خُطبَة بعنوان: وَقَفَاتٌ مَعَ اسْمِ اللَّهِ الفَتَّاحِ.

رمضان صالح العجرمي
1447/05/01 - 2025/10/23 14:26PM
خُطبَة بعنوان: وَقَفَاتٌ مَعَ اسْمِ اللَّهِ الفَتَّاحِ.
 
1- مُقَدِّمَةٌ.
2- الآثَارُ الإِيمَانِيَّةُ لِمُطَالَعَةِ اسْمِ اللَّهِ الفَتَّاحِ.  
3- كَيْفَ نَتَعَبَّدُ لله تعالى بِهَٰذَا الاسْمِ؟
 
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ) 
التذكيرُ بمعَاني اسْمِ اللَّهِ تعالى الفَتَّاحِ، وبيان الآثَار الإِيمَانِيَّة، وكيفية التعبد لله تعالى بِهَٰذَا الاسْمِ؟  
 
•مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، نُعطر أسماعكم بوقفات مع اسم من أسماء الله عز وجل الحسنى؛ ولا شك أن من أفضل وأشرف العلوم: العلم بالله عز وجل؛ وهو أن يتعرف العبد على الله عز وجل بأسمائه وصفاته؛ فهو من أشرف وآكد العلوم وأهمها على الإطلاق؛ فشرف العلم بشرف المعلوم.
•والله عز وجل له من الأسماء الحسنى التي تليق بجلاله سبحانه وتعالى وردت في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}
•نقف مع اسم من أسماء الله الحسنى، له آثار عظيمة في حياتنا اليومية وقد لا يشعر الكثير منا بها! ولكن عندما نتعرف على هذه الآثار والمعاني العظيمة سندرك بإذن الله تعالى أهمية ومكانة وعظم هذا الاسم من أسماء الله الحسنى 
•موعدنا مع اسم الله تعالى [الفَتَّاحِ] نسأل الله العظيم الفتاح أن يفتح علينا أبواب رحمته وفضله.
•وقد ورد ذكره فى القرآن الكريم في موضع واحد: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} 
•وورد ذكره في موضع آخر بصيغة الجمع: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}؛ قال قتادة رحمه الله: "أى: اقض بيننا وبين قومنا بالحق". 
•ومعناه: (الذي يفتح المنغلق على عباده من أمور دينهم ودنياهم.)؛ فهو سبحانه وتعالى الذى يفتح أبواب رحمته، وأبواب رزقه وفضله، وأبواب طاعته، وأبواب العلم لمن يشاء من عباده.
•ولذلك فهذا الاسم له آثار عظيمة في حياة العبد اليومية:
- فعندما يفتحُ أحدُهُم محل تجارته وعمله؛ يلهجُ لسانُه: (يا فتاح يا عليم)
- وإذا طلب الرزق؛ يدعو ويقول: (يا فتاح يا عليم، افتح لى أبواب الرزق).
- وإذا فُتِح لأحد أبوابٌ من الرزق؛ يقال: (فلان مفتوحة عليه.) (ربنا فاتح عليه)
- وعندما يقومُ آخرُ له بمهمة أو خدمة؛ يقول له: (الله يفتح عليك.)
- وفي البيع والشراء وطلبًا للمزيد من الكسب؛ يقول: (يفتح الله.)
- وإذا تفائل بأحدهم؛ يقول: (نستفتحوا منك أو بك.)؛ فهذا كله معناه: أنه مستشعر لآثار هذا الاسم في حياته وتعاملاته اليومية!
 
الوقفة الثانية: مَعَ الآثَارِ الإِيمَانِيَّةِ لِمُطَالَعَةِ اسْمِ اللَّهِ الفَتَّاحِ.  
1- فمن أعظمها: أن الله تعالى الفتاح فتح قلوب عباده للإيمان وشرح صدورهم للإسلام؛
•فقد أرسلَ اللهُ تعالى الرسلَ وأنزل الكتبَ وفتح قلوبَ العباد لهذا الدين العظيم؛ في حين أنَّ هناك قلوبٌ لم تُفتح للإيمان، مغلقة؛ ولك أن تتأمل: فثلاثة أرباع الكرة الأرضية على غير الإسلام!
•ولذا كان من دعاء نبي الله شعيب عليه السلام: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}
•وهذا نوح عليه السلام يقول: {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
•وكان من دعاء الصالحين: (اللهم مكن لدينك فى الأرض وافتح له قلوب الناس) 
•فإن أعظم فتح هو أن يفتح قلبك للإيمان والتوحيد؛ كما قال تعالى: {وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}
•ومن فتح الله تعالى قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام فقد أراد له الخير والهداية؛ كما قال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، وقال تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}
•ولقد أرسل الله تعالى لنا محمدًا صلى الله عليه وسلم ففتح به أعيُنًا عميًا وآذانًا صُمًّا وقلوبًا غُلفًا؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، وجاء في التوراة: (لن يقبضه الله حتى يقيمَ به الملة العوجاء، ويفتحَ بِهِ أعيُنًا عميًا وآذانًا صُمًّا وقلوبًا غُلفًا.)
2ـ ومن آثار اسْمِ اللَّهِ الفَتَّاحِ: أنه فتح لهم أبواب رحمته وفضله ورزقه إذا عملوا بطاعته؛ كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}
•ولو اجتمع الناس جميعًا لغلق هذه الأبواب ما استطاعوا لذلك سبيلًا؛ قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
3- ومن معاني وآثار اسْمِ اللَّهِ الفَتَّاحِ: أنه يفتح أبواب الاختبار والامتحان والابتلاء لعباده؛
•فإن العبد في كل قول وفعل وموقف هو في اختبار، ينجح فيه أو لا ينجح؛ قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}
•وعلامة ذلك:
( أ ) أنَّ النعمةَ مع الإقامة على المعصية استدراج ونقمة؛ ففي الحديث: ((إِذَا رَأَيْتَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لَهُ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ)) [رواه البيهقي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه]، ثم قرأ الآية: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}؛ العلماء يُسمُّونها: مراحل الفتح السلبي للعبد؛ يعطيك الله تبارك وتعالى الصحة والقوة فتبطش في الباطل، يعطيك الله تبارك وتعالى الغنىٰ فتطغىٰ وتمنع الفقراء حقهم، يعطيك الله تعالى نعمة الوظيفة المرموقة فتتكبر على الناس وتأنف من التعامل معهم! 
(ب) الستر مع الإقامة على المعصية استدراج؛ فإنَّ الله تعالى قد يُمهل لكن لا يُهمل؛ وقد جاء في الأثر؛ أنَّ عمرَ رضي الله عنه أُتِيَ بِشَابٍّ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ، مَا سَرَقَتُ سَرِقَةً قَطُّ قَبْلَهَا، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: "كَذَبْتَ وَرَبِّ عُمَرَ، مَا أَسْلَمَ اللَّهُ عَبْدًا عِنْدَ أَوَّلِ ذَنْبٍ."؛ والمعنى: أنه قد نفد رصيدُهُ من ستر الله تعالى عليه.
4- ومنها: أن الله تعالى فتح لعباده أبواب الطاعات ووفقهم لأبواب الخير؛
•فمجيئك للصلاة هو فتح من الله تعالى عليك، وكذا جلوسك في مجالس العلم، وحفظ القرآن وقراءته، وغيرها من أبواب الخير التى أكرمك الله بها إنما هي فتح ومظهر وأثر من آثار اسْمِ اللَّهِ الفَتَّاحِ. 
•فهناك الكثير ممن أُغلِقَت أمامهم الأبواب نعوذ بالله من الخذلان؛ قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}؛ أى أنساهم أن يعملوا لأنفسهم من الخير.
•فمن ترك الصلاة وتخلَّف عنها وضيَّعها فلا يظنُّ أنه تركها برغبته؛ لكنَّ الحقيقةَ المفجعة أن الله تعالى لم يرد ولم يحب لقاءه! وكذلك من هجر المساجد، بيوت الله، وهذا الذى هجر القرآن وحِلَق القرآن ولم يجعل في صدره شيئًا منه فلا يظن أنه فعل ذلك برغبته؛ وإنما هو كلام الرحمن يختار له من صدور عباده من يشاء؛ كما قال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}، وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}؛ إنها صدورٌ عامرةٌ بالإيمان. 
•وكُلُّ عبدٍ قد يفتحُ اللهُ تعالى عليه من أبواب الطاعات ما لم يفتح لغيره؛ فهذا قد فُتِحَ له في القيام، والآخر في الصيام، والآخر في الدعوة إلى الله تعالى؛ ففتح الله له قلوب العباد، والآخر في الصدقات وقضاء حوائج الناس، وهذا يُفتَحُ له من أبواب العلوم المختلفة، وقد يُفتَحُ لعبد أبوابٌ عدة كما فُتِحَ لأبي بكر الصديق رضي الله عنه. قال حكيم بن عمير رحمه الله: "من فُتِحَ له باب خير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه".
•والسعيد والموفق من فتح الله له بابا من أبواب الخير قبل موته؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد اللهُ بعبده خيرًا عسله)) قيل: وما عسله؟ قال: ((يفتح اللهُ له عملًا صالحًا قبل موته ثم يَقبضه عليه.))
5- ومنها: أن الله تعالى فتح لأهل الإيمان أبواب النصر والتأييد؛ قال الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}، وقال تعالى: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}، وقال تعالى: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ فنحن نجتهد ونأخذ بالأسباب، وأما النصر فهو من عند الله سبحانه وتعالى.
•وقد يكون النصرُ في صورة أن يقضي ويحكم بينهم وبين عدوهم؛ كما قال تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ}؛ أى يحكم بيننا بالعدل.
6- ومن آثار اسْمِ اللَّهِ الفَتَّاحِ: أنه فتح لعباده باب الدعاء، يسألوه ويلجأون إليه عند الشدائد؛ كما قال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}
•فلو أُغلِقَت أمامك أبوابُ الأرض فالجأ لأبواب السماء، وارفع يديك، وقل: "يا رب" يقول التابعي الجليل طاووس رحمه الله لعطاء بن أبي رباح رحمه الله: "إياك أن تطلب حوائجك ممن أغلق دونك بابه وجعل دونها حجابه؛ وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله، ووعدك أن يجيبك سبحانه وتعالى."، ورأى أحد العلماء رجلًا يتردد على أبواب الملوك؛ فقال له: "يا هذا، تقصد من يغلق دونك بابه، وتترك من يفتح لك أبوابه؟!"
•فإذا فُتِحَت للدعاء أبواب السماء فلا تسأل عن الآثار؛ فهذا نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فكذبوه: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ}؛ فتحركت الأرض وتفتحت أبواب السماء لإجابة هذا الدعوات: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ * وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}
•وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلى السماء يوم بدر وهم عددٌ قليلٌ يستمد النصر والتأييد من الله تعالى، فيأتى المدد من السماء؛ قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}
•ودعوة المظلوم تُفتَحُ لها أبواب السماء؛ فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ وَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.))؛ [صححه ابن حبان]
7- ومن آثار اسْمِ اللَّهِ الفَتَّاحِ: أنه فتح لعباده بابًا عظيمًا من أبواب رحمته وهو باب التوبة؛ فعن صفوان بن عسال رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه قال: ((فما زال يحدثُنا حتى ذكر بابًا من قِبلِ المغربِ مسيرةُ عرضِه أو يسيرُ الراكبُ في عرضِه أربعين أو سبعين عامًا قال سفيانُ قِبل الشامِ خلقَه اللهُ يومَ خلق السمواتِ والأرضَ مفتوحًا يعني للتوبةِ لا يغلقُ حتى تطلعَ الشمسُ منه))؛ [رواه الترمذي، وحسنه الألباني]
•باب عظيم لا يُغلقُ إلا يوم القيامة؛ كما في الحديث الصحيح: ((... فَلَا يُغْلِقُهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ.))
8- ومن آثار اسْمِ اللَّهِ الفَتَّاحِ، ومن المعاني العظيمة: هو ما اختُصَّ به أهلُ الإيمان عند موتهم وفي قبورهم من الفتوحات؛
•فعند قبض أرواحهم: تصعد بها ملائكة الرحمة وتُفَتَّحُ لها أبوابُ السماء ويشيِّعُها من كل سماء مقرَّبُوها تكريمًا وتشريفًا لأهل الإيمان؛ بينما أرواح الكفار لا تُفَتَّحُ لها أبواب السماء؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}
•فإذا وُضِعَ المؤمنُ في قبره يُفتَحُ له بابٌ إلى الجنة فيرى مقعده منها.
•وعندما يبعثُ الله تعالى الناسَ جميعًا يوم القيامة، ويقفون على أقدامهم خمسين ألف سنة، وتدنو الشمسُ من رؤسهم، ويبلغهم من الكرب ما الله أعلم به؛ كما في حديث الشفاعة يقول النبى صلى الله عليه وسلم: ((..ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ، ويُلْهِمُنِي مِن مَحامِدِهِ وحُسْنِ الثَّناءِ عليه شيئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقالُ: يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ اشْفَعْ تُشَفَّع ..))
•ثم تكريمًا وتشريفًا لهذه الأمة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولُ من تُفتحُ له أبواب الجنة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آتي باب الجنة فأستفتح فيقوم الخازن فيقول: لا أفتح لأحد قبلك ولا أقوم لأحد بعدك.))
9- ومن آثار اسْمِ اللَّهِ الفَتَّاحِ: أنَّه هيأَ لعباده أسباب بها تفتح أبواب الجنة؛
•فإنَّ أبوابَ الجنة مفتَّحةٌ لأهل الإيمان إذا هم عملوا بطاعة الله تعالى ومرضاته؛ قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}، وقال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ}
•ومن حافظ على دعاء عقب الوضوء؛ تُفتَحُ له أبوابُ الجنة الثمانية؛ ففي الحديث الصحيح: ((ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلا فُتِحَت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء))
•ومن كان من الصائمين؛ كان له بابٌ من أبواب الجنة؛ كما في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ.))
•ومن أكثر من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ فُتح له باب من أبواب الجنة؛ فعن قيسِ بنِ سعد رضي الله عنه قالَ: مَرَّ بيَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وقدْ صَلَّيْتُ، فَضَرَبَني برِجْلِهِ، وقالَ: ((أَلا أَدُلُّكَ على بابٍ مِنْ أبوابِ الجنَّةِ؟))، قُلْتُ: بَلَى؟ قالَ: ((لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ))؛ [رواه الترمذيُّ وحسَّنه، وصحَّحه الألبانيُّ.]، وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، قَالَ: ((أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ؟)). قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: ((لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.))؛ [السلسلة الصّحيحة.]
 
نسأل الله العظيم أن يفتَحَ لنا أبواب رحمته وفضله.
 
الخطبة الثانية: كَيْفَ نَتَعَبَّدُ لله تعالى بِهَٰذَا الاسْمِ؟
1- نتعبد لله تعالى بالدعاء والتوسل بهذا الاسم العظيم؛ كما قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}؛ وذلك بأن تسأل الله تعالى باسمه الفتاح أن يفتح لك أبواب ما تريد من: الخير والرزق والعلم، وغيره.
•ومن الأدعية الواردة في القرآن والسُّنَّة: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}
•وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يقول: (اللهم افتح لي أبواب رحمتك)؛ فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افتح لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ.))
•ومن الأدعية المأثورة: ما ورد عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ فَتْحَهُ وَنَصْرَهُ وَنُورَهُ وَبَرَكَتَهُ وَهُدَاهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ، ثُمَّ إِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ))؛ [رواه أبو داود، وضعَّفه الألباني]
2- نتعبد لله تعالى بغلق أبواب الفتن؛ فاحذر كل الحذر أن تفتح على نفسك بابًا من أبواب الشر والفساد فتندم عليه، وتأكد أن كل معصية هي عبارة عن باب فُتح لك وأنت دخلت! 
•حديث عظيم يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة؛ فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ضربَ اللهُ تعالى مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنْبَتَيِ الصراطِ سورانِ، فيهما أبوابٌ مُفَتَّحَةُ، وعلَى الأبوابِ ستورٌ مُرْخَاةٌ، وعلى بابِ الصراطِ داعِ يقولُ: يا أيُّها الناسُ، ادخلوا الصراطَ جميعًا ولا تَعْوَجُّوا، وداعٍ يدعُو مِنْ فَوْقِ الصراطِ، فإذا أرادَ الإِنسانُ أنْ يفتحَ شيئًا مِنْ تِلْكَ الأبْوابِ قال: وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ، فإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ؛ [وهذا هو الخطر]، قال: فالصراطُ الإسلامُ، والسُّورانِ حدودُ اللهِ، والأبوابُ الْمُفَتَّحَةُ محارِمُ اللهِ تعالى، وذلِكَ الدَّاعِي على رأسِ الصراطِ كتابُ اللهِ، والداعي مِنْ فوقٍ واعظُ اللهِ في قلْبِ كُلِّ مسلِمٍ))؛ [رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وصححه الألباني]
3- نتعبد لله تعالى بنشر الخير؛ وذلك بأن تكون مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر؛ فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ هذا الخيرَ خزائنٌ ولتلك الخزائن مَفاتيح فطوبى لعبدٍ جعله اللهُ عزَّ وجلَّ مِفتاحًا للخير مِغلاقًا للشرِّ، وويلٌ لعبدٍ جعله اللهُ مِفتاحًا للشرِّ مِغلاقًا للخير))؛ [رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.]، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ.))؛ [رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.]
•وتأمل هذا النموذج؛ كما في الحديث الصحيح: ((لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ))؛ أى: يفتح الله على يديه وذلك أن الفتح منه سبحانه وتعالى وإنما الأسباب من العباد.
•كيف تكون مفتاحًا للخير؟ وذلك بنشر الخير بين الناس، والسعي في أعمال الخير، والإصلاح بين الناس وسد كل باب فتنة وعداوة بينهم؛ فكُلٌّ منَّا عنده إمكانيات: إما شراء المصاحف ورسائل الأذكار وتوزيعها، وإما الإنفاق على حلقات تحفيظ القرآن الكريم، أو الإهتمام بالمساجد ونظافتها، وغيرها من أبواب الخير؛ فاجعل لنفسك دورًا فى خدمة دين الله تعالى لتحظىٰ بالأجور العظيمة.
4- اجعل لنفسك حظًّا من هذه الأعمال التي تُفتحُ لها أبوابُ السماء:
•عن جَابِر رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ.))؛ [رواه أحمد]
•وفى صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن نصلي مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذ قال رجلٌ مَن القومُ: "اللهُ أكبرُ كبيرًا والحمدُ لله كثيرًا وسبحان اللهِ بكرةً وأصيلًا"؛ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((من القائلُ كلمةَ كذا وكذا؟)) قال رجلٌ من القومِ: أنا يا رسولَ الله، فقال: ((عجِبتُ لها فُتِحَتْ لها أبوابُ السماءِ.))، قال ابنُ عمر: فما تركتُهنَّ منذُ سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
•وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصًا؛ إلا فُتِحَت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر.))؛ [رواه الترمذي، وحسنه الألباني]
5- إذا فَتَحَ اللهُ تعالى لك بابًا من أبواب الخير؛ فحافظ عليه، واستمر وداوم عليه؛ فإن الله عز وجل قد قسم الأعمال كما قسم الأرزاق؛ فما فُتِحَ عليك في عمل فالزمه.
6- احذر أن تفتحَ أذنيكَ للشائعات؛ في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كَفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ.))
 
نسأل الله العظيم أن يفتح لنا أبواب الخير، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
 
#سلسلة_خطب_الجمعة
#دروس_عامة_ومواعظ
(دعوة وعمل، هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام
https://t.me/khotp
 
 
المشاهدات 216 | التعليقات 0