حين ابتسم للمرأة ثغر الحياة

سامي بن محمد العمر
1447/06/20 - 2025/12/11 22:44PM

حين ابتسم للمرأة ثغر الحياة

21/6/1447

بين كونها سلعة تُشترى وتُباع، وبين مصيرِها آمرةً يُسمع لها ويُطاع.

بين كونها موؤدةً تُدفن حية ًمخافةَ العار، وبين مصيرِ تربيتِها سببًا لدخول دار الأبرار.

بين كونها مستضعفةً تستحق الأذى والمهانة، وبين مصيرِها مكرمةً تستوجب العزة والكرامة.

بين هذا وذاك؛ يعرف كل قارئ لتاريخ الأمم، أن المرأة في كل العصور لم تستنشق نسيمَ الحياةِ الكريمة، ولم تذُق طعمَ الوجودِ الحقيقي؛ إلا حين أسفرَ نورُ الإسلام بتشريعاته؛ فابتسم لها ثغرُ الحياةِ عن مستقبلٍ مشرقٍ، وأسلوبٍ جديد، وحقوقٍ مرعيّة، وآدابٍ مرضية.

لقد وثب الإسلام بالمرأة وثبةَ كرامةٍ ما كانت تحلُمُها، ورفع قدرها رفعةً ما كانت تتخيلها.

فإن التي كانت عند الإغريق: رجسًا من عمل الشيطان، وعند الهندوس: محروقةً مع جثة زوجها لتلقى الهوان، وعند اليهود: منبوذةً في حال الحيض والسيلان، وعند قساوسة النصارى: منبعَ الشر وأصلَ الخطيئة وينبوعَ العصيان، وعند أهل الجاهلية من العرب: معدودةً من سقط المتاع، لا ترث بل تورث، وتمسك ضراراً للاعتداء، وتكره على الزنا والبغاء، وتحرم من بعض أجزاء البهيمة عند الأكل للإهانة والصغار، وتوأد خشية الفقر والعار... الخ تلك الصور المفجعة من الإهانة والإذلال.

إن التي كانت كذلك؛ لم تجد ولن تجد تكريماً كما كرمها الإسلام، وعزاً كما أعزها الله بالإيمان.. أُمَّاً كانت أو أختاً أو زوجةً أو بنتاً.

فأول قانون في إكرامها ستجده في قوله تعالى {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما النساء شقائق الرجال))([1]).

ثم تبحر الأنثى في نصوص الكتاب والسنة لتجد ذكرها مقروناً بالرجل في أمور الإيمان والثواب والجزاء والحقوق وسائر الأحكام:

 قال الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71]

وقال سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 72]

 ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [الحديد: 12]

﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19]

﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: 7]

﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران: 195].

ثم تزهو المؤمنة بالفخر وهي تسمع القلب الرحيم – بأبي هو وأمي g - يوصي بها رحمة وعناية، ورفقا ورعاية؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله))([2]) وقوله: ((إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم))([3]) وقوله: ((استوصوا بالنساء خيرا))([4]) وقوله: ((اللهم إني أُحَرِّج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة))([5]).

كل هذا جزء يسير من تشريع إلهي كبير، خرجت به المرأة من الرق إلى الحرية، ومن الضلالة إلى الهداية، ومن الإهانة إلى الكرامة؛ وللحديث بقية..

بارك الله لي ولكم ...

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

فإن من عجائب تكريم الله للمرأة المسلمة أن ضرب بها المثل لعموم المؤمنين ليقتدوا بها، ويتعلموا من درسها:

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 11، 12]

فالمرأة المسلمة قادرةٌ أن تكون مثلا يحتذى، وسيرة تقتدى، ومنهجا يقتفى...

فيا سعد من سارت تلك السيرة، وسلكت تلك المسيرة؛ حين حباها الله عقلا وفهما، وأولاها رسوله صلى الله عليه وسلم عناية وحرصا...

والمرأةُ المسلمة مُلزمةٌ بأن تُنقذ نفسها بالهدى والطاعة، والسترِ والحجاب، والتمسكِ بكل ما يرضي الله، والتفطنِ لمواطن الخلل، والحذرِ من موارد الزلل، متذكرةً قول حبيبها صلى الله عليه وسلم:

 ((إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت))([6]).

وتلك هي السعادة التي ليس بعدها بؤس ولا شقاء.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...

 

 



([1]) أخرجه أبوداود (236) والترمذي (113) وأحمد (26195) وحسنه محققو المسند.
([2]) أخرجه مسلم (1218).
([3]) رواه الترمذي رقم (1196) وقال: "حديث حسن صحيح".
([4]) رواه البخاري (9/218) ومسلم رقم (1468)
([5]) ابن ماجه (3678) والنسائي في الكبرى (9149) وأحمد (9666) وقال محققو المسند: إسناده قوي.
([6]) حديث حسن، أخرجه الإمام أحمد (3/ 199)(1661) وغيره.

المرفقات

1765482229_حين ابتسم للمرأة ثغر الحياة.docx

1765482245_حين ابتسم للمرأة ثغر الحياة.pdf

المشاهدات 431 | التعليقات 0