خطبة صلاة الجمعة
الشيخ منصور بن صالح الجاسر
الحمدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذُ وَلَدًا ولم يكنْ لَهُ شَريكٌ في الْمُلْكِ ، وما كانَ معه من إلهٍ ، الَّذي لا إلَهَ إلا هو ، فلا خَالقَ غيرُهُ ولا ربَّ سِوَاهُ، ولا مُسْتَحِقٌّا لِلْعبَادَةِ بأنواعِها إلَّا هُوَ، ولذا قضَى أَلَّا نَعْبُدَ إلا إيَّاهُ.
((ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ )) .
أَحْمَدُكَ يا ربِّ وأَسْتَعِينُك وأَسْتَهْدِيكَ ، ولَا أُحْصِي ثَنَاءً عليكَ أنتَ كما أَثْنَيْتَ على نفسِك جَلَّ ثَنَاؤُك وعَظُمَ جاهُكَ ولا إلَهَ غَيْرُك. وأشهدُ أن لَّا إلَهَ إلَّا اللهُ هُوَ الْوَاحِدُ الَّذِي لم يَتَّخِذْ ولدًا ولا ضِدَّ له، وهو الصَّمدُ الَّذِي لا مُنَازِعَ له، وهو الْغَنِيُّ الَّذِي لا حَاجَةَ له، وهو القويُّ الذي لا يُعجزُهُ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ، وهو جبارُ السَّماواتِ والأرضِ، فلا رادَّ لحُكمِهِ ولا مُعقِّبَ لقضائِهِ وأمرِهِ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ. اللَّهمَّ صلِّ وسلِّمْ وزِدْ وبارِكْ عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأحبابِهِ وأتباعِهِ، وكلِّ مَن سَارَ على نَهجِهِ واقتفَى أَثرَهُ إلى يومِ الدِّينِ. أمَّا بَعْدُ :
عِبَادَ اللهِ : أيُّ يَوْمٍ هذا ؟ أَيُّ يَوْمٍ هذا ؟ أَيُّ يَوْمٍ هذا ؟ أتظنُّون أنَّي سأُسمِيه بغيرِ اسمِهِ! إنُّه يومُ الجمعةِ عيدُ الأسبوعِ، وأفضلُ أيَّامِ الأسبوعِ اختصَّ اللهُ به أمَّةَ محمدٍ ﷺ .
عِبَادَ اللهِ : حَدِيثِي مَعَكُم الْيَومَ عَنْ أَحْدَاثٍ عَظِيمةٍ رَوَى مالكٌ في الموطأ، عن أبي هريرةَ مرفوعًا : " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيِه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وفِيهِ أُهْبِطَ وفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وفِيهِ مَاتَ، وفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وفِيهِ سَاعَةٌ لا يُصَادِفُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إيَّاه ".
وفي الْمُسْتَدْرَكِ، عن أبي هريرةَ مرفَوعًا: (" سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَّ وفِيهِ أُخْرِجَ منها، ولا تقومُ السَّاعةُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعةِ" ).
وَهَذَا الْيَوْمُ لَهُ خَصَائِصٌ وَأَعْمَالُ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مِنَ الأَيَّام:
*كانَ يُسمَّى قبلَ الإسلامِ "يومُ العُروبَةِ".
*وكانَ النبيُّ ﷺ يَخصُّهُ بأعمالٍ لَيْسَتْ لِغَيرِهِ، فكَانَ يَقْرأُ في صَلَاة الْفَجْرِ سُورَتِي السَّجْدةِ والإنْسَانِ ، والْحِكْمَةُ لأنَّهما تضمَّنَتَا ما كانَ وما يكونُ في يومِ الْجُمُعةِ من خَلْقِ آدَمَ، وذِكْرِ الْمِيعَادِ والْحَشْرِ.
"ويُنبَّهُ إلى خطأَ ما كانَ يعتقدُهُ البعضُ أنَّ الحكمةَ من تخصيصِ يومِ الجمعةِ من قراءةِ سورةِ السجدةِ زيادةً في سجدةِ الجمعةِ تجدْ بعضُهم يقرأُ سورةً أُخرى فيها سجدةٌ.
* استحبابُ كثرةِ الصَّلاةِ على النبيِّ ﷺ في يومِهِ وليلتِهِ، قالَ النبيُّ ﷺ : "فأكثرُوا عَليَّ الصَّلاةَ فِيهِ".
* ويُستحبُّ في هذا اليومِ (" الاغْتِسَالُ فِيهِ خَاصَّةً لِمَن بِهِ رَائحَةٌ والتَّطيُّبُ ويتدهَّنُ مِن دُهنِهِ، أو يَمسُّ مِن طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَينِ يُصَلِّي ما كُتِبَ له، ثُمَّ يُنْصِت إذا تَكلَّم الإمَامُ إِلَّا غُفرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَمَا بينَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ").
ورُويَ عَنِ النَّبيِّ ﷺ: " مَن قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، شَعَ لَهُ نورٌ مِن تَحْتِ قَدَمَيْهِ إلى عَنانِ السَّمَاءِ يُضِيءُ به يومَ القيامةِ ، وغُفِرَ له ما بينَ الجمعتينِ".
أَقُولُ قَوْلي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيم لي ولكم مِن كُلِّ ذَنْبٍ فاسْتَغْفِرُوه إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ للهِ القويِّ القادرِ مالكِ الأملاكِ. وأشهدُ أَن لَّا إلَهَ إلا اللهُ مدبرُ الأفلاكِ، وخالقُ آدمَ من ترابٍ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ، أمَّا بَعْدُ:
إلهَنَا ما أعدَلَك مليكَ كلِّ مَن مَلَك، لولاكَ يا ربِّي هَلَك.
أَيُّها المؤمنون: اتقوا اللهَ ربَّكم، واعملوا صالحًا إنَّه بما تعملون عليمٌ.
عبادَ اللهِ: ويُستحبُّ في مثلِ هذا اليومِ قراءةُ سورةِ الكهفِ.
أيُّها المؤمنون: والسُّنةُ في قراءةِ الجمعةِ للإمامِ (الأعلَى والغاشيةُ، أو الجمعةُ والمنافقون، أو الجمعةُ والغاشيةُ)، وكلُّ ذلك ثَبتَ عنه ﷺ ، ولا ينبغِي ما يفعله بعضُ الأئمَّةِ مِن هجرٍ للسنةِ من قراءةِ آياتٍ تناسبُ الموضوعَ، أو قراءةِ بعضِ السُّورِ التي تُستحبُّ قراءتُها في صلاةِ الجمعةِ.
ومِن خصائِصِ الجمعةِ:
يُستحبُّ فيها تجميرُ المسجدِ أي تبخيرُهُ؛ لأمرِ عمرَ رضي الله عنه.
يا أصحابَ الهمومِ والحاجاتِ في يومِكم هذا ساعةُ إجابةٍ لا يسأَلُ عبدٌ ربَّهُ إلا أعطاهُ ما سَأَل، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: "إنَّ في يومِ الجمعةِ لساعةُ لا يوافقُها عبدٌ مسلمٌ، وهو قائمٌ يُصلِّي يسألُ اللهَ شيئًا إلا أعطاه إيَّاه وقالَ بيدِهِ يُقَلِّلُها".
وهي إمَّا حَالَ قِيَامِ الإمامِ في الخطبةِ، أو آخرَ ساعةٍ قبلَ غروبِ الشَّمْسِ، وهو الرَّاجحُ.
أيُّها المؤمنون: يُكرهُ في يومِ الجمعةِ إفرادُهُ بالصِّيامِ، والمقصودُ هو تخصيصُ ذلكَ اليومِ، أمَّا القضاءُ وصِيامُ النافلةِ فلا حرجَ في صيامِهِ.
عبادَ اللهِ: أمَّا النَّافلةُ في صلاةِ الجمعةِ، فَقَبلَها يُصلِّى ما شَاء، أمَّا بعدَها فوردَ ركعتانِ وأربعٌ وستٌ ويُحملُ على التنوُّعِ، قالَ ابنُ تيميةَ: "إنْ صلاَّهَا في المسجدِ صلَّاهَا أربعًا، وإنْ صلَّاها في البيتِ ركعتين".
عنْ أبِي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: "إذا صلَّى أحدُكم الجمعةَ، فليُصلِّ ركعتين أو أربعَ ركعاتٍ".
قالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمْعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ).
عِبَادَ اللهِ : مَا حُكْمُ مَن يَتَهَاوَنُ في تَرْكِ صَلاةِ الْجُمُعةِ ؟ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ التَّهاونُ فِي تَرْكِ صَلَاة الْجُمُعةِ ، فَتَرْكُ صَلَاةِ الجمعة ممن تجبُ عليه مِن غَيْرِ عُذْرٍ كَبِيرةٌ مِن كَبَائِرِ الذُّنُوبِ ، وَوَرَدَ التَّحذيرُ مِنْ تَرْكِ صَلاةِ الجُمُعةِ في حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ : " مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعَ تَهَاؤُنَا بِهَا طبعَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ " .
فَمَن نَام عَن صَلَاةِ الجُمُعةِ فَاتَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْخَيْرِ ، مِن فَضِيلةِ التَّبْكِيرِ للصَّلاةِ ، وشُهُودِ الْخُطبَةِ الَّتِي تُبَصِّرُهُ في دِينِهِ ، وَفَاتَهُ أَجْرُ الصَّلاةِ وَمَغْفِرَةٌ السَّيِّئَاتِ ، وَفَاتَهُ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ ، وَفَاتَهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ، ولا يُوَفِّقُ غَالِبًا مِنَ الدُّعَاء فِي سَاعَةِ الإجابةِ ، فَمَا أَعْظَمَ حَسْرَتُهُ وَنَدَامَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
ثم صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَن أَمَرَكُم اللهُ بالصَّلاةِ والسَّلامِ عليْهِ اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّم علَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ محمدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيِّ ، وَعَنَّا مَعَهُم بِفَضْلِكَ وجُودِكَ وإحْسَانِكَ يا ذَا الْجَلالِ والإكْرَامِ.
اللَّهمَّ انفعْنَا بِهذا اليومِ العظيمِ، واجعلْهُ حجةً لنا يا ذَا الْجَلالِ والإكْرَامِ. اللَّهُمَّ أصْلِحْ أَحْوَالَنَا وتَوَلَّ أَمْرَنَا وَأَصْلِحُ شَبَابَنَا يَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ يا حَيُّ يَا قَيُّومُ أنْ تَغْفِرَ لَنَا ذُنُوبَنَا كُلَّهَا دِقَّهَا وَجِلَّهَا وَخَطَأَهَا وعَمْدَها يَا ذَا الْجَلال والإكْرَامِ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الإيمانَ والْعَفْوَ عَمَّا سَلَفَ وَكَانَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْعِصْيَانَ. اللَّهُمَّ أصْلِحْ أَحْوَالَ أُمَّةٍ مُحَمَّدٍ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا ذَا الْجَلال والإكْرَامِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى وخُذْ بِنَاصِيَتِهِ للْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَأَعِنْهُ علَى أُمُورِ دِينِهِ ودُنْيَاهُ يَا ذَا الْجَلالِ والإكْرَامِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَخُذْ بِنَوَاصِينَا لِلْبِرُ والتَّقْوَى، وعَافِنَا وَاعْفُ عَنَّا وَاخْتِمُ لَنَا بِخَيْرٍ، وَاجْعَلْ عَوَاقِبَ أُمُورِنَا إلى خَيْرٍ وَاغْفِرْ لَآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَاجْمعنا بهِمِ في دَارِ الْكَرَامَةِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ. اللهمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ..
عِبادَ اللهِ: ((إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) . فاذْكُرُوا اللهَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُم، واشْكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُم، ولَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1760532753_خطبة صلاة الجمعة.docx
1760532765_خطبة صلاة الجمعة.pdf