(خطبة) حقوق كبار السن
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( حقوق كبار السن ) 13 ربيع الأول 1447
أما بعد يا أيها الناس : إن الإسلام دين محبة ووئام ، دين خلق وتسامح ، قد أولى خُلق الاحترام للغير عناية عظيمة ، وقد حث على إنزال الناس منازلهم ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، فقد أخرج مسلم في مقدمته حديث عائشة قال صلى الله عليه وسلم ( أنزلوا الناس منازلهم ) وأخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث عبادة بن الصامت قال صلى الله عليه وسلم ( ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه )
فدين الإسلام دين بني على شريعة ربانية محكمة ، ومنها إعطاء الحقوق لأهلها ، حتى الكافر له حقوق إذا كان ذميا ، أو معاهدا ، أو حربيا ، كل على حسب وضعه ، وقد أولى الإسلام كبير السن في المجتمع عناية عظيمة ، أيا كانت مكانته ، فالوالدان لهما منزلتهما ، قال تعالى ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما او كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)
هذا هو دين الإسلام ، الكبير يعطف على الصغير ، والصغير يحترم الكبير ، وهكذا ينبغي أن ننشئ أولادنا عليه ، فالصغير يسلم على الكبير ، ويقوم له من مجلسه ليكرمه بمكانه ، ويبدأ به في الشراب والطعام عند تقديمه ، وعند دخوله وخروجه ، وفي الحديث يبدأ الكبير قبل الصغير ، ومهما أخطأ عليك الكبير ، فالواجب عليك أن تتحمل وتصبر ، ولا ترد عليه بالمثل ، ولو كان غريبا عنك ، فالعرب كانت ولا زالت تسمى الكبير عمّا ، والصغير ابن أخ ، فالصغير يقول يا عم لمن هو أكبر منه ، والكبير يقول للصغير يا ابن أخي .
عباد الله : من المؤسف حقا أن نرى من لا يحترم الكبير ولا يعطيه حقه ، خصوصا إذا كان أحد الوالدين ، فهذه علامة شقاء في الفرد ، وكذلك نرى قلة الاحترام للكبير في الأسواق والشوارع ، وفي أماكن الانتظار تجد الصغير يجلس على الكرسي فإذا حضر كبير السن ولم يجد كرسيا ، لم يتحرك أحد لإجلاسه بدلا عنه ، وهذا الخلق عباد الله ، أعني الاحترام للكبير ، يغرس في الأولاد وهم صغار ، حتى يتدربوا عليه ويطبقوه في حياتهم ، وإنك لتجد الفرق بين الأولاد في التربية بتصرفاتهم مع الكبار إذا التقوا ، كيف يسلم عليه وكيف يبادله الاحترام والتقدير ، وبذلك تعرف حرص الوالدين على التربية الصحيحة .
جاء رجلان يختصمان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فبدأ الصغير بالكلام ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( كبر كبر ) يعني دع الكبير يتكلم قبلك ، وهذا تعليم من النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة أن للكبير حقا في كل شيء قبل الصغير حتى في البدء بالكلام ولو كان صاحب حق .
معاشر المؤمنين : إن الأب أو الأم إذا كبرا في السن وجبت العناية بهما أكثر ، ووجب احترامهما أكثر ، فالبعض يهمش الكبير في البيت ، فتجده بينهم في الجلسة كالأصم ، لا يتكلم ولا يشارك ، فالأحاديث تدار بينهم ، ولا يشركونه فيه ، بل تجدهم يتضاحكون ويمزحون ، وليس له من ذلك نصيب إلا النظر ، ولربما تجده ثقيل السمع فلا يولونه أي اهتمام ، وهذا من العقوق ، ومن قلة الاحترام للكبير ، فلا بد من أن تكون الجلسة من أجله ، وأن يتكلم ويشارك ، بل ويدير الحوار هو والجميع ينصت ، ويستشار في الأمور التي تخص البيت وغيره ، حتى تبقى له مكانته ، ويبقى له عزه ، ولتكن أحاديث الصغار في غير حضور الكبير ، مراعاة لشعوره .
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ...أقول قولي هذا ...
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : لا زال الإسلام يولي الكبير عناية خاصة ، ويجعل له مكانة مرموقة في المجتمع ، وذلك لرجاحة عقله ، وكثرة تجاربه ، وعدم عجلته ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرهم قبل الصغار ، ويأخذ برأيهم ، وكذلك أبو بكر ثم عمر ، كان قد جعل لمشيخة قريش مجلسا للشورى ، وغالبا ما يصدر برأيهم .
إن البركة مع الأكابر ، والمرء مادام صغير العمر ، تجده صغير العقل إلا ما ندر ، ولهذا تجد عند الصغير من الطيش والعجلة وعدم سبر الأمور مالا تجده عند الكبير غالبا .
فاعرفوا رحمكم الله حق كبيركم ، واجنوا بركاتهم قبل ذهابهم ، فأنتم صغار وغدا كبارا ، فما أحببتم أن يعاملكم صغاركم إذا كبرتم ، فافعلوه الآن ، وما كرهتموه غدا ، فانتهوا عنه الآن مع كباركم ، فكما تدين تدان .
في بعض الدول الكافرة ، يولون المتقاعد عن العمل عناية خاصة ، ويقدرونه تقديرا يليق به ، فقد بذل حياته لأجل المجتمع ، وساهم في بنائه ، فتراهم يحسنون إليه ، ويستفيدون من خبرته بما لا يكلف عليه ، ويسهلون أموره في كل شيء .
ونحن في هذه الدولة المباركة نلمس ذلك من المسؤولين في بعض القطاعات ، وإنها لخصلة جميلة من ذلك المسؤول ، الذي عرف حق الكبير ، ففي الصحة مثلا ، لمن جاوز الستين من عمره بطاقة خاصة ، تقدمه على غيره ، وهكذا ينبغي في كل القطاعات ، أن يبادر المسؤولون بتأسيس ذلك في مقر عمله ، فالكبير هو المؤسس للبلد في صغره ، وهو بركتها في كبره .
اللهم وفقنا لهداك والعمل في رضاك ..........
المرفقات
1756992272_حقوق كبار السن.docx