خطبة بعنوان (وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) مختصرة

سعيد الشهراني
1447/03/18 - 2025/09/10 13:50PM

خطبة ( وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ )

سعيد سيف ال حلاش الشهراني-جامع عمر بن الخطاب-تندحة

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ الصَّلَاةَ كِتَابًا مَوْقُوتًا عَلَى الْمُؤْمِنِين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وعظِّموا شعائره (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).

أَيُّهَا المسلمون: إِنَّ صَلاةُ الْجَمَاعَةِ دَلِيلُ على الاسْتِقَامَةِ، وَهي الْفَارِقُ بَيْنَ الإِيمَانِ وَالنِّفَاق، وَالْفَيْصَلُ بَيْنَ حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَحُبِّ الدُّنْيَا وَمَلَذَّاتِهَا وَالانْغِمَاسِ فِي شَهَوَاتِهَا، وإِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} عَلِمَ عِلْمَ الْيَقِينِ وُجُوبَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي بُيُوتِ اللهِ تَعَالَى ولا خِيَارَ للمسلم بَيْنَ فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا، وقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّة، قَالَ تَعَالَى{وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} أَيْ: صَلُّوا مَعَ الْمُصَلِّين جماعة في المساجد، وقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}، وَهَذِهِ الآيَةُ مِنْ أَوْضِحِ الآيَاتِ عَلَى وُجُوبِ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ وَعَلَى إِثْمِ تَارِكِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي حَالَةِ حَرْبٍ وَخَوْفٍ مِنْ أَعْدَائِهِمْ وَمَعَ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِصَلاةِ الْجَمَاعَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ فِي صَلاةِ الْجَمَاعَةِ أُجُورًا عَظِيمَةً وَمَصَالِحَ كَبِيرَةً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (صَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ لا يُخْرِجُهُ إلا الصَّلاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلا يَزَالُ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ) مُتَّفَقٌ عليه، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النبي ﷺ قَالَ (مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِد أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ في الجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَمِنْ أَهَمِّيَّةِ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ وَعِظَمِ فَضْلِهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَغَّبَ فِي أَدَاءِ الصَّلاةِ جَمَاعَةٍ وَلا سِيَّمَا صَلاةَ الْفَجْرِ وَصَلاةَ الْعِشَاءِ، فَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ (مَنْ صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ، فَكَأنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وإن مِمَّا يُحْزِنُ الْقَلْبَ وَيَجْرَحُ الْفُؤَادَ أَنْ نَرَى أَوْ نَسْمَعَ عَنْ بَعْضِ إِخْوَانِنَا مِمَّنْ فِيهِمْ خَيْرٌ وَصَلاحٌ وَلَكِنْ لا يَهْتَمَّونَ الاهْتِمَامَ الْمَطْلُوبَ بِصَلاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَجِبُ أَنْ يَحْذَرُوهُ واستمعوا لحديث النبي ﷺ الذي قال (وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ اَلنَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ لَا يَشْهَدُونَ اَلصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ اَلْعِشَاءَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، والمعنى: أنَّ النبي ﷺ يُقْسِمُ أنَّ هؤلاءِ النَّاسَ الَّذين يَتخلَّفون عَن صَلاةِ الجماعةِ بِلا عُذرٍ، لو عَلِموا أنَّهم لو حَضَروا الصَّلاةَ لَوجدوا نَفعًا دُنيويًّا مِن المَطعوماتِ مثلًا، وإنْ كان خَسيسًا حَقيرًا؛ لحَضَروها وكانوا مع المُصلِّين؛ لِقُصورِ هِمَّتِهم على الدُّنيا، وعدَمِ الحِرصِ على ما يَنفَعُهم في الآخرةِ، وإنّ من التَّهاوُنَ ياعباد الله عدم التبكير إلى صلاةِ الجمعةِ والتأخُّرَ عن حضورِهَا، والتخلفَ عن أدائِهَا، وهذا من أعظم الخُسْرَانِ وأمارَةُ الحِرْمَانِ قال ﷺ: (لَيَنْتَهينَّ أقْوامٌ عن ودْعِهِمُ الجُمُعاتِ أوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ على قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكونُنَّ مِنَ الغافِلِينَ) أخرجه مسلم، وقالَ ﷺ (مَن ترَكَ ثلاثَ جمعٍ تَهاونًا بِها، طبعَ اللَّهُ على قلبِهِ) أخرجه أبو داود والترمذي. أَلَا فَاتّقوا اللهَ يَا مُسْلِمُون، وعليكم بصَلاةِ الْجَمَاعَةِ، واحذروا من التَّهَاوُنَ والتكاسل عنها، نسأل الله تعالى أنْ يجعلنا من مُقيمي الصلاة ومن ذرياتنا.

أُقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمْ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الرَّسُولِ الْمُلْهَم.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ واسْتَمِعُوا بِقُلُوبِكُمْ قَبْلَ آذَانِكُمْ إِلَى هَذَا الْكَلامِ الْعَظِيمِ مِنْ أَحَدِ أَجِلَّاءِ أَصْحَابِ نَبِيِّنَا ﷺ فَفِيهِ عِبْرَةٌ لِمَنِ اعْتَبَر وَانْزِجَارٌ لِمَنِ يَدَّكِر، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:(مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ ﷺ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّى هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومٌ نِفَاقُهُ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ)، فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَجَاهِدُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وعَلَى صَلَاةِ الجَمَاعَةِ مَعَ المُصَلِّينَ في المساجد؛ وَأَبْشِرُوا؛ فإن الله َيمْحُوِ بهِا الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِا الدَّرَجَاتِ، فاللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى صَلاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ يَا رَبَّ الْعَالَمِين.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد....(الدعاء مرفق)

المرفقات

1757501429_خطبة بعنوان (وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) مختصرة.docx

المشاهدات 1457 | التعليقات 0