خُطْبَة: عَظَمة الاسْتِغْفَارِ

د صالح بن مقبل العصيمي
1447/03/30 - 2025/09/22 16:04PM

خُطْبَة: عَظَمة الاسْتِغْفَارِ. الْخُطْبَةُ الأُولَى.

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْيَتَامَى، وَوَعَدَ عَلَى ذَلِكَ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ وَالْفَضْلَ الْجَزِيلَ، وَتَوَعَّدَ مَن ظَلَمَهُمْ أَوْ قَهَرَهُمْ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

1- عِبَادَ اللهِ: لَا يَخْفَى عَلَى مُسْلِمٍ فَضْلُ الاسْتِغْفَارِ، وَالْعَبْدُ مُضْطَرٌّ إِلَيْهِ دَائِمًا، فِي الْغَوَائِبِ وَالْمَشَاهِدِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ المَصَالِحِ، وَجَلْبِ الخَيْرَاتِ، وَدَفْعِ الْمَضَرَّاتِ، وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْقُوَّةِ فِي الأَعْمَالِ القَلْبِيَّةِ، وَالْبَدَنِيَّةِ، وَالْيَقِينِيَّةِ الإِيمَانِيَّةِ. وَمِنْ أَهَمِّ فَضَائِلِهِ:

2- أَنَّ الاسْتِغْفَارَ دَالٌّ عَلَى التَّوْحِيدِ، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾.

3- وَأَنَّهُ حِمَايَةٌ وَوِقَايَةٌ مِنَ العَذَابِ، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. فَاللَّهُ لَا يُعَذِّبُ مُسْتَغْفِرًا، أَمَّا مَنْ اسْتَغْفَرَ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الذَّنْبِ، فَاسْتِغْفَارُهُ لَيْسَ اسْتِغْفَارًا تَامًّا.

4- وَالاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ لِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.

5- ولقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِٰ﴾.

6- وَهُوَ سَبَبٌ فِي حُصُولِ الخَيْرَاتِ، مِنْ أَمْوَالٍ وَأَوْلَادٍ، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾.

7- وَهُوَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ وَالقُوَّةِ البَدَنِيَّةِ، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾.

8- وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الحُصُولِ عَلَى السَّعَادَةِ وَالمَتَاعِ الحَسَنِ وَرَاحَةِ البَالِ وَطِيبِ النَّفْسِ، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾.

9- وَهُوَ سَبَبٌ فِي نَيْلِ الجَنَّةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: “طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اِسْتِغْفَارًا كَثِيرًا”. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه بِسَنْدٍ صَحِيحٍ.

10- وَهُوَ سَبَبٌ فِي سُرُورِ العَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: “مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرَّهُ صَحِيفَتُهُ - فَلْيُكْثِرْ مِنَ الاسْتِغْفَارِ”. أَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ، وَالطُّبْرَانِيُّ، وَغَيْرُهُمَا بِسَنْدٍ صَحِيحٍ.

11- وَهُوَ سَبَبٌ فِي نَيْلِ الحَسَنَاتِ العَظِيمَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: “مَنْ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ - كُتِبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً”. أَخْرَجَهُ الطُّبْرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى بِسَنْدٍ لَا يَقِلُّ عَنِ الحَسَنِ.

12- هُوَ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ مَحْوِ الذُّنُوبِ مَهْمَا عَظُمَتْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، أَوْ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَمْلَأَ خَطَايَاكُمْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَغَفَرَ لَكُمْ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، أَوْ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُخْطِئُوا، لَجَاءَ اللهُ بِقَوْمٍ يُخْطِئُونَ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ اللهَ -فَيَغْفِرُ لَهُمْ”. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنْدٍ صَحِيحٍ.

13- وَالاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ فِي نَجَاةِ العَبْدِ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا وَقَعَ فِيهِ، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾.

14- وَمُدَاوَمَةُ الاسْتِغْفَارِ - سَبَبٌ فِي نَيْلِ المَغْفِرَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: “إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ، لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ، مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، قَالَ الرَّبُّ: -وَعِزَّتِي وَجَلَالِي- لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ، مَا اسْتَغْفَرُونِي”. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالحَاكِمُ بِسَنْدٍ حَسَنٍ.

15- وَهُوَ سَبَبٌ فِي جَلْبِ الرَّاحَةِ وَالحُصُولِ عَلَيْهَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: “إِنَّمَا اسْتَرَاحَ مَنْ غُفِرَ لَهُ”. أَخْرَجَهُ الطُّبْرَانِيُّ وَأَبُو نَعِيمٍ بِسَنْدٍ صَحِيحٍ.

16- وَالاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ فِي النَّجَاةِ مِنَ العَدُوِّ، لِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

17- وَالاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ لِنُزُولِ الخَيْرَاتِ وَالمَتَاعِ الحَسَنِ فِي الدُّنْيَا، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾.

18- هُوَ سَبَبٌ لِدَفْعِ العَذَابِ عَنِ الأُمَّةِ، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ مَنْ اسْتَغْفَرَ؛ لِأَنَّ الاسْتِغْفَارَ سَبَبٌ لِمَحْوِ الذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ فِي نُزُولِ العَذَابِ.

19- وَالاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ لِتَفْرِيجِ الهَمِّ وَحُصُولِ الرِّزْقِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: “مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِن كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ”. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ مُفَلِّحٍ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

20- قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ - رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاهُ -: "وَالاسْتِغْفَارُ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الفِعْلِ المَكْرُوهِ إِلَى الفِعْلِ المَحْبُوبِ".

21- ويُخرِجُ العَبدَ مِن العَمَلِ النَّاقِصِ إلَى العَمَلِ التَّامِّ.

22- ويَرْفَعُ العَبدَ مِن المَقَامِ الأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى مِنْهُ والأكمَل.

23- واعلموا أنَّ العَابِدَ لِلهِ، والعَارِفَ باللهِ، في كُلِّ يَومٍ، بَل في كُلِّ سَاعَةٍ، بَل في كُلِّ لَحْظَةٍ: يَزدَادُ عِلمًا بِاللهِ، وبَصِيرَةً في دِينِهِ وعُبُودِيَّتِهِ؛ بِحَيثُ يَجِدُ ذَلِكَ في طَعَامِهِ، وشَرَابِهِ، ونَوْمِهِ، ويَقَظَتِهِ، وقَولِهِ، وفِعلِهِ، ويَرَى تَقصِيرَهُ في حُضُورِ قَلْبِهِ، فِي الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ، وإعْطَائِهَا حَقَّهَا.

24- وَالْعَابِدُ يَحْتَاجُ إِلَى الاسْتِغْفَارِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَأَطْرَافَ النَّهَارِ. انْتَهَى كَلَامُهُ – رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاهُ.

25- فَكُنْ فِي مِحْنَتِكَ وَكُرْبِكَ وَجَمِيعِ أَحْوَالِكَ مِثْلَ سَلَفِ الأُمَّةِ، وَأَوْقَاتُهُمْ عَمَرُوهَا بِالاِسْتِغْفَارَاتِ وَالدُّعَاءِ، فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَادْعُ؛ حَتَّى يَأْتِيكَ الفَرَجُ - فَالِاسْتِغْفَارُ طَرِيقُ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ”. اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ.

 

خُطْبَة: عَظَمة الاسْتِغْفَارِ. الخطبة الثانية.

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ - عِبَادَ اللَّهِ - حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ مَا يَلِي: -

1- أَنَّ ذِكْرَ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ - سَبَبٌ فِي نَيْلِ الْمَغْفِرَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: “مَا جَلَسَ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ -تَعَالَى- إِلَّا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ”. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنْدٍ صَحِيحٍ.

2- وَأَنَّ الاسْتِغْفَارَ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي يَعْجَبُ اللهُ مِنْهَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: “إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُكَ”. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ بِسَنْدٍ صَحِيحٍ.

3- وَيُسَنُّ لِلْمَرْءِ الاسْتِغْفَارُ، إِذَا سَهَا عَنْ ذِكْرِ اللهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: “إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي اليَوْمِ -مِائَةَ مَرَّةٍ”. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

4- فِي مَعْنَى الغَيْنِ خِلَافٌ بَيْنَ العُلَمَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ يَكُونُ هَذَا الغَيْنُ السَّكِينَةَ الَّتِي تَغْشَى قَلْبَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾، وَالسَّكِينَةُ فَعِيلَةٌ مِنَ السُّكُونِ، الَّذِي هُوَ الوَقَارُ، الَّذِي هُوَ فَقْدُ الحَرَكَةِ، وَيَكُونُ الاِسْتِغْفَارُ إِظْهَارًا لِلْعُبُودِيَّةِ وَالاِفْتِقَارِ، وَمُلَازَمَةَ الخُضُوعِ، وَشُكْرًا لِمَا أَوْلَاهُ مُوَلَاهُ.

5- وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الغَيْنَ حَالُ خَشْيَةٍ وَإِعْظَامٍ يَغْشَى القَلْبَ، وَيَكُونُ اسْتِغْفَارُهُ شُكْرًا.

6- وَقِيلَ: كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي تَرَقٍّ مِن مَقَامٍ إِلَى مَقَامٍ، فَإِذَا ارْتَقَى مِنَ المَقَامِ الَّذِي كَانَ فِيهِ إِلَى مَقَامٍ أَعْلَى، اسْتَغْفَرَ مِنَ المَقَامِ الَّذِي كَانَ فِيهِ.

7- وَقِيلَ: الغَيْنُ شَيْءٌ يَغْشَى القَلْبَ وَلَا يُغَطِّيهِ، كَالْغَيْمِ الَّذِي يُعْرَضُ فِي الهَوَاءِ فَلَا يَمْنَعُ ضَوْءَ الشَّمْسِ.

8- وَقِيلَ: هُوَ هَمُّهُ بِسَبَبِ أُمَّتِهِ وَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَحْوَالِهَا بَعْدَهُ، فَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ.

وَقِيلَ: المَرادُ الفَتَرَاتُ وَالغَفَلَاتُ عَنِ الذِّكْرِ الَّذِي كَانَ شَأْنُهُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ، فَإِذَا فَتَرَ عَنْهُ أَوْ غَفَلَ عُدَّ ذَلِكَ ذَنْبًا فَاسْتَغْفِرْ مِنْهُ.

9- وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ الاسْتِغْفَارَ أَوْفَقُ الدُّعَاءِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: “إِنَّ أَوْفَقَ الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، يَا رَبِّ، فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي، إِنَّكَ أَنْتَ رَبِّي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ”. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ المُفْرَدِ بِسَنْدٍ صَحِيحٍ.

10- وَاعْلَمُوا أَنَّهُ خَاتِمَةُ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ ۚ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

11- فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: “مَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مَجْلِسًا -قَطُّ- وَلَا تَلَى قُرْآنًا، وَلَا صَلَّى صَلاَةً -إِلَّا خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِمَاتٍ”، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَاكَ مَا تَجْلِسُ (مَجْلِسًا) وَلَا تَتْلُو قُرْآنًا، وَلَا تُصَلِّي صَلاَةً -إِلَّا خَتَمْتَ بِهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ، قَالَ: “نَعَمْ، مَنْ قَالَ خَيْرًا خُتِمَ لَهُ طَابِعٌ عَلَى ذَلِكَ الخَيْرِ، وَمَنْ قَالَ شَرًّا كُنَّ لَهُ كَفَّارَةً: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ -أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ”. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ بِسَنْدٍ صَحِيحٍ.

12- وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يَقُولُ بِأُخْرَةٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنَ المَجْلِسِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ”، فَقَالَ رَجُلٌ: “يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلًا مَا كُنْتَ تَقُولُهُ فِيمَا مَضَى”، قَالَ: “كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي المَجْلِسِ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ بِسَنْدٍ صَحِيحٍ.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا. اللَّهُمَّ يَسِّرْنَا لِلْيُسْرَى، وَجَنِّبْنَا الْعُسْرَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقٍ يَطْرُقُ بِخَيْرٍ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَامْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَأَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُّرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ. (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا). اللَّهُمَّ احْفَظِ الأَبْنَاءَ وَالْبَنَاتَ، وَاجْعَلْهُمْ قُرَّةَ أَعْيُنٍ لِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ وَأَحِطْهُمْ بِعِنَايَتِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا وَإِيَّاهُمْ مِنْ مُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمُؤَدِّي الزَّكَاةِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. هَذَا فَصَلُّوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ عَلَى مَن أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ، يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ

المشاهدات 951 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا