الله (جل جلاله)
تركي بن عبدالله الميمان
الله (جل جلاله)
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحمدَ لِله، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ، ونَستَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إليه، مَنْ يَهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَمَنْ اتَّقَى اللَه وَقَاه، ومَنْ تَوَكَّلَ عليهِ كَفَاه! ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ* وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُ أَعْلَمُ الأعلام، وأَعْرَفُ المَعَارِفِ على الإطلاق؛ إِنَّهُ الاسمُ العظيمُ: الذي لا يَضُرُّ مَعَهُ شَيءٌ في الأرضِ ولا في السماء: إِنَّهُ اللهُ ﷻ!
واسمُ اللهِ: مُخْتَصٌّ بِهِ دُوْنَ سِوَاه؛ فلا يُسَمَّى بِهِ غيرُه، ولهذا صَرَفَ اللهُ عنهُ جبابرةُ الأرض؛ فَلَم يجرُؤ أحدُهُم أن يَتَسَمَّى بِه![1] قال تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾: أي (هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا يُسَمَّى الله: غيرَ اللهِ، أو يقالُ لَهُ اللهُ: إِلَّا الله؟)[2]. قال ابنُ القيم: (جميعُ أهلِ الأرضِ؛ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ اسمٌ لِرَبِّ العَالمين، وهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ ومليكُه؛ وهُوَ أَشْهَرُ مِنْ كُلِّ اسْمٍ وُضِعَ لِكُلِّ مُسَمَّى[3]؛ فَهُوَ اللهُ الَّذِي تَأْلَهُهُ النُّفُوس، وتُحِبُّهُ القُلُوب، وتَعْرِفُهُ الفِطَر، وتُقِرُّ بِهِ العُقُول)[4].
واسمُ اللهِ: أَصْلُهُ مِنَ (الإِلَه)، ومعناهُ: ذُو الأُلُوهيّةِ والعُبُودِيّةِ على خَلْقِهِ أجمعين؛ فهو المألوهُ المعبود؛ فلا معبودَ بِحَقٍّ إِلَّا الله؛ ﴿ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾.
واسمُ (اللهِ ﷻ) أَعرَفُ المعارفِ؛ وجميعُ الصفاتِ والأسماءِ: مَرَدُّهَا إلى هذا الاسم[5]؛ فهوَ الجامعُ لجميعِ الأسماءِ الحسنى، والصفاتِ العُلَى[6]؛ قال تعالى: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الحُسْنَى﴾. قال الحسن البصري: (اللَّهُمَّ مَجْمَعُ الدُّعَاء)[7]. ويقول ابنُ القيم: (اسمُ اللهِ مُستَلزِمٌ لجميعِ معانِي الأسماءِ الحُسنَى، دَالٌّ عليها بالإجمالِ؛ والأسماءُ الحُسْنَى تفصيلٌ لِصِفَاتِ الإِلَهِيَّةِ التي اشتُقَّ منها اسمُ الله)[8].
واسمُ (اللهِ) U: هو أكبرُ أسمائِهِ وأَجْمَعُهَا، حتى قال بعضُ العلماء: (إِنَّهُ اسمُ اللهِ الأعظم!)[9].
ووجودُ اللهِ U: أَمْرٌ فِطْرِي؛ لا يَحْتَمِلُ الشكَّ والمُعارَضَة، ولا ينفعُ معهُ الجحودُ والمكابَرَة! قال تعالى: ﴿أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
يقول شيخُ الإسلام: (وهذا يُبَيِّنُ أَنَّ الناسَ مَفطُورُونَ على الإِقرَارِ، ولكنَّ شياطينَ الإنسِ والجِنِ: أَفسَدُوا فطرةَ بعضِ الناس، فَعَرَضَ لَهُم ما أَزَاحَهُم عن هذه الفِطْرَة)[10].
ووجودُ الله: أَظْهَرُ مِنْ كُلِّ شيءٍ على الإطلاق؛ فَهُوَ أَظْهَرُ لِلبَصَائِرِ مِن الشمسِ لِلأَبصَار! والكونُ كُلُّهُ يَنْطِقُ شَاهِدًا: بأَنَّ اللهَ هو الذي خَلَقَهُ وأبدَعَه! ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾[11].
و(اللهُ) ﷻ: هو المعبودُ الحقُّ، المستحقُّ للعبادة، لا إله غيرُه، ولا ربَّ سواه؛ ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾.
و(لا إله إلا الله): هي كلمةُ التوحيد، مِنْ أَجْلِهَا خَلَقَ اللهُ الخَلْق، وأنزلَ الكتبَ، وأرسلَ الرُّسُلَ؛ ومِنْ أَجْلِهَا قَامَ سُوقُ الجنةِ والنار، وانقسمَ الناسُ إلى مؤمنينَ وكُفَّار، ومُتَّقِينَ وفُجَّار! قال ﷺ: (إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قال لا إِلَهَ إِلَّا اللهَ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ الله)[12].
واسمُ اللهِ؛ تُكْشَفُ بِهِ الكُرُبَات، وتَستَنزِلُ بِهِ البرَكات، وتُجَابُ بِهِ الدَّعَوَات، وتُقَالُ به العَثَرَات! ﴿وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾. قال بعضُ السلف: (من قالَ اللَّهُمَّ فقد دَعَا اللهَ بِجَمِيعِ أسمائِهِ)[13]. (فما ذُكِرَ هذا الاسمُ في قليلٍ إلا كَثَّره، ولا عندَ خوفٍ إلا أزالَه، ولا عندَ كَربٍ إلا كَشَفَه، ولا عندَ هَمٍّ وغَمٍّ إلا فَرَّجَه، ولا عندَ ضِيقٍ إلَّا وسَّعَه)[14].
ولا تطمَئِنُّ القلوبُ إلا بِالله، ولا تَسْكُنُ النفوسُ إلَّا إلى الله![15] ﴿أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
والعِبَادُ مَفطُورُونَ بِـ(التَّوَجُّهِ إلى الله): فَهُوَ المُنقِذُ لِلخَلَائِقِ، والمَلْجَأُ في المَضَائِق! وهُوَ مصدَرُ النعمَةِ، والمَفزَعُ في الكُربَة! ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾[16].
وأَعْرَفُ الناسِ بِاللهِ: أَشَدُّهُم حُبًّا له![17] قال ابنُ القيم: (مَنْ عَرَفَ اللهَ بأسمائِه وصفاتِه وأفعالِهِ: أَحَبَّهُ لا مَحَالَة!)[18].
وعلامةُ الإيمانِ: أن يكونَ حُبُّ اللهِ أعظَمَ من حُبِّ كُلِّ شَيء! ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله﴾[19].
ومَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أقوَى الناسِ: فَلْيَتَوَكَّلْ على اللهِ: ومن جَمَعَ بينَ توحيدِ اللهِ واستغفارِه: حَصَلَتْ لَهُ السعادَة، وزَالَتْ عنهُ الكآبة! ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[20].
والواثِقُ بِالله: هو من التَجَأَ إليهِ، واعتَمَدَ عليهِ؛ وما رَجَا أَحَدٌ مَخْلُوقًا أو تَوَكَّلَ عليهِ؛ إلَّا خَابَ ظَنُّهُ فِيهِ![21] قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾.
والقلبُ لا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالله: مَحَبَّةً ورَجَاءً وَخَوفًا؛ وإِلَّا تَمَزَّقَ وَتَشَتَّت! قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا﴾. يقول ابنُ القيم: (وكما أَنَّ السماواتِ والأرضَ لو كانَ فيهمَا آلِهَةٌ غَيرُه: لَفَسَدَتَا؛ فكذلكَ القلبُ إذا كانَ فيهِ معبودٌ غَيرُ الله: فَسَدَ فَسَادًا لا يُرجَى صَلَاحُه، إِلَّا بِأَنْ يُخْرِجَ ذلكَ المعبودَ مِنْ قَلْبِه، ويكون اللهُ وحدَهُ: إِلَهَهُ ومعبودَهُ الذي يُحِبُّهُ ويرجُوه)[22].
أَقُولُ قَولِي هذا، وأستَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمدُ للهِ على إِحسَانِه، والشُّكرُ لَهُ على توفِيقِهِ وامتِنَانِه، وأَشْهَدُ أَن لا إلهَ إِلَّا الله، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُه.
أَمَّا بَعْدُ: فإذَا استَغنَى الناسُ بالدنيا: فاستَغنِ أنتَ بِالله، وإذا فَرِحُوا بِالدنيا: فافرَحْ أنتَ بِالله! وإذا أَنِسُوا بأحبَابِهِم: فاجْعَلْ أُنْسَكَ بِالله! وإذا هَانَ العبدُ على الله: لم يُكرِمْهُ أَحَد! ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾[23].
ومَنْ تَدَبَّرَ اسمَ اللهِ: أَيْقَنَ أَنَّه واحدٌ أَحَد، لا يحتاجُ إلى أَحَد، ويحتاجُ إليهِ كُلُّ أَحَد![24]
فَعَلِّقُوا قلوبَكُم باللهِ ﷻ، وحَقِّقُوا التوحيد، واترُكُوا التعلُّقَ بالعبيد! ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾.
************
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلامَ والمُسلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّركَ والمُشرِكِين، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِين: أَبِي بَكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ؛ وعن الصحابةِ والتابعِين، ومَن تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ إلى يومِ الدِّين.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهمُومِينَ، ونَفِّسْ كَرْبَ المَكرُوبِين، واقْضِ الدَّينَ عَنِ المَدِينِين، واشْفِ مَرضَى المسلمين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا ووُلَاةَ أُمُورِنَا، ووَفِّقْ (وَلِيَّ أَمرِنَا ووَلِيَّ عَهْدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وتَرضَى، وخُذْ بِنَاصِيَتِهِما لِلبِرِّ والتَّقوَى.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُم، واشكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُم ﴿ولَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
قناة الخُطَب الوَجِيْزَة
https://t.me/alkhutab
[1] (أسماء الله) قسمان: 1-قسم لا يسمى به إلا هو، مثل: (الله، الرحمن، رب العالمين، خالق الخلق، مالك الملك)، 2-قسم يسمى به غيره، مثل: (العزيز، والرحيم، والحي، والسميع، والبصير، والملك).
[2] تفسير القرطبي (11/130).
[3] الصواعق المرسلة (2/750).
[4] شفاء العليل (306). باختصار
[5] انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور (3/17).
[6] انظر: بدائع الفوائد (2/212).
[7] جلاء الأفهام، ابن القيم (153-154).
[8] مدارج السالكين (1/56). باختصار
[9] تفسير القرطبي (1/102).
[10] درء تعارض العقل والنقل (8/441) (9/122). بتصرف
[11] انظر: تفسير ابن كثير (4/414).
[12] رواه البخاري (425)، ومسلم (33).
[13] جلاء الأفهام، ابن القيم (154).
[14] تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبدالله (14).
[15] انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية (1/55).
[16] انظر: تفسير القرطبي (1/103)، تفسير ابن كثير (1/19).
[17] انظر: طريق الهجرتين، ابن القيم (318).
[18] مدارج السالكين (3/18).
[19] انظر: المصدر السابق (319).
[20] انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية (1/55-56).
[21] انظر: المصدر السابق (10/257).
[22] إغاثة اللهفان (1/30).
[23] انظر: الفوائد، ابن القيم (118)، الداء والدواء، ابن القيم (85).
[24] انظر: تفسير النسفي (3/695).
المرفقات
1761119087_الله (جل جلاله) نسخة مختصرة.pdf
1761119088_الله (جل جلاله) نسخة للطباعة.pdf
1761119089_الله (جل جلاله).pdf
1761119111_الله (جل جلاله) نسخة للطباعة.docx
1761119112_الله (جل جلاله) نسخة مختصرة.docx