الفائزون في الأخدود 25/4/1447

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1447/04/24 - 2025/10/16 11:31AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ،  لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والأرض وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ نَحْمَدُهُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالْعَافِيَةِ وَالْبَلَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاإِلَهَ إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لاشَرِيكَ لَهُ؛ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ سيد الثابتين وقدوة العبيد صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ أولي الأمر الرشيد وسلم تسليما أما بعد : فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين

قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود

قصة تحكي فِئةً من المؤمنين السابقين على الإسلام ابتلوا بأعداء لهم طُغاة قساة ، أرادوهم على ترْك عقيدتهم والارتداد عن دِينهم، فأبوا وتمنَّعوا بعقيدتهم، فشقَّ الطغاة لهم شقًّا في الأرض، وأوقدوا فيه النار، وكبُّوا فيه جماعة المؤمنين فماتوا حرقًا، على مرأًى مِن الجموع التي حشدها المتسلِّطون؛ لتشهدَ مصرَع الفئة المؤمنة بهذه الطريقة البشِعة، ولكي يتلهَّى الطغاة بمشهَد الحريق؛ حريق الآدميِّين المؤمنين: ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾

 وهاك تفاصيل القصة يحكيها من لاينطق عن الهوى لتكون عبرة للمؤمنين ودرسا في الثبات والصبر واليقين

عن صُهيب - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "كان مَلك فيمَن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلمَّا كبِر، قال للملك: إني قد كَبِرتُ، فابْعَث إليّ غلامًا أُعَلِّمه السِّحر، فبَعث إليه غلامًا يُعلِّمه، فكان في طريقه إذا سلَك راهبٌ، فقعَد إليه وسَمِع كلامه، فأعْجَبه، فكان إذا أتى الساحر مرَّ بالراهب، وقعَد إليه، فإذا أتى الساحر ضرَبه، فشكى ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خَشِيتَ الساحر، فقل: حبَسَني أهلي، وإذا خَشِيت أهلك، فقل: حَبَسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابَّة عظيمة قد حَبَست الناس، فقال: اليوم أعلم: الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخَذ حجرًا، فقال: اللهم إن كان أمرُ الراهب أحبَّ إليك من أمر الساحر، فاقْتُل هذه الدابَّةَ؛ حتى يَمضي الناس، فرماها فقَتَلها، ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب: أيْ بُنَي، أنت اليوم أفضل مني، قد بلغَ من أمرك ما أرى، وإنك ستُبتلى، فإن ابتُليتَ فلا تدلَّ عليّ، وكان الغلام يُبْرِئ الأَكْمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسَمِع جليسٌ للملك كان قد عَمِي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما ها هنا لك أجمعُ، إن أنت شَفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدًا؛ إنما يَشفي الله -  فإن آمنتَ بالله  دعوتُ الله فشَفاك، فآمَن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلَس إليه كما كان يَجلس، فقال له الملك: مَن ردَّ عليك بصرَك؟ قال: ربي، قال: أوَلك ربٌّ غيري؟ قال: ربي وربُّك الله، فأخَذه فلم يَزَل يُعَذِّبه حتى دلَّ على الغلام، فجِيء بالغلام، فقال له الملك: أيْ بُني، قد بلَغ مِن سحرك ما تُبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل ما تفعل؟ قال: إني لا أشفي أحدًا؛ إنما يشفي الله ، فأخَذه فلم يَزَل يُعذِّبه؛ حتى دلَّ على الراهب، فجِيء بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمِنشار فوُضِع في مَفْرِق رأسه، فشقَّه حتى وقَع شِقَّاه، ثم جِيء بجليس الملك، فقيل له: ارجِع عن دينك، فأبى، فوُضِع المِنشار في مَفْرِق رأسه، فشَقَّه حتى وقَع شِقَّاه، ثم جِيء بالغلام، فقيل له: ارجِع عن دينك، فأبى، فدفَعه إلى نفرٍ من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصْعَدوا به الجبل، فإذا بَلَغْتُم ذِروته، فإن رجَع عن دينه وإلاَّ فاطْرَحوه، فذَهَبوا به فصَعِدوا به الجبل، فقال: اللهم اكْفِنيهم بما شِئْت، فرَجَف بهم الجبل، فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعَل أصحابُك؟ فقال: كفانِيهم الله - سبحانه وتعالى - فدفَعه إلى نفرٍ من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحْمِلوه في سفينة، فتوسَّطوا به البحر، فإن رجَع عن دينه، وإلاَّ فاقْذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم اكْفِنيهم بما شِئْتَ، فانْكَفَأت بهم السفينة، فغَرِقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعَل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله - سبحانه وتعالى - فقال للملك: إنك لستَ بقاتلي؛ حتى تفعل ما آمُرُك به، فقال: ما هو؟ قال: تَجمع الناس في صعيد واحد، وتَصلبني على جذعٍ، ثم خُذ سهمًا من كِنانتي، ثم ضَعِ السهم في كبدِ القوس، وقل: بسم الله ربِّ الغلام، ثم ارْمِني، فإنك إن فعَلت ذلك، قتَلتني، فجمَع الناس في صعيد واحدٍ وصَلَبه على جِذْعٍ، ثم أخَذ سهمًا من كِنانته، ثم وضَع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله ربِّ الغلام، ثم رماه، فوقَع السهم في صُدغه، فوضَع يده في موضع السهم، فمات، فقال الناس: آمنَّا بربِّ الغلام ثلاثًا، فأُتِيَ الملك، فقيل له: أرأيتَ ما كنت تَحذر؟ قد والله وقَع بكَ حَذَرُك؛ قد آمَن الناس، فأمَر بالأخاديد في أفواه السِّكك، فَخُدَّت، وأُضْرِم (فيها) النيران، وقال: مَن لَم يرجع عن دينه، فأقْحِموه فيها، أو قيل له: اقْتَحِم، ففعلوا، حتى جاءت امرأة معها صبيٌّ لها، فتَقاعَست أن تقعَ فيها، فقال لها الغلام: يا أُمَّه، اصبرِي؛ فإنَّك على الحق ، أخرجه مسلم

ويسدل الستار على مجزرة ضحاياها موحدون لتكون درسا للاحقين في الثبات على الحق ولو فنيت الأجساد ودمرت الديار ، ولتعلم الأجيال أن دين الله قام على تضحيات وبذل وعطاء ، وأن الفرج لابد له من صبر وأن العسر يعقبه اليسر .. ولتعلمنا أن المطلوب هو البذل ولو لم نر النتائج فالغلام بذل روحه لدين الله ولم يدرك ثمرات بذله وأن من توكل على الله كفاه واحفظ الله يحفظك ، وتنتهي قصة ثباتهم وقد ملأت القلب بروعة الإيمان المستعلي على الفتنة، والعقيدة المنتصرة على الحياة.

أقول هذا القول ...

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

قصة أصحاب الأخدود ومشاهد القتل والإبادة والتعذيب التي يتعرض لها المسلمون قصة لم تنته بعد ولو توقفت الحروب.. وبقيَ منها الفصلُ الأخيرُ.. وهو عندما يجمعُ اللهُ تعالى الأولينِ والآخرينِ ثُمَّ يفصلُ بينهم بالحقِّ .. بحكمٍ فصلٍ عدلٍ .. حينها يأتي الحُكمُ النِّهائي (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)

عندها سيعلمُ الأشهادُ ما هي حقيقةُ الانتصارِ .. ومن هو الفائزُ الحقيقيُّ .. وسيظهرُ للجميعِ معنى قولِه تعالى: (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)

قصة أصحاب الأخدود علمتنا أن الفوز والخسارة ليست هي معايير البشر ولا مقاييس الدنيا وإنما هي ما قرره الله تبارك وتعالى ورسله وذلك كله هو منهاج الأديان السماوية؛ فتأمل كيف أن الفئة المؤمنة تعرَّضت للحريق في الدنيا في سبيل أن تنجو من حريق الآخرة الأبدي، فكانت لهم السعادة الأبدية والخلود في جنات النعيم ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ )، حقًّا وصدقًا ذلك الفوز الكبير حينما فازوا بالثبات على المباديء والصمود أمام الترغيب والترهيب ولم يسلكوا سبيل التنازلات  ولا الترخص ولو كان الثمن ذهاب الأرواح ،  وانظر إلى الفئة الباغية الطاغية ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ( ولكن اين حريق من حريق في شدته أو مدته ، وحريق الدنيا بنار يوقدها الخلق وحريق الآخرة بنار يوقدها الخالق ، وحريق الدنيا لحظات وتنتهي وحريق الآخرة آباد لايعلمها إلا الله ، ومع حريق الدنيا رضى الله عن المؤمنين وانتصار وفوز بالثبات ومع حريق الآخرة غضب الله والارتكاس الهابط الذميم

في حساب الأرض أنًّ هذه الفئة ذُلَّت وهزمت ، وفي حساب السماء أن هذه الفئة ماتت عزيزة كريمة من أجل مبادئها، فاستحقت وساماً خالداً سامقاً، الذل الحقيقي في حساب السماء أن يبيع المرء دينه ومبادئه من أجل لُعاعة يتنعم بها.

إن مايظنه الناس فوزا قد يكون عند الله هو الخسران المبين ، وما يعتقدونه خسارة فهو عند الله هو الفوز العظيم

إن القتل وذهاب الأنفس وإن النقص في الأموال والأنفس والثمرات وإن المحن والابتلاءات هي في ظاهرها خسارة لكن في مقاييس الشرع وموازين العقل فوز واي فوز

لقد أدرك هذه الحقيقة حرام بن ملحان رضي الله عنه وقد طعنه المشركون فأخذ يجمع الدم ويمسح به وجهه ويقول : فزت ورب الكعبة .. إنه المعنى الذي أدركه شيخ الإسلام وهو يقول : قتلي شهادة ونفيي سياحة وسجني خلوة

لو أدركنا هذه الحقيقة لتحولت المحن منحا ، ولأصبحت الآلام أمالا ، ولأصبح العيش في جنة العبودية وروضة الطاعة نعيما يجالدنا عليه بالسيوف الملوك وأبناء الملوك

لو أدركنا هذه الحقيقة لعلمنا أننا بطاعة الله نعيش ملوكا أغنياء ولو كان أحدنا لايملك إلا قوت يومه لأن المقياس ليس هذه الحياة الفانية وإنما المقياس الحق ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز

لو أدركنا هذه الحقيقة لما تسخطنا من قدر ، ولما تنافسنا على حطام ، ولما تحاسدنا على لهو ولعب وزينة وتفاخر وتكاثر  .. لو أدركنا هذه الحقيقة لرأينا صور التنافس على الخيرات ومظاهر التسابق إلى الطاعات لنكون من الفائزين حقا .... كم من أشعث اغبر مدفوع بالأبواب لكنه قد كتب عند الله بأنه قد فاز فوزا عظيما ، وكم من أناس نحسبهم قد ملكوا من الدنيا كل مايشتهون لكنهم هم الأخسرون أعمالا لأنهم ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ... اللهم صل وسلم

المرفقات

1760603504_الفائزون في الأخدود.doc

المشاهدات 269 | التعليقات 0