خطبة حقوق النبي صلى الله عليه وسلم

حسين بن حمزة حسين
1446/08/01 - 2025/01/31 19:37PM

محمدٌ بن عبد الله، رسولُ الله المصطفى، ونبيُّه المجتبى، اسمه ( محمدٌ بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، وهاشمٌ من قريش، وقريشٌ من العرب، والعربُ من ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهم السلام ) ، وُلد بمكة عام الفيل، ومات بالمدينة صلى الله عليه وسلم، عاش ثلاثاً وستين سنة، منها أربعون قبل النبوّة، وثلاثٌ وعشرون نبيًّا رسولاً، نُبّيء بإقرأ، وأُرسل بالمدثر، بعثَه اللهُ بالدعوة إلى التوحيد والنذارة من الشرك، قال  تعالى ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ).

ومعنى (قُمْ فَأَنْذِرْ) ينذر عن الشرك، ويدعو إلى التوحيد، (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)؛ أي: عظّمْه بالتوحيد، (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)؛ أي: طهّر أعمالك عن الشِّرك، (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) الرُّجْزُ: الأصْنام، وهجْرُها ترْكُها والبَراءةُ منها وأهلِها.

 

بعد البعثة أخذ عشرَ سنين يدعو إلى التوحيد، وبعد العشر عُرِجَ به إلى السماء، وفُرضَت عليه الصلوات الخمْس، صلّى في مكة ثلاثَ سنين، ثم أُمِر بالهجرة إلى المدينة، وأُمِر ببقيّة شرائع الإسلام مثل الزَّكاة والصوم والحج والجهاد والأذان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام، أخذَ على هذا عشر سنين، وبعدها تُوفي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ودُفن في المدينة، وقبْره الشريف معروفٌ لكل الناس، ودينُه باقٍ إلى يوم الدّين.

 

لا خَيْر إلاّ دلَّ الأمّةَ عليْه، ولا شرَّ إلا حذّرها منه، والخيْرُ الذي دلّ عليه التوحيدُ وجميعُ ما يُحبّه اللهُ ويرضاه، والشرُّ الذي حذّر منه الشركَ وجميعَ ما يكرهه الله ويأباه، فنَشْهد أنه صلى الله عليه وسلّم رسول الله، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصَح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده حتى أتاه اليقين، خاتمُ الأنبياء، وإمامُ الأتقياء، وسيّدُ المرسلين، وحبيبُ ربّ العالمين، تجب طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد الله تعالى إلا بما شرع.

 

وهو بشرٌ مخلوقٌ من طين كالبشرِ وليس من نور، يأكل ويشرب ويمْرض، تزوّج النساء وله ذرّية، لا يملك شيئًا من خصائص الربوبية والألوهية، رسولٌ مرسل، عبْدٌ لله لا يُعْبَد، قال صلى الله عليه وسلّم ( لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. ) رواه البخاري.

 

لا يملك النّفع والضّر لأحدٍ إلا ما شاء الله، لا يمْلك شيئًا من خزائن الله، لا يعلم الغيْب إلا ما أطْلعَه الله عليه، قال الله عزَّ وجلَّ لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، فمن أطاعه ورضي برسالته دخل الجنة، ومن عصاه وأبى دخل النار، بعثَ الله جميع الأنبياء لأقوامهم، وبعثه للناس كافَّة، افترض الله طاعته على جميع الثّقلين الإنس والجان، والدَّليل قوله  تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، وأكمل الله به الدّين، والدليل قوله تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).

 

والدليل على موْته صلَّى الله عليه وسلَّم، قوله تعالى  (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)، وهذا دينُه ورسالته باقيةٌ إلى يوم القيامة، ونحن بدينه مؤمنون، وبسنّته متمسكون، وعلى نهجه وطريقته مقتدون، غير مغيّرين ولا مبدّلين، على ذلك نحيى، وعليه نموت بإذن الله، يقول الإمام مالك (مالم يكن ديناً في عهد محمد صلى الله عليه وسلم لا يكون دينا إلى يوم القيامة).

 

فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى آله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.

 

الخطبة الثانية:

 

حقوقُ النبي صلى الله عليه وسلمَ أعظمُ حقوق المخلوقين قدراً، وأجلُّها مكانة؛ فلا حقّ لمخلوقٍ أعظمَ من حقِّ رسول الله صلى الله عليه وسلمَ.

 

ومن أهم تلك الحقوق الإيمانُ الصادق بنبوّته ورسالته، والشهادةُ بذلك باطنا وظاهراً، وتصديقُ ذلك أن يكون رسولُ الله صلى الله عليه وسلم القُدوةَ العليا والأسوةَ الحسنة، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً).

 

حفظ الله تعالى هدي رسوله، وسنة نبيّه، كما حفظ القرآن العظيم، ليحفظ بهما الدين، وتكون حجّته تعالى على العالمين، فهذه كتبُ سنّته وسيرته متوافرة منشورة محفوظة، صحيح البخاري، وصحيح مسلم، كتب السنن، كتب السّير.. وما أكثرها، فتجب طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتنابُ ما نهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد اللهُ تعالى إلا بما شرع.

 

وتجب محبّتُه صلى الله عليه وسلم محبةً تفوقُ محبةَ النفس والوالد والولد، قال تعالى: (النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) أخرجه البخاري ومسلم، ويجب تحكيمَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا شَجَرَ، وَالرِّضَى بِحُكْمِهِ، وَالذَّبَّ عَنْ شَرِيعَتِهِ وَهَدْيِهِ، ونصرة دينه، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾،

 

إخوة الإيمان: وإن أعظم ثمارٍ يجنيها العبد من صدق إيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم : الفوزَ بمحبة الله عز وجل، والتوفيق للهُدى والصراط المستقيم والثّبات عليه، ونيْل الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، والفوْز بشفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا». مُتْفَقٌ عَلَيْهِ.

 

إخوة الإيمان: إنّ من أعظم حقوق النبي صلى الله عليه وسلم لزومُ الإكثارِ من الصلاة والسلام عليه ، والبخيل من إذا ذُكر النبي صلى الله عليه وسلّم ولم يصلّ عليه، فهذا حَقّ ثابتٌ بأمر من الله عز وجل لعباده؛ إكراما لنبيّه وتشريفًا، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

المشاهدات 169 | التعليقات 0