُورًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ.
نسأل الله العظيم لنا ولكم العافية.
وَمِنَ النَّاسِ – مَعَ الأَسَفِ – مَنْ أَلِفَ أَنْ يَصِفَ كُلَّ شَيْءٍ بِمُبَالَغَةٍ، يَنْظُرُ لِلْبَيْتِ فَيُسْرِفُ فِي الإِعْجَابِ، يَنْظُرُ لِلْوَلَدِ فَيُكْثِرُ مِنَ الوَصْفِ، لَا يَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ، اللَّهُمَّ بَارِكْ، وَلَا يُذْكَرُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ، حَتَّى يَتَأَذَّى أَقَارِبُهُ وَأَصْدِقَاؤُهُ مِنْ عَيْنِهِ.
هَذَا الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ النَّاسَ يَتَضَرَّرُونَ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ، وَلَا يَسْتَغْسِلُ لِإِخْوَانِهِ، وَلَا يَدْعُو لَهُمْ، هَذَا مُؤَاخَذٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَيَأْثَمُ بِتَعَمُّدِهِ وَإِهْمَالِهِ.
فَلْيَكُنْ دَيْدَنُنَا – يَا عِبَادَ اللَّهِ – إِذَا أَعْجَبَنَا شَيْءٌ أَنْ نَقُولَ:
مَا شَاءَ اللَّهُ، لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ،
أَوْ نَقُولَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ، اللَّهُمَّ زِدْهُ مِنْ فَضْلِكَ،
وَلْنَحْذَرْ مِنْ نَشْرِ كُلِّ نِعْمَةٍ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ دُونَ تَحْصِينٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ؛ فَكَمْ مِنْ صُورَةٍ وَمَقْطَعٍ كَانَ سَبَبًا فِي عَيْنٍ أَوْ حَسَدٍ.
ومع ثبوتِ العَيْنِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ الْحَكِيمَ لَمْ يَتْرُكْنَا؛ دَلَّنَا عَلَى الأَذْكَارِ الَّتِي تَكُونُ لَنَا دِرْعًا وَحِصْنًا:
مِنْهَا: قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ:
«مَنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ، فِي الْأَرْضِ، وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ، حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ» رواه أبو داود والترمذي.
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ ﷺ فِي التَّعَوُّذِ:
«أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ» – يُكَرِّرُهَا ثَلَاثًا حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ.
وَمِنْهَا: قِرَاءَةُ آيَةِ الكُرْسِيِّ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقِرَاءَةُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالمُعَوِّذَتَيْنِ ثَلَاثًا فِي الصَّبَاحِ وَالمَسَاءِ، فَهَذَا كُلُّهُ حِفْظٌ وَ حِصَانَةٌ لِلْعَبْدِ بِإِذْنِ اللَّهِ.
فَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِهَذِهِ الأَذْكَارِ، وَعَلِّمُوهَا أَوْلَادَكُمْ، وَاجْعَلُوهَا عَادَةً يَوْمِيَّةً لا تَتْرُكُونَهَا فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ.
ِبَادَ اللَّهِ،
وَمِمَّا يَجْلِبُ الرَّحْمَةَ، وَيُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَيُسْقِطُ عَنِ العَبْدِ الهُمُومَ وَالغُمُومَ: كَثْرَةُ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ؛ فَإِذَا كَانَتِ العَيْنُ وَالمَسُّ وَالسِّحْرُ تَجْلِبُ الأَذَى، فَإِنَّ الصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ تَجْلِبُ الرَّحْمَةَ وَالنُّورَ وَالسَّكِينَةَ.
فأكثروا مِنَ الصَّلاةِ عَلَى خَيْرِ البَشَرِ.
وَقَدْ قَالَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،
اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ،
اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا السِّحْرَ وَالسَّحَرَةَ، وَالعَيْنَ وَالحَسَدَ، وَالمَسَّ وَالشَّيَاطِينَ.
اللَّهُمَّ يَا كَافِي، يَا شَافِي، يَا مُعَافِي، اكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَأَغَمَّنَا.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا وَأَهْلِينَا وَأَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ المُكْثِرِينَ مِنْ ذِكْرِكَ، القَائِمِينَ بِأَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالمَسَاءِ، المُتَّخِذِينَ كِتَابَكَ دِرْعًا وَحِصْنًا وَشِفَاءً.
اللهم يا ربَّ السماوات والأرض، يا واسع الرحمة، يا مَن بيدِه مفاتيحُ الغيث، نحمدك على نِعَمِك الظاهرة والباطنة، ونثني عليك الخيرَ كلَّه، لا نُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك. اللهم إنّا عبيدُك الضعفاء، لا نملك لأنفسِنا ضرًّا ولا نفعًا، نسألك فضلَك وجودَك، ونتوسل إليك برحمتك…
اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم اسقِ عبادَك وبهائمَك، وانشر رحمتك، وأحيِ بلدك الميت.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ،
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾
فَاذْكُرُوا اللَّهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1764232277_العين والمس والسحر … الدواء والدرع والحصن.doc