اهدنا الصراط المستقيم
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحَمْدُ لِلَّهِ الهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، خَلَقَ الخَلْقَ بِفَضْلِهِ، وَهَدَاهُمْ بِنُورِ وَحْيِهِ، وَأَكْرَمَهُمْ بِبَعْثَةِ نَبِيِّهِ الجَلِيلِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعِيَ إِلَى صِرَاطِ اللَّهِ المُسْتَقِيمِ،
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ[.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ.. إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُنَاجِي بِهِ العَبْدُ رَبَّهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَمِنْ أَبْلَغِ مَا تَفِيضُ بِهِ شَفَتَاهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، تِلْكَ الكَلِمَاتُ النَّدِيَّةُ الَّتِي خَتَمَ اللَّهُ بِهَا سُورَةَ الفَاتِحَةِ ]اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[ كَلِمَةٌ وَجِيزَةٌ، وَلَكِنَّهَا تَخْتَصِرُ الطَّرِيقَ إِلَى الجَنَّةِ، كَلِمَةٌ تُعَبِّرُ عَنْ فَقْرِ الإِنسَانِ إِلَى رَبِّهِ،
وَحَاجَتِهِ الدَّائِمَةِ إِلَى النُّورِ وَالهِدَايَةِ.
كَمْ مِنْ عَاقِلٍ ضَلَّ لَمَّا اتَّبَعَ هَوَاهُ، وَكَمْ مِنْ جَاهِلٍ ظَنَّ أَنَّهُ عَلَى الحَقِّ وَهُوَ فِي عَمًى، فَمَا النَّجَاةُ إِلَّا فِي أَنْ يَهْدِيَنَا اللَّهُ إِلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ،
صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ.. تَعَالَوْا نَقِفْ الْيَوْمَ مَعَ هَذِهِ الآيَةِ العَظِيمَةِ، وَقْفَةَ المُتَأَمِّلِ المُتَدَبِّرِ، نَسْتَضِيءُ بِأَنْوَارِهَا، وَنَسْتَلْهِمُ مِنْهَا طَرِيقَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
]اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[ إِنَّهَا دُعَاءٌ عَظِيمٌ، وَمَطْلَبٌ جَلِيلٌ، نُرَدِّدُهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ عَنْ أَعْظَمِ حَاجَةٍ لِلْعَبْدِ، أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ إِلَى الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ، وَيُثَبِّتَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْقَاهُ.
الهِدَايَةُ هِيَ العِلْمُ بِالحَقِّ وَالعَمَلُ بِهِ، وَالصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ هُوَ الطَّرِيقُ الوَاضِحُ الَّذِي يُوصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ طَرِيقُ الإِسْلَامِ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنْهُ ]وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ[.
وَالْمُؤْمِنُ بِحَاجَةٍ إِلَى الهِدَايَةِ، لِأَنَّ الهِدَايَةَ لَيْسَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً، بَلْ هِيَ مَرَاتِبُ وَمَنَازِلُ. فَالْعَبْدُ يَحْتَاجُ دَائِمًا إِلَى زِيَادَةِ النُّورِ وَالثَّبَاتِ عَلَى الطَّاعَةِ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ – وَهُوَ أَكْمَلُ النَّاسِ هِدَايَةً – يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" فَكَيْفَ بِنَا نَحْنُ الضُّعَفَاءَ؟
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ.. بَعْدَ أَنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ]اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[ بَيَّنَ مَنْ هُمُ السَّالِكُونَ لَهُ وَمَنْ هُمُ المُنْحَرِفُونَ عَنْهُ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ ]صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ[.
فَهُنَاكَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ:
الصِنْفُ الْأَوَّلُ: الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَهُمُ المُؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ الَّذِينَ عَرَفُوا الحَقَّ وَاتَّبَعُوهُ، عَلِمُوا فَعَمِلُوا، فَاسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى ]وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ[ هَؤُلَاءِ هُمُ المَهْدِيُّونَ الَّذِينَ سَلَكُوا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ.
الصِنْفُ الثَّانِي: المَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا الحَقَّ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ، عَلِمُوا وَتَرَكُوا، فَبَدَّلُوا وَحَرَّفُوا، وَهَؤُلَاءِ هُمُ اليَهُودُ، لِأَنَّهُمْ أُوتُوا العِلْمَ فَخَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ، فَاسْتَحَقُّوا غَضَبَهُ، قَالَ تَعَالَى ]فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ[.
الصِنْفُ الثَّالِثُ: الضَّالُّونَ، وَهُمُ الَّذِينَ عَبَدُوا اللَّهَ عَلَى جَهْلٍ وَغَيْرِ بَصِيرَةٍ، أَرَادُوا الخَيْرَ وَلَكِنْ بِلَا عِلْمٍ، فَضَلُّوا الطَّرِيقَ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ النَّصَارَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ]قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ[.
فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ العِلْمِ وَالعَمَلِ فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَمَنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ فَهُوَ مِنَ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ. وَمَنْ عَمِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَهُوَ مِنَ الضَّالِّينَ.
فَتَأَمَّلُوا – رَحِمَكُمُ اللَّهُ – هَذِهِ الأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ، وَانْظُرُوا فِي أَيِّ طَرِيقٍ أَنْتُمْ!! فَلَا تَغْتَرُّوا بِعِلْمٍ لَا يُثْمِرُ عَمَلًا، وَلَا بِعَمَلٍ لَا يَقُومُ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَالعِلْمُ بِغَيْرِ عَمَلٍ حُجَّةٌ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالعَمَلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ ضَلَالٌ وَهَلَاكٌ.
فَاسْأَلُوا اللَّهَ دَائِمًا أَنْ يُثَبِّتَكُمْ عَلَى الحَقِّ، وَأَنْ يَهْدِيَكُمْ صِرَاطَهُ المُسْتَقِيمَ حَتَّى تَلْقَوْهُ وَهُوَ عَنْكُمْ رَاضٍ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ....
الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ.. إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ العَظِيمَةَ ]اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ[ لَيْسَ مَجَرَّدَ كَلِمَاتٍ نَتْلُوهَا، بَلْ هُوَ طَرِيقُ حَيَاةٍ نَسِيرُ فِيهِ عَلَى هَدْيِ القُرْآنِ وَسُنَّةِ المُصْطَفَى ﷺ. فَهِيَ تَخْتَصِرُ طَرِيقَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَدُعَاءٌ بِالثَّبَاتِ عَلَى دِينِ الإِسْلَامِ، وَالبُعْدِ عَنِ الانْحِرَافِ وَالبِدْعَةِ وَالغُلُوِّ.
فَاحْرِصُوا – عِبَادَ اللَّهِ – عَلَى أَنْ تَكُونُوا مِنَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، لَا مِنَ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا مِنَ الضَّالِّينَ. وَتَفَكَّرُوا كَيْفَ أَنَّ اللَّهَ هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَلَوْلَا فَضْلُهُ لَكُنَّا مِنَ الغَافِلِينَ. فَاثْبُتُوا عَلَى الصِّرَاطِ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الهِدَايَةَ وَالثَّبَاتَ حَتَّى المَمَاتِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهِدَايَةَ وَالثَّبَاتَ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْنَا بَعِيدِينَ عَنْ طَرِيقِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قُلُوبَنَا، وَاهْدِنَا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، وَثَبِّتْنَا عَلَى دِينِكَ حَتَّى نَلْقَاكَ وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
المرفقات
1761256295_اهدنا الصراط المستقيم.docx
1761256338_اهدنا الصراط المستقيم.pdf