خطبة : ( زيارة القبور بين المشروع والممنوع )
عبدالله البصري
زيارة القبور بين المشروع والممنوع 2/ 5/ 1447
الخطبة الأ,لى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الحَيَاةُ قَصِيرَةٌ ، وَالبَقَاءُ في هَذِهِ الدُّنيَا قَلِيلٌ ، وَالمَوتُ حَتمٌ لازِمٌ ، وَمَا بَعدَ المَوتِ إِلاَّ الجَنَّةُ أُوِ النَّارُ ، وَلِكُلٍّ مِنهُمَا أَهلٌ وَسُكَّانٌ ، وَالقُلُوبُ تَغفَلُ وَالأَنفُسُ تَشرُدُ ، وَالمُلهِيَاتُ جَمَّةٌ وَالشَّوَاغِلُ كَثِيرَةٌ . وَإِنَّ أَشَقَّ مَا عَلَى المَرءِ وَأَصعَبَ مَا يُوَاجِهُهُ ، أَن يَفجَأَهُ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ وَهُوَ عَلَى غَفلَتِهِ ، وَأَن تُنتَزَعَ رُوحُهُ وَهُوَ لم يَتَهَيَّأَ بِعَمَلٍ صَالِحٍ يَكُونُ سَبَبًا لِنَجَاتِهِ ، وَإِنَّهُ لَيسَ مِن شَاغِلٍ عَنِ العَمَلِ الصَّالِحِ وَلا صَارِفٍ عَنِ الآخِرَةِ ، كَالتَّعَلُّقِ بِالدُّنيَا وَزَخَارِفِهَا ، وَلا مُحْيٍ لِمَوَاتِ القُلُوبِ وَمُنَبِّهٍ لَهَا ، كَتَذَكُّرِ المَوتِ وَسَكرَتِهِ ، وَالقَبرِ وَضَمَّتِهِ وَظُلمَتِهِ ، وَانفِرَادِ المَرءِ في اللَّحدِ وَوَحدَتِهِ وَوَحشَتِهِ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ مِنَ المَشرُوعِ لِلمُؤمِنِ أَن يَعُودَ المَرضَى وَيُشَيِّعَ المَوتَى ، وَأَن يَزُورَ القُبُورَ وَيَتَأَمَّلَ في المَقَابِرِ ، عَسَى بِذَلِكَ أَن يَعرِفَ قِيمَةَ الحَيَاةِ وَمَا تَؤُولُ إِلَيهِ ، عَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَبرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبكَى مَن حَولَهَ فَقَالَ : " استَأذَنتُ رَبِّي في أَن أَستَغْفِرَ لَهَا فَلم يُؤذَنْ لي ، وَاستَأذَنتُهُ في أَن أَزُورَ قَبرَهَا فَأُذِنَ لي ، فَزُورُوا القُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوتَ " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " كُنتُ نَهَيتُكُم عَن زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ المَوتَ " رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ ، وَفي لَفظٍ عِندَ التِّرمِذِيِّ : " فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ " وَعِندَ الحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " كُنتُ نَهَيتُكُم عَن زِيَارَةِ القُبُورِ ، أَلا فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُرِقُّ القَلبَ وَتُدمِعُ العَينَ وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ ، وَلا تَقُولُوا هُجرًا " أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ زِيَارَةَ القُبُورِ مَشرُوعَةٌ لِلاتِّعَاظِ بِهَا وَتَذَكُّرِ المَوتِ وَالآخِرَةِ ، وَالتَّفَكُّرِ في مَآلِ أَهلِهَا الَّذِي إِمَّا أَن يَكُونَ إِلى جَنَّةٍ وَإِمَّا إِلى نَارٍ ، لَكِنَّ تِلكُمُ الزِّيَارَةَ مَشرُوطَةٌ كَمَا سَمِعتُم بِأَلاَّ يَقُولَ الزَّائِرُ هُجرًا ، أَي بِأَلاَّ يَقُولَ مَا يُغضِبُ الرَّبَّ سُبحَانَهُ ، كَدُعَاءِ المَقبُورِ أَوِ الاستِغَاثَةِ بِهِ مِن دُونِ اللهِ تَعَالى ، أَو تَزكِيَتِهِ وَالقَطعِ لَهُ بِالجَنَّةِ ، أَو رَفعِ الصَّوتِ بِالنَّدبِ وَالنِّيَاحَةِ ، أَوِ التَّمَسُّحِ بِهِ أَو الذَّبحِ عِندَهُ ، أَوِ اختِلاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ حَولَهُ ، أَو طَوَافِهِم بِهِ ، ذَلِكُم أَنَّ كُلاًّ مِمَّا ذُكِرَ دَائِرٌ بَينَ أَن يَكُونَ شِركًا بِاللهِ ، أَو بِدعَةً مُنكَرَةً لم يَكُنْ عَلَيهَا سَلَفُ الأُمَّةُ ، أَو كَبِيرَةً مِن كَبَائِرِ الذُّنُوبِ الَّتي تَقسُو بِهَا القُلُوبُ ، وَتُكتَسَبُ بِسَبَبِهَا الأَوزَارُ وَالذُّنُوبُ . وَلا بَأسَ عَلَى زَائِرِ مَقَابِرِ المُسلِمِينَ أَن يَدعُوَ لَهُم ، بَل إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ إِحسَانٌ إِلَيهِم ، وَبِهِ تُرفَعُ دَرَجَاتٌ وَتُضَاعَفُ حَسَنَاتٌ ، وَتُمحَى أَوزَارٌ وَتَكُفَّرُ سَيِّئَاتٌ ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ القُرآنِ عِندَ القُبُورِ ، فَلا أَصلَ لَهُ في السُّنَّةِ ، وَلَو كَانَ مَشرُوعًا لَفَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَعَلَّمَهُ أَصحَابَهُ ، بَل إِنَّهُ لَمَّا سَأَلَتهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا عَمَّا تَقُولُ إِذَا زَارَتِ القُبُورُ ، عَلَّمَهَا السَّلامَ وَالدُّعَاءَ ، وَلم يُعَلِّمْهَا أَن تَقرَأَ الفَاتِحَةَ أَو غَيرَهَا مِنَ القُرآنِ ، فَعَنهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت : كَيفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ تَعني في زِيَارَةِ القُبُورِ؟! قَالَ : " قُولِي : السَّلامُ عَلَى أَهلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤمِنِينَ وَالمُسلِمِينَ ، وَيَرْحَمُ اللهُ المُستَقدِمِينَ مِنَّا وَالمُستَأخِرِينَ ، وَإِنَّا إِن شَاءَ اللهُ بِكُم لَلاحِقُونَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لا تَجعَلُوا بُيُوتَكُم مَقَابِرَ ، فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَفِرُّ مِنَ البَيتِ الَّذِي يَقرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ " أَخرَجَهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَطَالِبُ الحَقِّ المُتَّبِعُ لِلسُّنَّةِ ، يَرَى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَد أَشَارَ في هَذَا الحَدِيثِ إِلى أَنَّ القُبُورَ لَيسَت مَوضِعًا لِقِرَاءَةِ القُرآنِ شَرعًا ، فَلِذَلِكَ حَضَّ عَلَى قِرَاءَةِ القُرآنِ في البُيُوتِ ، وَنَهَى عَن جَعلِهَا كَالمَقَابِرِ الَّتي لا يُقرَأُ فِيهَا القُرآنُ .
وَإِذَا كَانَت قِرَاءَةُ القُرآنِ عِندَ القُبُورِ غَيرَ مَشرُوعَةٍ ، فَإِنَّ المَنعَ مِنَ الصَّلاةِ عِندَهَا مِن بَابِ أَولى ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " صَلُّوا في بُيُوتِكُم وَلا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " لا تُصَلُّوا إِلى القُبُورِ وَلا تَجلِسُوا عَلَيهَا " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " الأَرضُ كُلُّهَا مَسجِدٌ إِلاَّ المَقبَرَةَ وَالحَمَّامَ " أَخرَجَهُ أَصحَابُ السُّنَنِ إِلاَّ النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَأَعظَمُ مِنَ الصَّلاةِ عِندَ القُبُورِ أَن تُبنى عَلَيهَا المَسَاجِدُ ، فَعَن عَائِشَةَ وَعَبدِاللهِ بنِ عَبَّاسٍ قَالا : لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجهِهِ ، فَإِذَا اغتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَن وَجهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ : " لَعنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مَسَاجِدَ ، يُحَذِّرُ مِثلَ مَا صَنَعُوا . أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَعَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اللَّهُمَّ لا تَجعَلْ قَبرِي وَثَنًا ، لَعَنَ اللهُ قَومًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مَسَاجِدَ " أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعِندَ مُسلِمٍ في صَحِيحِهِ قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " أَلا وَإِنَّ مَن كَانَ قَبلَكُم كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنبِيَائِهِم وَصَالِحِيهِم مَسَاجِدَ ، أَلا فَلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ ، إِنِّي أَنهَاكُم عَن ذَلِكَ " وَعَن عَائِشَةَ قَالَت : لَمَّا كَانَ مَرَضُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، تَذَاكَرَ بَعضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً بِأَرضِ الحَبَشَةِ يُقَالُ لهَا مَارِيَةُ ، وَقَد كَانَت أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ قَد أَتَتَا أَرضَ الحَبَشَةِ ، فَذَكَرنَ مِن حُسنِهَا وَتَصَاوِيرِهَا . قَالَت : فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أُولِئَكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ ، بَنَوا عَلَى قَبرِهِ مَسجِدًا ، ثم صَوَّرُوا فِيهِ تِلَكَ الصُّوَرَ ، أُولَئِكَ شِرَارُ الخَلقِ عِندَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ " أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَمِمَّا يَحرُمُ ، أَن تُتَّخَذَ القُبُورُ أَعيَادًا في أَوقَاتٍ مُعَيِّنَةٍ وَمَوَاسِمَ مَعرُوفَةٍ ، تُقصَدُ فِيهَا لِزِيَارَتِهَا أَو لِلتَّعَبُّدِ عِندَهَا أَو لِغَيرِ ذَلِكَ ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لا تَتَّخِذُوا قَبرِي عِيدًا ، وَلا تَجعَلُوا بُيُوتَكُم قُبُورًا ، وَحَيثُمَا كُنتُم فَصَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّ صَلاتَكُم تَبلُغُني " أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . قَالَ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : وَوَجهُ الدَّلالَةِ أَنَّ قَبرَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَفضَلُ قَبرٍ عَلَى وَجهِ الأَرضِ ، وَقَد نَهَى عَنِ اتِّخَاذِهِ عِيدًا ، فَقَبرُ غَيرِهِ أَولى بِالنَّهيِ كَائِنًا مَن كَانَ ، ثم قَرَنَ ذَلِكَ بِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " وَلا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُم قُبُورًا " أَي لا تُعَطِّلُوهَا عَنِ الصَّلاةِ فِيهَا وَالدُّعَاءِ وَالقِرَاءَةِ ، فَتَكُونَ بِمَنزِلَةِ القُبُورِ ، فَأَمَرَ بِتَحَرِّي العِبَادَةِ في البُيُوتِ ، وَنَهَى عَن تَحَرِّيهَا عِندَ القُبُورِ ، عَكسَ مَا يَفعَلُهُ المُشرِكُونَ مِنَ النَّصَارَى وَمَن تَشَبَّهَ بِهِم .
اللَّهُمَّ اجعَلْنَا مِن أَتبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّكَ ، وَجَنِّبْنَا الشِّركَ وَالبِدَعَ وَالمُحدَثَاتِ...
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَتَحَرَّوُا السُّنَّةَ عِندَ زِيَارَةِ القُبُورِ وَاحذَرُوا البِدَعَ وَالمُحدَثَاتِ ، وَمِنهَا استِقبَالُ القَبرِ في حَالِ الدُّعَاءِ ، فَهَذَا غَيرُ مَشرُوعٍ ، بَلِ المَشرُوعُ أَن يَستَقبِلَ الدَّاعِي القِبلَةَ ، وَأَن يَدعُوَ لِلمَيِّتِ إِن كَانَ مُسلِمًا ، وَأَمَّا لَو قُدِّرَ أَنَّهُ زَارَ قَبرَ كَافِرٍ ، فَإِنَّهُ لا يُسَلِّمُ عَلَيهِ وَلا يَدعُو لَهُ ، بَل يُبَشِّرُهُ بِالنَّارِ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، فَفِي الحَدِيثِ عَن سَعدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : جَاءَ أَعرَابيٌّ إِلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ أَبي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ وَكَانَ وَكَانَ ، فَأَينَ هُوَ ؟! قَالَ : " في النَّارِ " فَكَأَنَّ الأَعرَابيَّ وَجَدَ مِن ذَلِكَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَينَ أَبُوكَ ؟! قَالَ : " حَيثُمَا مَرَرتَ بِقَبرِ كَافِرٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ " قَالَ : فَأَسلَمَ الأَعرَابيُّ بَعدُ فَقَالَ : لَقَد كَلَّفَني رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَعَبًا ، مَا مَرَرتُ بِقَبرِ كَافِرٍ إِلاَّ بَشَّرتُهُ بِالنَّارِ . أَخرَجَهُ الطَّبرَانيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَمِمَّا يُكرَهُ عِندَ الزِّيَارَةِ أَن يَمشِيَ بَينَ قُبُورِ المُسلِمِينَ في نَعلَيهِ ، لِحَدِيثِ بَشِيرِ بنِ الخَصَاصِيَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : بَينَمَا أُمَاشِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى قُبُورِ المُسلِمِينَ ، فَبَينَمَا هُوَ يَمشِي إِذْ حَانَت مِنهُ نَظرَةٌ ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ يَمشِي بَينَ القُبُورِ عَلَيهِ نَعلانِ ، فَقَالَ : يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَينِ ، أَلقِ سِبْتِيَّتَيكَ ، فَنَظَرَ ، فَلَمَّا عَرَفَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَلَعَ نَعلَيهِ فَرَمَى بِهِمَا . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَمِمَّا لا يُشرَعُ بَل هُوَ مِنَ البِدَعِ ، وَضعُ الرَّيَاحِينِ أَوِ الوُرُودِ وَالزُّهُورِ عَلَى القُبُورِ ؛ فَإِنَّهُ لم يَكُنْ مِن فِعلِ السَّلَفِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا نَقَلَهُ الجَهَلَةُ عَنِ النَّصَارَى وَغَيرِهِم ، وَهَذَا مِمَّا يَزِيدُهُ حُرمَةً وَشَنَاعَةً ، وَلا يُعَارِضُ هَذَا مَا في الصَّحِيحَينِ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مَرَّ بِقَبرَينِ فَأَخبَرَ أَنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ ثم أَخَذَ جَرِيدَةً رَطبَةً فَشَقَّهَا نِصفَينِ ثُمَّ غَرَزَ في كُلِّ قَبرٍ وَاحِدَةً وَقَالَ : " لَعَلَّه يُخَفَّفُ عَنهُمَا مَا لم يَيبَسَا " فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ، لأَنَّهُ مِنَ الغَيبِ الَّذِي لا يَعلَمُهُ إِلاَّ بِمَا عَلَّمَهُ اللهُ .
وَمِمَّا يَحرُمُ عِندَ القُبُورِ الذَّبحُ وَالنَّحرُ ، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لا عَقرَ في الإِسلامِ " قَالَ عَبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ في مُصَنَّفِهِ : كَانُوا يَعقِرُونَ عِندَ القَبرِ بَقَرَةً أَو شَاةً . وَأَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالبَيهَقِيُّ وَأَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَالقَولُ بِتَحرِيمِ الذَّبحِ وَالنَّحرِ عِندَ القُبُورِ ، إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَو كَاَن الذَّبحُ وَالنَّحرُ للهِ تَعَالى ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِصَاحِبِ القَبرِ كَمَا يَفعَلُهُ بَعضُ الجُهَّالِ ، فَهُوَ شِركٌ صَرِيحٌ ، وَأَكلُهُ حَرَامٌ وَفِسقٌ ، قَالَ تَعَالى : " وَلا تَأكُلُوا مِمَّا لم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عَلَيهِ وَإِنَّهُ لِفِسقٌ " وَفي الحَدِيثِ قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " لَعَنَ اللهُ... وَفي رِوَايَةٍ : مَلعُونٌ مَن ذَبَحَ لِغَيرِ اللهِ " أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَلْنَقتَصِرْ عَلَى مَا سُنَّت زِيَارَةُ القُبُورِ لَهُ مِنَ الاتِّعَاظِ وَالتَّذَكُّرِ ، وَالسَّلامِ عَلَى الأَموَاتِ وَالدُّعَاءِ لَهُم...
المرفقات
1761220226_زيارة القبور بين المشروع والممنوع.docx
1761220227_زيارة القبور بين المشروع والممنوع.pdf