جريمة التحرُّش ونتائجها النفسية والاجتماعية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

 

جريمة التحرش ونتائجها النفسية والاجتماعية! 

 

الخُطْبَةُ الأُولَى 

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَّفَ الْإِنْسَانَ بِالْعَقْلِ وَالْكَرَامَةِ، وَصَانَهُ بِشَرْعٍ حَكِيمٍ يَحْفَظُ النَّفْسَ وَالْعِرْضَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَهُ الْحُكْمُ وَالْأَمْرُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً وَهُدَايَةً وَنُورًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ:فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ؛ فَالتَّقْوَى سِيَاجٌ وَاقٍ مِنْ فِتَنِ الشَّهَوَاتِ والشبهات، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[الْحَشْرِ: 18].

 

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ!

لَقَدْجَاءَتْ شَرِيعَةُ الإِسْلَامِ لِتَحْمِيَ الضَّرُورِيَّاتِ الخَمْسَ: الدِّينَ، وَالنَّفْسَ، وَالعَقْلَ، وَالمَالَ، وَالعِرْضَ.

وَجَعَلَتْ صِيَانَةَ الأَعْرَاضِ مِنْ أَعْظَمِ الحُقُوقِ، وَمَنِ انْتَهَكَهَا فَقَدْ أَفْسَدَ فِي الأَرْضِ، وَنَقَضَ عُهُودَ الكَرَامَةِ الإِنْسَانِيَّةِ.

 

وَفِي زَمَانٍ انْفَتَحَتْ فِيهِ الشَّاشَاتُ عَلَى القُلُوبِ، وَتَهَاوَتَتْ تَنَازُلَاتُ العَدِيدِ عَنْ قِيَمِهِمْ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ؛ تَسَلَّلَ إِلَى المُجْتَمَعَاتِ دَاءٌ خَبِيثٌ يُدْعَى التَّحَرُّشَ؛ لَفْظٌ بَذِيءٌ، أَوْ نَظْرَةٌ مَاجِنَةٌ، أَوْ لَمْسٌ مُحَرَّمٌ، أَوْ رِسَالَةٌ خَادِشَةٌ، أَوِ اسْتِغْلَالٌ لِلْوَظِيفَةِ أَوِ التَّعْلِيمِ أَوِ التِّقْنِيَّةِ، تَعْبُرُ حُدُودَ الأَخْلَاقِ لِتُصِيبَ قَلْبَ الضَّحِيَّةِ بِالانْكِسَارِ وَالوَجَعِ، وَالمُجْتَمَعَ كُلَّهُ بِالعَارِ وَالاضْطِرَابِ.

إِنَّهَا جَرِيمَةٌ تُفْسِدُ القُلُوبَ، وَتُدَمِّرُ النُّفُوسَ، وَتُخَلْخِلُ الثِّقَةَ بَيْنَ النَّاسِ، وَتُطْفِئُ نُورَ الحَيَاءِ، وَتُضْعِفُ الأَمْنَ النَّفْسِيَّ وَالِاجْتِمَاعِيَّ.

وَقَدْ سَدَّ الإِسْلَامُ ذَرَائِعَ الفَاحِشَةِ فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)، وَأَمَرَ بِغَضِّ الأَبْصَارِ وَحِفْظِ الفُرُوجِ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ۝ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ...﴾[النُّورِ: 30-31]. وَحَذَّرَ مِنْ أَذَى المُؤْمِنِينَ: 

﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾

(الأحزاب: 58)

وَقَالَ ﷺ: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ البَذِيءِ» (أخرجه الترمذي).

 

صُوَرُهُ: لَفْظِيٌّ بِالتَّعْرِيضِ وَالْبَذَاءَةِ، وَإِشَارِيٌّ بِالْإِيمَاءَاتِ، وَلَمْسِيٌّ بِالِاعْتِدَاءِ، وَإِلِكْتِرُونِيٌّ عَبْرَ الرَّسَائِلِ وَالصُّوَرِ وَالتَّتَبُّعِ وَالِابْتِزَازِ، وَاسْتِغْلَالُ قَرَابَةٍ أَوْ وَظِيفَةٍ أَوْ مَكَانَةٍ، وَأَشْنَعُهُ التَّحَرُّشُ بِالْأَطْفَالِ وَالْقُصَّرِ.

آثَارُهُ:قَلَقٌ وَخَوْفٌ وَاضْطِرَابُ نَوْمٍ، عُزْلَةٌ وَانْكِسَارُ ثِقَةٍ، ذِكْرِيَاتٌ اقْتِحَامِيَّةٌ وَاكْتِئَابٌ؛ وَعَلَى الْمُسْتَوَى الِاجْتِمَاعِيِّ: تَفَكُّكُ الْأُسَرِ، تَلْوِيثُ بِيئَاتِ التَّعْلِيمِ وَالْعَمَلِ، تَعْطِيلُ الطَّاقَاتِ، إِشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ…﴾ [النُّورِ: 19].

أَسْبَابُهُ:ضَعْفُ الْإِيمَانِ وَالْحَيَاءِ، إِطْلَاقُ الْبَصَرِ، عدم وجود حدود في المزح، ضَعْفُ التَّرْبِيَةِ، التَّطْبِيعُ مَعَ الْمَحْتَوَى الْإِبَاحِيِّ، الْخَلْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ، الِاخْتِلَاطُ غَيْرُ الْمُنْضَبِطِ، الْفَرَاغُ وَالْجَفَافُ الْعَاطِفِيُّ، وَتَعَاطِي الْمُسْكِرَاتِ، وَالتَّهَاوُنُ فِي رَدْعِ الْبِدَايَاتِ. قَالَ ﷺ: «إِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَاحِشَ وَلَا الْمُتَفَحِّشَ».

 

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ!

وَأَمَّا المَنْهَاجُ الشَّرْعِيُّ فِي الوِقَايَةِ وَالعِلَاجِ:

فَلَا شَكَّ يَكُونُ أَوَّلًا وَآخِرًا وَدَائِمًا بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثم غَرْسُ العِفَّةِ وَالحَيَاءِ فِي الغِلْمَانِ وَالبَنَاتِ، وَتَعْظِيمُ حُرْمَةِ الأَعْرَاضِ.

غَضُّ الأَبْصَارِ، وَحَرَاسَةُ الأَسْمَاعِ وَالأَلْسِنَةِ، وَتَطْهِيرُ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ مِنْ مَوَاطِنِ الرِّيْبَةِ.

تَأْدِيبُ اللِّسَانِ؛ فَإِنَّهُ مَا يَلْفَظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ تَشْجِيعُ ضَحَايَا التَّحَرُّشِ وَالوُقُوفُ مَعَهُمْ وَعَدْمُ لَوْمِهِمْ، وَالسِّتْرُ عَلَيْهِمْ، وَحَثُّهُمْ عَلَى الإِبْلَاغِ.

وَمِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَهَمِّهِ: تَزْوِيجُ الشَّبَابِ القَادِرِينَ؛ قَالَ ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَعَلَى صَعِيدِ النِّظَامِ فِي بِلَادِنَا—حَرَسَهَا اللَّهُ— جَاءَ نِظَامُ مُكَافَحَةِ جَرِيمَةِ التَّحَرُّشِ سَيْفًا قاطعًا يَصُون الكرامة ويَحمي الأعراض: وعَرَّفَ النظام هذه الْجَرِيمَةَ بأنها كُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إِشَارَةٍ ذَاتِ مَدْلُولٍ جِنْسِيٍّ تُمَسُّ الْجَسَدَ أَوِ الْعِرْضَ أَوْ تَخْدِشُ الْحَيَاءَ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ، وَمِنْهَا التِّقْنِيَةُ؛ وَقَرَّرَ هذا النظام أنه وضع لأجل الْوِقَايَةَ وَالحِمَايَةَ والردع وَأَوْجَبَ عَلَى الْقِطَاعَاتِ وَضْعَ تَدَابِيرِ الْوِقَايَةِ وَالْإِبْلَاغِ وَالتَّحَقُّقِ السَّرِيعِ. وَالْعُقُوبَاتُ: سِجْنٌ لَا يَزِيدُ عَلَى سَنَتَيْنِ وَغَرَامَةٌ لَا تَتَجَاوَزُ مِائَةَ أَلْفٍ، وَتُغَلَّظُ إِلَى خَمْسِ سِنِينَ وَثَلَاثِمِائَةِ أَلْفٍ فِي الْأَحْوَالِ الْمُشَدِّدَةِ إذا كان المتحرش به (طِفْلٌ أو قاصرا أَوْ ذُو إِعَاقَةٍ، أَوْ كَانَ الْمُتَحَرِّشُ ذُو سُلْطَةٍ، أَوْ مِنْ نَفْسِ الْجِنْسِ، أَوْ بِمَكَانُ عَمَلٍ أَوْ دِرَاسَةٍ) وَيُعَاقَبُ الْمُحَرِّضُ وَالشَّرِيكُ كَذَلِكَ.

فَمَنْ لَمْ يَرْدَعْهُ إِيمَانٌ وَقُرْآنٌ رَدَعَهُ سُلْطَانٌ وَنِظَامٌ؛ ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [الْبَقَرَةِ: 179]، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ».

اللَّهُمَّقَوِّ وَسَدِّدْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَرِجَالَ أَمْنِنَا، وَاكْفِنَا شَرَّ التَّحَرُّشِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَارْزُقْنَا الْعِفَّةَ وَالطَّهَارَةَ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُلِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَرَاقِبُوهُ؛ فَإِنَّهُ مَعَكُمْ بِعِلْمِهِ أَيْنَمَا كُنْتُمْ.

 

أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ: أَخْطَرُ الْمَرَاحِلِ تَعَرُّضًا لِلتَّحَرُّشِ—أَوِ اقْتِرَافِهِ جَهْلًا أَوْ فُضُولًا—مَرْحَلَةُ الْمُرَاهَقَةِ؛ يَضْعُفُ فِيهَا النُّضَجُ وَيَشْتَدُّ الْفُضُولُ وَتَكْثُرُ الْمَغْرِيَاتُ. وَإِنَّ انْشِغَالَ الْوَالِدَيْنِ يَفْتَحُ أَبْوَابَ الزَّلَلِ؛ فَالْوَاجِبُ: الْقُرْبُ مِنَ الْأَبْنَاءِ، الْإِصْغَاءُ وَالِاحْتِوَاءُ، الْحِوَارُ الْهَادِئُ، وَغَرْسُ الْوَازِعِ الدِّينِيِّ. ومراقبة الله عز وجل في جميع أحوالهم. 

وَمِنْ وَاجِبِ المُعَلِّمِينَ وَالمُرَبِّينَ كَذَلِكَ أَنْ يَقُومُوا بِدَوْرِهِمِ التَّوْعَوِيِّ، فَالتَّنْبِيهُ إِلَى خَطَرِ التَّحَرُّشِ لَا يَقِلُّ أَهْمِيَّةً عَنْ تَعْلِيمِ المَوَادِّ الدِّرَاسِيَّةِ؛ بَلْ كَيْفَ يُرْجَى مِنْ طَالِبٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَيَتَفَوَّقَ وَهُوَ غَارِقٌ فِي الذَّنْبِ، أَوْ أَسِيرُ الخَطِيئَةِ وَالخَوْفِ؟

إِنَّ كَلِمَةَ تَوْجِيهٍ صَادِقَةٍ مِنْ مُعَلِّمٍ نَاصِحٍ قَدْ تُنْقِذُ شَابًّا مِنَ الانْزِلَاقِ، وَتُقِيمُ فِي قَلْبِهِ حِصْنَ الحَيَاءِ وَالتَّقْوَى.

 

عباد الله! 

مَسْؤُولِيَّةُ مُوَاجَهَةِ التَّحَرُّشِ مُشْتَرَكَةٌ: الْعُلَمَاءُ بِالْبَيَانِ، الْآبَاءُ بِالْقُدْوَةِ، الْمُعَلِّمُونَ بِالْإِرْشَادِ، وَالسُّلُطَاتُ بِالْحَزْمِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:

«مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). فمَنْ كَانَ ذَا سُلْطَةٍ فَلْيَمْنَعْ، وَمَنْ كَانَ ذَا كَلِمَةٍ فَلْيُبَيِّنْ، وَمَنْ كَانَ ذَا قَلْبٍ حَيٍّ فَلْيُنْكِرْ وَلَا يُعِنْ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

وَمِثْلَمَا أَنَّ التَّحَرُّشَ جَرِيمَةٌ قَبِيحَةٌ، فَإِنَّ الِاتِّهَامَ الْكَاذِبَ بِهِ جَرِيمَةٌ لَا تَقِلُّ جُرْمًا وَخَطَرًا؛ فَكَمْ مِنْ نَفْسٍ شُوِّهَتْ سُمْعَتُهَا ظُلْمًا، وَكَمْ مِنْ بَيْتٍ تَفَرَّقَ بِسَبَبِ بَلَاغٍ كَيْدِيٍّ كَاذِبٍ!

وَقَدْجَاءَ فِي الْمَادَّةِ السَّابِعَةِ مِنْ نِظَامِ مُكَافَحَةِ جَرِيمَةِ التَّحَرُّشِ مَا نَصُّهُ:

«يُعَاقَبُ كُلُّ مَنْ قَدَّمَ بَلَاغًا كَيْدِيًّا عَنْ جَرِيمَةِ تَحَرُّشٍ، أَوِ ادَّعَى كَيْدًا بِتَعَرُّضِهِ لَهَا، بِالْعُقُوبَةِ الْمُقَرَّرَةِ لِلْجَرِيمَةِ.»

فَكَمَا يُعَاقَبُ الْمُجْرِمُ الْمُعْتَدِي، يُعَاقَبُ أَيْضًا الْكَاذِبُ الْمُفْتَرِي،

 لِأَنَّ كَذِبَهُ يُدَمِّرُ النُّفُوسَ، وَيَهْدِمُ الثِّقَةَ، وَيَنْشُرُ الْفَوْضَى وَالرِّيْبَةَ فِي الْمُجْتَمَعِ.

وَالشَّرِيعَةُ قَبْلَ النِّظَامِ قَدْ جَاءَتْ بِذَمِّ الْبُهْتَانِ وَالِافْتِرَاءِ، فَقَالَ تَعَالَى:

﴿وَالَّذينَ يُؤذونَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبوا فَقَدِ احتَمَلوا بُهتانًا وَإِثمًا مُبينًا﴾ [الْأَحْزَابِ: ٥٨]

وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النُّورِ: 4]

 

إِذَا رُمْتَ أَنْ تَحْيَا سَلِيمًا مِنَ الرَّدَى      

وَدِينُكَ مَوْفُورٌ وَعِرْضُكَ صَيِّنُ

فَلَا يَنْطِقَنَّ مِنْكَ اللِسَانُ بِسَوْأَةٍ

 فَكُلُّكَ سَوْءَاتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسُنُ

وَعَيْنَاكَ إِنْ أَبْدَتْ إِلَيْكَ مَعَايِبًا فَدَعْهَا وَقُلْ يَا عَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْيُنُ

وَعَاشِرْ بِمَعْرُوفٍ وَسَامِحْ مَنِ اعْتَدَى 

وَدَافِعْ وَلَكِنْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

 

فَمَا أَصْفَى حَيَاةَ مَنْ سَلِمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَجَوَارِحُهُ؛ عَفِيفًا طَاهِرًا، مُطْمَئِنًّا بَيْنَ أَهْلِهِ، كَرِيمًا مُحْتَرَمًا فِي مُجْتَمَعِهِ. فَاشْكُرُوا نِعْمَةَ الله يامن عافاهم الله، وَابْتَعِدُوا عَنِ الْفِتَنِ وَمُقَدِّمَاتِهَا؛ وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ.

 

هذا وصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ فإن الله قد أمركم فقال عز من قائل عليما ؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ…﴾ [الْأَحْزَابِ: 56].

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَاحْفَظْ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا مِنَ التَّحَرُّشِ وَدَوَافِعِهِ وَطُرُقِهِ، وَطَهِّرْ قُلُوبَنَا، وَاسْتُرْ عُيُوبَنَا، وَأَصْلِحِ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ، وَاقْرَّ أَعْيُنَهُمْ بِصَلَاحِ أَبْنَائِهِمْ. 

اللَّهُمَّ اجْعَلْ مُجْتَمَعَنَا طَاهِرًا نَقِيًّا آمِنًا بِالْإِيمَانِ، وَمَنْ أَرَادَ بِبِلَادِنَا وَأَمْنِنَا وَأَعْرَاضِنَا سُوءًا فَاشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرَهُ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا ووَلِيَّ عَهْدِهِ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَدِمْ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ وَعَمَّ بِهَا سَائِرَ أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ.

اللَّهُمَّاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِينَ التَّائِبِينَ الصَّالِحِينَ الْمُصْلِحِينَ، وَاجْعَلْ آخِرَ كَلَامِنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المشاهدات 180 | التعليقات 0