بر الوالدين
عبدالرحمن سليمان المصري
بر الوالدين
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين ، البرُ الكريم ، الرؤوفُ الرحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ .
عباد الله : بر الوالدين من أعظم الحقوق وأوجبها ، وأجل القرب إلى الله تعالى وأحبها ، قرنه الله تعالى بتوحيده وعبادته ، قال تعالى : ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ النساء : 36
، وقرن شكرهما بشكره في قوله تعالى : ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ لقمان : 1 ، فمن شكر الله في نعمائه ولم يشكر الوالدين لم يقبل منه .
بر الوالدين حقٌ عظيم وواجبٌ جسيم أعلى الله تبارك وتعالى في القرآن قدره ، ورفع مكانته وشأنه ، جاءت النصوص في فضله ، قال الله تعالى : ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ الإسراء : 23 .
عباد الله : وبر الوالدين من أسباب رفع البلاء وإجابة الدعاء ، كما في حديث أصحاب الغار ، وفي السنة النبوية قُرِنَ بر الوالدين بالصلاة عمودِ الدين ، وقدمه على الجِهاد ذِروة سَنام الإسلام؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ
النبيَّ صلى الله عليه وسلم : أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟! قال: "الصلاةُ على وقتِها". قلتُ: ثم أيٌّ؟! قال: "برُّ الوالدَين". قلتُ: ثم أيٌّ؟! قال: "الجهادُ في سبيلِ الله " متفق عليه .
وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين من أعظم أنواع الجهاد مقدمٌ على جهاد النفس والمال ، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك قال: نعم قال: ففيهما فجاهد " رواه البخاري.
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها ، فإن الجنة تحت رجليها " رواه النسائي وحسنه الألباني .
وجاء آخر فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبويّ يبكيان، فقال صلى الله عليه وسلم: "ارجع عليهما فأضحكهما كما أبكيتهما " رواه أبو داوود وصححه الألباني.
عباد الله : وإذا كان بر الوالدين في حياتهما قد جمع من الخير أكمله، ومن الإحسان أجمله، فإن الاستمرار على ذلك بعد وفاتهما أكمل وأجمل ، وحاجته للميت أعظم ، فإن الإنسان إذا مات انقطع
عمله ، وتوقف رصيده فيصبح أغلى شيءٍ عنده أن يُهدي إليه أحد من أهل الدنيا حسنةً أو دعوةً ، قال صلى الله عليه وسلم :" إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم .
وليحذر المسلم من العقوق فهو من كبائر الذنوب ، قال صلى الله عليه وسلم :" أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ " رواه البخاري.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا
وأستغفر الله العظيم لي من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا ، أما بعد:
عِبَادَ اللهِ: والرحم شأنها في الإسلام عظيم ، فهي عبادة من جنس بر الوالدين ، قال تعالى :﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
وقال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم :" قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا الرَّحْمَنُ ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ ، وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنِ اسْمِي ، فَمَنْ وَصَلَهاَ وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهاَ بتتّه " رواه أحمد بسند صحيح.
عباد الله: صلوا أرحامكم بالزيارات، ولين الجانب ، وبشاشة الوجه والإكرام ، صلة الأرحام سبب لسعة الرزق ، وطول العمر، فثوابها معجل في الدنيا، ونعيمٌ مُدخر في الآخرة ، قال صلى الله عليه وسلم :" : إِنَّ أَعْجَلَ الطَّاعَةِ ثَوَابًا ؛
صِلَةُ الرَّحِمِ ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ البَيْتِ لَيَكُونُوا فَجَرَةً ، فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ ، وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إِذَا تَوَاصَلُوا "رواه ابن حبان بسند صحيح.
عباد الله : قطيعة الرحم ؛ صاحبها موعود بالخسران والخيبة والنقصان ، قال تعالى : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ محمد:22-23 .
لقد أصبح بعض الناس يقطع أرحامه من أجل الدنيا ، ولأتفه الأسباب ، وكلٌ تُزين له نفسه الانتصار على قريبه ، فلا يسلم إلا على من سلم عليه ، ولا يزور إلا من زاره ، ولا يراسل إلا من راسله ، وهذا في الحقيقة مكافأة وليست صلة
، وقد قال صلى الله عليه وسلم :" لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا " رواه البخاري .
عبدالله: سلم على من هجرك ، واصفح عمن آذاك ، وصل من جفاك ، ودع عنك العتاب والملامة ، فإن أعرض عنك ، فسيأثم وتؤجر ، وتربح ويخسر ، بادر وستجد ثمار ذلك بركات عليك وعلى أسرتك في الدنيا والآخرة ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب : 56 .
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المرفقات
1734011444_بر الوالدين خطبة جمعة.docx
1734011449_بر الوالدين خطبة جمعة.pdf