القوامة بين عدالة الإسلام وزيف التغريب
د مراد باخريصة
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق الذكر والأنثى، وسنَّ لكل منهما وظيفة وأداء، وشرع القِوامة والعدل، ورفع مكانة المرأة بحق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خير من راعى أهله، وخير من كان لأهله، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد،
فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في السر والعلن، واعلموا أن من كمال الإيمان التسليم لأوامر الله، والثقة بحكمة شرعه، واليقين بأنّ الله لا يشرّع لعباده إلا ما فيه صلاحهم في العاجل والآجل.
أيها المسلمون: لقد كثرت في زماننا دعوات التغريب باسم "تحرير المرأة"، وتلبّست بأردية براقة وشعارات جذابة، لكنها في حقيقتها دعوات إلى نزع المرأة من فطرتها، وتشكيكها في شرع ربها، وتمردها على وظيفتها، وخلخلة بناء الأسرة المسلمة، ومحاولة إحلال الثقافة الغربية محل القيم الإسلامية.
ومن أبرز المفاهيم التي استُهدِفت بالطعن والتشويه: مفهوم القِوامة، تلك الكلمة التي شرّف الله بها الرجل تكليفًا لا تشريفًا، مسؤوليةً لا استبدادًا، وواجبًا لا تسلطًا.
يقول الله سبحانه وتعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء : 34] أي أن الرجل مسؤول عن رعاية المرأة، وصونها، وحفظ حقوقها، والقيام بشؤونها.
يقول النبي ﷺ: «الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [رواه البخاري ومسلم].
عباد الله، ليست القِوامة تحكمًا ولا قهرًا، بل هي تكليف للرجل أن يكد ويتعب، أن ينفق ويحمي، أن يعدل ويراعي، وأن يكون أمنًا وسكنًا وسندًا لامرأته، كما كان رسول الله ﷺ في بيته ومع نسائه، إنها القوامة التي تحفظ التوازن، لا تهدم الكرامة.
فأين نحن من وصيته صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرًا»؟ وأين نحن من قوله عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله»؟.
إن القِوامة ليست حكمًا مفرغًا من الضوابط، بل هي مقيدة بالعدل والرحمة وحسن العشرة.
قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقال: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}.
ولذلك، فإن من أساء استخدام القِوامة فأذلّ المرأة أو أهدر حقوقها، فقد خان الأمانة، وظلم نفسه وأهله، وفتح الباب لدعاة الفتنة ليطعنوا في شريعة الإسلام.
وإن أعظم ردّ على هؤلاء: أن نفهم القِوامة كما أرادها الله، وأن نُجسّدها عدلاً ورحمة وحنانًا ومسؤولية.
يا معشر الرجال، القوامة لا تُنال بالصراخ ولا بالغطرسة، بل بالصبر، والحكمة، والقيام بالحقوق، والإنفاق، وحسن التوجيه، والتضحية.
ويا معشر النساء، لا تسمعنّ إلى أبواق التغريب التي تدعوكنّ للتمرد والانفلات، فقد جلبت هذه الشعارات على الغرب التعاسة الأسرية، والانحلال الأخلاقي، والوحدة النفسية.
اسمعوا إلى شهادة نساء الغرب وهن يتحسّرن على فقدان المعاني التي نتمتع بها في أسرنا المسلمة، فتقول إحداهن: لم أجد من يكرمني كالرجل العربي، هناك يُعامَل الزوج كالجار أو الصديق، أما هنا فيُفضِّل الرجل زوجته على نفسه.
وقد تبين أن أكثر من 30% من نساء أوروبا وأمريكا تعرضن للعنف الجسدي من أزواجهن أو شركائهن! فأي كرامة تلك التي يُنادى بها هناك؟!
أما الإسلام فقد جعل حسن المعاشرة وطيب المعاملة واجبًا شرعيًا، وسنة نبوية، وأمانة يُسأل عنها العبد يوم القيامة.
إن القِوامة في الإسلام لبنة أساس في بناء الأسرة، واستقامة المجتمع، وتماسك الأمة.
وهي واجبة برعاية الرجل لأهله، وبالإنفاق، وبكمال العقل، وبما حمله من وظائف شرعية: من جهاد، وقضاء، ونفقة، وضبط بيت.
فلنردّ على حملات التغريب بالفهم، وعلى أبواق التمرد بالتطبيق، ولنكن قدوات في بيوتنا وأسرنا، لنفشل مشاريع الهدم بصلاح واقعنا.
اللهم بارك لنا في أزواجنا وذرياتنا، وارزق رجال المسلمين فهم القِوامة حقًا، ونسائهم تقديرها وعونًا، وأصلح بيوتنا وأمتنا.
قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق الذكر والأنثى، وجعل لكلٍّ منهما وظيفةً تُصلح بها الحياة وتُستقر بها الأسرة، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من أعظم الفتن التي تواجه أمتنا اليوم فتنة زعزعة الأسرة، وتمييع الفوارق الفطرية بين الذكر والأنثى، وتزييف المفاهيم الشرعية، وعلى رأسها القوامة والولاية على المرأة.
إن من أعجب العجب في زماننا أن ترى من يحتج على القوامة بأنها "ظلمٌ للمرأة"، أو "تسلّط عليها"، أو أنها "نتاج مجتمعات ذكورية بالية"!
وكل هذا مردود باطل، إذ الشريعة لم تُشرّع القوامة كقهر أو إذلال، بل شرّعتها حفظًا للمجتمع، وتكليفًا للرجل، وصيانةً للمرأة.
يردد التغريبيون – في الإعلام والمجالس والدراسات – أن القوامة تعني أن المرأة "مهمشة"، "تابعة"، "لا تملك رأيًا"، "محرومة من الحقوق"، وأنها "نتاج مجتمعات قبلية تخلّفت عن ركب التقدّم"!
وهذه دعوى باطلة يُكذّبها الشرع والعقل والواقع:
أما الشرع: فالقوامة في القرآن صريحة بأنها قِوامة تكليف لا استعباد، فالله تعالى يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}، ثم بيّن السبب: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا}.
وأما في السنة: فالنبي ﷺ جعلها مسؤولية يحاسب عليها الرجل، فقال: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته… والرجل راعٍ على أهل بيته» [متفق عليه].
وأما العقل: فلو كان في الأسرة رأسان متساويان دون قيادة، فمن يبتّ في القرارات؟ ومن يتحمّل النتائج؟
فالأسرة – كالسفينة – لا بد لها من قائد، ولا تصلح بقيادة جماعية متساوية بلا مرجعية.
وأما الواقع: فإن المرأة المسلمة – في ظل القوامة الشرعية – محفوظة الكرامة، مضمونة النفقة، مصونة العرض، بينما تعيش نساء الغرب حرية "العمل" مع فقدان "الحماية"، وحرية "الجسد" مع فقدان "الاحترام"، كما أثبتت ذلك الإحصائيات عن تعرضهن للعنف الأسري.
فيا عباد الله، كونوا على وعيٍ بهذه الحرب الفكرية، ولا تكونوا أداة في يد مشاريع التغريب، ولا تُسلِّموا عقولكم للوافدين من الشرق أو الغرب، فإن في شرع الله الكمال، وفي سنة نبيه ﷺ العدالة، وفي تطبيق القوامة الرحمة والاستقرار.
وأقول للنساء: افخري بكونك محمية، ولست مهملة، محفوظة، ولست مُستهلكة، عزيزة في بيتك، ملكة في مملكتك، تقودين بأسلوبك، وتُؤثرين بحكمتك، ولا تصدقي من يقول لك أن الإسلام جعلك مختلفة عن الرجل في الحقوق فإنه ليس كل اختلاف ظلمًا، فاختلاف اليد اليمنى عن اليسرى لا يعني احتقارًا لها!.
أيها المسلمون، إن القِوامة ليست مجرّد "حق" للرجل، بل هي واجب شرعي مشروط، لا تُمنح إلا مع تحقق الأهلية، ولا تبقى إلا مع أداء الواجب.
وقد بيّن القرآن أن أسباب القِوامة هي: الفضل العقلي والقيادي والتكليفي، فالذي يدفع المهر، ويُنفق، ويَكدّ، ويُعطي، هو أحق بالقيادة كما قال تعالى:{بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا}.
لذا إن القوامة قد تُسحب من الرجل إذا لم يُنفق، أو لم يُحسن العشرة، أو أساء التصرف، كما قال النبي ﷺ لهند: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»، فسمح لها بالأخذ من ماله بغير علمه لأنه ظالم بخله.
أيها الأزواج: افهموا أن المرأة ليست عبدة، ولا خادمة، بل شريكة حياة، وأم أولادكم، ورفيقة دربكم.
ويا أيتها النساء: احذري من دعاة التحرر الذين لا يريدون لك إلا أن تصيري سلعة، تجذب الأنظار، وتُستغل في الدعاية، وتُقذف في سوق المنافسة، ثم تُرمى إذا كبرت، وتُهجر إذا قل عطاؤك.
ألم تقرأوا قول الباحثة الغربية: "لقد خدعونا، فأخرجونا من البيوت لنعمل كالرجال، وننفق كالرجال، ونُهمل أبناءنا، ثم قالوا لنا: أنتنّ حرّات!"
حافظي على عزّتك، واستمسكي بشرع ربك، ولا تلتفتي لأبواق الفتنة، فإن الله أعلم بك منك، وأرحم بك من العالم كله.
اللهم احفظ نساء المسلمين من كيد التغريب، واهد رجال المسلمين ليكونوا أمناء على قوامتهم، وبارك لنا في بيوتنا وأزواجنا وذرياتنا، إنك على كل شيء قدير.
هذا وصلوا وسلّموا على من أُمرتم بالصلاة والسلام عليه...
المرفقات
1752407116_القوامة بين عدالة الإسلام وزيف التغريب.doc