بر الوالدين

عبدالرحمن سليمان المصري
1446/06/10 - 2024/12/12 16:50PM

بر الوالدين

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين ، البرُ الكريم ، الرؤوفُ الرحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.    أما بعد :

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾  .

عباد الله : بر الوالدين من أعظم الحقوق وأوجبها ، وأجل القرب إلى الله تعالى وأحبها ، قرنه الله تعالى بتوحيده وعبادته ، قال تعالى : ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ النساء : 36

 ، وقرن شكرهما بشكره في قوله تعالى : ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ لقمان : 1 ، فمن شكر الله في نعمائه ولم يشكر الوالدين لم يقبل منه .

بر الوالدين حقٌ عظيم وواجبٌ جسيم أعلى الله تبارك وتعالى في القرآن قدره ، ورفع مكانته وشأنه ، جاءت النصوص في فضله ، قال الله تعالى : ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا

فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا  * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ الإسراء : 23 .

عباد الله : وبر الوالدين من أسباب رفع البلاء وإجابة الدعاء ، كما في حديث أصحاب الغار ، وفي السنة النبوية  قُرِنَ بر الوالدين بالصلاة عمودِ الدين ، وقدمه على الجِهاد ذِروة سَنام الإسلام؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ

النبيَّ صلى الله عليه وسلم : أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟! قال: "الصلاةُ على وقتِها". قلتُ: ثم أيٌّ؟! قال: "برُّ الوالدَين". قلتُ: ثم أيٌّ؟! قال: "الجهادُ في سبيلِ الله " متفق عليه .

وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين من أعظم أنواع الجهاد مقدمٌ على جهاد النفس والمال ، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال :  "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك قال: نعم قال: ‌ففيهما ‌فجاهد " رواه البخاري.

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها ، فإن الجنة ‌تحت ‌رجليها " رواه النسائي وحسنه الألباني .

وجاء آخر فقال: ‌جئت ‌أبايعك ‌على ‌الهجرة، وتركت أبويّ يبكيان، فقال صلى الله عليه وسلم: "ارجع عليهما فأضحكهما كما أبكيتهما  " رواه أبو داوود وصححه الألباني.  

عباد الله : وإذا كان بر الوالدين في حياتهما قد جمع من الخير أكمله، ومن الإحسان أجمله، فإن الاستمرار على ذلك بعد وفاتهما أكمل وأجمل ،  وحاجته للميت أعظم  ، فإن الإنسان إذا مات انقطع

عمله ، وتوقف رصيده فيصبح أغلى شيءٍ عنده أن يُهدي إليه أحد من أهل الدنيا حسنةً أو دعوةً ، قال صلى الله عليه وسلم  :" ‌إذا ‌مات ‌الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم .

وليحذر المسلم من العقوق فهو من كبائر الذنوب ، قال صلى الله عليه وسلم :" ‌أَلَا ‌أُنَبِّئُكُمْ ‌بِأَكْبَرِ ‌الْكَبَائِرِ، قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ " رواه البخاري.

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا

وأستغفر الله العظيم لي من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا ، أما بعد:

عِبَادَ اللهِ: والرحم شأنها في الإسلام عظيم ، فهي عبادة من جنس بر الوالدين ، قال تعالى :﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها.

وقال صلى الله عليه وسلم  : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " رواه البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم :" قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ‌أَنَا ‌الرَّحْمَنُ ‌، خَلَقْتُ ‌الرَّحِمَ ، وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنِ اسْمِي ، فَمَنْ وَصَلَهاَ وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهاَ بتتّه " رواه أحمد بسند صحيح.

 

عباد الله: صلوا أرحامكم بالزيارات، ولين الجانب ، وبشاشة الوجه والإكرام ، صلة الأرحام سبب لسعة الرزق ، وطول العمر، فثوابها معجل في الدنيا، ونعيمٌ مُدخر في الآخرة ، قال صلى الله عليه وسلم :" : إِنَّ أَعْجَلَ الطَّاعَةِ ثَوَابًا ؛

صِلَةُ الرَّحِمِ ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ البَيْتِ لَيَكُونُوا فَجَرَةً ، فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ ، وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إِذَا تَوَاصَلُوا "رواه ابن حبان بسند صحيح.

عباد الله : قطيعة الرحم ؛ صاحبها موعود بالخسران والخيبة والنقصان ، قال تعالى : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ *  أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ محمد:22-23 .

لقد أصبح بعض الناس يقطع أرحامه من أجل الدنيا ، ولأتفه الأسباب ، وكلٌ تُزين له نفسه الانتصار على قريبه ، فلا يسلم إلا على من سلم عليه ، ولا يزور إلا من زاره ، ولا يراسل إلا من راسله ، وهذا في الحقيقة مكافأة وليست صلة

، وقد قال صلى الله عليه وسلم :" ‌لَيْسَ ‌الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا " رواه البخاري .

عبدالله: سلم على من هجرك ، واصفح عمن آذاك ، وصل من جفاك ، ودع عنك العتاب والملامة ، فإن أعرض عنك ، فسيأثم وتؤجر ، وتربح ويخسر ، بادر وستجد ثمار ذلك بركات عليك وعلى أسرتك في الدنيا والآخرة ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

 

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب : 56 .

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

المرفقات

1734011444_بر الوالدين خطبة جمعة.docx

1734011449_بر الوالدين خطبة جمعة.pdf

المشاهدات 946 | التعليقات 0