خطبة جمعة يوم عيد الأضحى أيام التشريق فضل وأحكام 1446/12/10هـ
عبد الله بن علي الطريف
خطبة جمعة يوم عيد الأضحى أيام التشريق فضل وأحكام 1446/12/10هـ
الحمدُ للهِ على نعمائِه.. والشكرُ له على توفيقِه وعطائِه.. وأشهدُ ألا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له المتفردُ بكبريائِه، أعطى فأجزل ومنحَ فتفَضَّل.. وأشهد أن محمداً عبدُ الله ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.. يقول الله تعالى حاثًا على التقوى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
أما بعد أيها الإخوة: يومنا هذا يَومُ عِيدِ الأَضْحَى، يومٌ عَظِيمُ، ذكر النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- عظمته فَقَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ». أي الحادي عشر رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ وصححه الألباني. وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَدْ وَقَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الجَمَرَاتِ فِي الحَجَةِ الَّتِي حَجَّ، وَقَالَ: «أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالَ: «هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» رواه البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وهذا لفظ أبي داوود وصححه الألباني. والأيامُ الثلاثةُ التي بعدَه أيامُ التشريق، وهي الأيام المعدودات، التي أمرَ اللهُ بذكرِه فيها، بقوله: (وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَات) [البقرة:203] وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وتشترك في الأحكام، فكلُها يحرمُ صيامها إلا للمتمتع الذي لا يجد الهدي، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رواه مسلم عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رواه أبو داود والترمذي والنسائي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وصححه الألباني. وكلُ أيام التشريق وقتٌ لذكرِ الله وتكبيرِهِ وتحميدِهِ، فقد بَعَثَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- عَبْدَ اللهِ ابْنَ حُذَافَةَ أَيَّامَ مِنًى يَطُوفُ يَقُولُ: «إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ للهِ». رواه مالك بالموطأ وأحمد إسناده صحيح. وكلُها وقتٌ لرمي الجمرات، وكلُها وقتٌ لذبح الأضاحي والهدي.
أيها الأحبة: والذكر المتأكد في أيام التشريق المباركة، التكبير المقيد بأدبار الصلوات المكتوبات، وهو بعد أن يسلم يستغفر ويقول اللهم أنت السلام.. ثم يكبر ما تيسر ثم يعود للأذكار بعد الصلاة.. والتكبير المطلق في كل وقت إلى غروبِ شمسِ اليومِ الثالثِ عشر للحجاجِ وغيرهم.. ومن اهتمام العلماء بالمحافظة على التكبير المقيد بأدبار الصلوات قالوا: يقضيه إذا نسيه، فإذا نسي أن يكبر عقب الصلاة فإنه يكبر إذا ذكر ولو أحدث أو خرج من المسجد ما لم يطل الفصل بين الصلاة والتكبير..
والتكبير المطلق مشروع في كل مكان في السوق والبيت والمسجد والطريق تعظيماً لله تعالى وإجلالًا له، وإظهارًا لشعائره.. قال شيخنا رحمه الله: ورُبّما يكون [التكبير..] في البيوت حرزًا لبيتك من الجِنّ والشياطين؛ لأن الله وصف الشياطين والجن بأنهم: (خناس) يخنسون عند ذكر الله ويختفون ويبعدون.. وينبغي للذاكر أن يتدبر الذكر الذي يقوله، ويفهم معناه فذلك أدعى للخشوع والتأثر به، ومن ثم صلاح القلب..
أيها الإخوة: الله أكبر.. كلمة طالما سمعناها وما أكثر ما رددناها فما معنى الله أكبر.؟ قال شيخنا محمد العثيمين رحمة الله: معناها أن الله تعالى أكبرُ من كل شيء في ذاته، وأسمائِه وصفاتِه، وكلِّ ما تحتمله هذه الكلمة من معنى، قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67] وقال: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ). [الأنبياء:104] ومن هذه عظمته فهو أكبر من كل شيء وقال: (وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الجاثية:37]. فكل معنى لهذه الكلمة من معاني الكبرياء فهو ثابت لله عز وجل.. انتهى [الممتع:ص/24/ج 3]
أسأل الله تعالى أن يلهمنا ذكره وشكره، وأن يجعلنا من الفائزين بجنته ووالدينا إنه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.. أما بعد أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلبُ واللسانَ، وكان من الأذكار النبوية، وشَهِدَ الذاكرُ معانيه ومقاصدَه".. وذكر الله تعالى من أفضل العبادات وأجلّها، وفيه حياة القلوب وطمأنينتُها وسكينتُها كما قال تعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب) [الرعد:28].. وصلوا..