خطبة عيد الأضحى 1446ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي سَهَّلَ لِعِبَادِهِ طُرُقَ الْعِبَادَةِ وَيَسَّرَ، وَتَابَعَ لَهُمْ مَوَاسِمَ الْخَيرَاتِ لِتَزْدَانَ أَوْقَاتُهُمْ بِالطَّاعَاتِ وَتُعَمَّرَ، وَلَهُ الْحَمْدُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ، والْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَرُ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى آلائِهِ الَّتِي لَا تُقَدَّرُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مَلَكَ فَقَهَرَ، وَتَأَذَّنَ بِالزِّيادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَتَوَعَّدَ بِالْعَذَابِ مَنْ جَحَدَ وَكَفَرَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونبينا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ الْوَجْهِ الأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الأَزْهَرِ، وَأَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وَزَكَّى وَصَامَ وَحَجَّ وَاعْتَمَرَ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَدِيدًا وَأَكْثَرَ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسلمون: نُبَارِكُ لَكُمْ عِيدَكُمُ السَّعِيدَ، وَيَوْمَكُمُ الْكَرِيمَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِنَفْرَحَ فِيهِ بِعَوَائِدِ الإِحْسَانِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَزِيَادَةِ الْحَسَنَاتِ، نَعَمْ إِنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ، يَوْمُ الْحَمْدِ وَالنِّعْمَةِ، وَتَرْسِيخِ قِيَمِ الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ، وَنَشْرِ السَّعَادَةِ وَالْبَسْمَةِ، يَوْمٌ تُعْطَى فِيهِ الْهَدَايَا، وَتُسْتَعْظَمُ فِيهِ الْوَصَايَا، وَإِنَّ أَعْظَمَ وَصِيَّةٍ لِلنَّاسِ تُبْذَلُ، وَفِيهَا مَوَاعِظُ كَثِيرَةٌ، الْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ الْقَائِلِ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ . واعْلَمُوا أَنَّ فِي هذَا اليومِ الْعَظِيمِ يَتَقَرَّبُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رَبِّهِمْ بِنَحْرِ ضَحَايَاهُمْ مُتَّبِعِينَ سُنَّةَ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَبْحِ وَلَدِهِ، ثَمرَةِ فُؤَادِهِ، فَاسْتَجَابَ لأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فجعَلَ اللهُ تعَالَى فِدَاءَ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَبْشًا أَقْرَنَ عَظِيمَ الحَجْمِ والبَرَكَةِ، وَقَدْ أَحْيَا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذِهِ السُّنَّةَ العَظِيمَةَ إِلى يَومِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الْحَمْدُ. تَجْتَمِعُ الْبَهْجَةُ وَالسُّرُورُ وَالْفَرْحَةُ وَالْحُبورُ عَلَى مُسْلِمِي الْعَالَمِ الْيَوْمَ بِاِجْتِمَاعِ مَرَاسِمِ بَهْجَةِ الْعِيدِ وَفَرْحَتِهِ, فَهَذِهِ الْأيَّامُ تَجْتَمِعُ فيها عِبَادَاتٌ جَلِيلَةٌ وَعَظِيمَةٌ, فَبِالأَمْسِ وَقَفَ النَّاسُ بِعَرَفَاتَ، وَقَبْلَهُ كَانَتِ الْأيَّامُ الْمُبَارَكَاتُ، وَالْيَوْمَ يُصَلِّي الْمُسْلِمُونَ صَلاَةَ الْعِيدِ، وَيَنْحَرُونَ ضَحَايَاهُمْ, وَيَجْتَمِعُ الْحَجِيجُ لإِكْمَالِ مَنَاسِكِهِمْ، هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتُ الْعِظَامُ وَهَذِهِ الرَّحَمَاتُ الْجِسَامُ يَمُنُّ اللهُ بِهَا عَلَينَا، ﴿ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ .
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الْحَمْدُ.
أُمَّةَ الإِسلامِ: في مِثلِ هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكةِ، قَامَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا في النَّاسِ بِبَيتِ اللهِ الحَرَامِ فوَدَّعَ أَصحَابَهُ، وأَرْسَى قَواعِدَ الدِّينِ، وكَمَالَ الشَّريعَةِ، وبَيَّنَ تَمَامَ النِّعمَةِ، وأَنزَلَ اللهُ عَليهِ عَشِيَّةَ عَرفَةَ في يَومِ الجُمُعةِ: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ ، قرَّر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خُطبَتِهِ طاعة الله وحِفْظَ النُّفوسِ والأَموَالِ والأَعرَاضِ، وأَلغَى مَعَانِيَ العُنصُرِيَّةِ؛ فرَبُّنَا وَاحِدٌ، ونَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وكِتَابُنَا وَاحِدٌ، وأَصلُ خِلْقَتِنَا وَاحِدٌ؛ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ . وحَثَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خُطبَتِهِ على تَوحِيدِ الصَفِّ وجَمعِ الكَلِمَةِ، ونَبذِ الخِلافِ والفُرقَةِ. وكَانَ مِمَّا قَالَهُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- في ذَلكَ اليَومِ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟"، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟"، قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟"، قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا"، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ" رواهُ البُخَاريُّ.
أَيُّهَا المُسلمونَ: امْلَؤُوا قُلُوبَكُمْ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإجْلَالاً، واسْتَشْعِرُوا عَظَمَتَهُ فِي أَحْوَالِكُمْ كُلِّهَا، وَفِي عِبَادَاتِكُمْ جَمِيعِهَا، اسْتَشْعِروا عَظَمَتَهُ سُبْحَانَه وَأَنْتُم لَهُ تَرْكَعُونَ وَتَسْجُدُونَ، واسْتَشْعِروا عَظَمَتَهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتُم لَهُ تَذْبَحُونَ وَتَنْسِكُونَ. واسْتَشْعِرُوا عَظَمَتَهُ، وَأَنْتُمْ تُقَلِّبُونَ أَبْصَارَكُمْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
الخطبة الثانية
.اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً.
عبادَ اللهِ: يَسُنُّ إِذَا رَجَعَ الإِنْسانُ مِنَ الْمُصَلَّى فِي يَوْمِ الْعِيدِ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَمِنْ السُّنَّةِ كَذَلِكَ أَن لاَ يَأْكُلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ إلاَّ مِنْ أُضحِيَتِهِ، وَأَنْ يُبَادِرَ بِذَبحِ أُضحِيَتِهِ بِنَفْسِهِ - إِنِ اسْتَطَاعَ - فَيُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، وَيَذْبَحُ. وَلْيُرِحِ الذَّبيحَةَ عِنْدَ اقْتِيادِهَا وَذَبْحِهَا. وَكُلْ - يا عَبْدَ اللهِ - مِنْ أُضْحِيَتِكَ وَتَصَدَّقْ وَأهْدِ وَادَّخِرْ، وَلاَ تُعْطِ الْجَزَّارَ أُجْرَتَهُ مِنْهَا ، ويَمتَدُّ وَقتُ الذَّبْحِ -أَيهَا الإِخوةُ - إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثِ عَشَرَ، وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
أيهَا المُسلِمونَ: أَظْهِرُوا الْبَهْجَةَ وَالسُّرُورَ بِعِيدِكُمْ، وَاجْتَنِبُوا مَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ، وَاشْكُرُوا اللهَ تَعَالَى الَّذِي هَدَاكُمْ وَأَعْطَاكُمْ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نَعْمَائِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى آلاَئِهِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِطَاعَتِهِ، وأَنْ يَتوفَّانَا علَى سُنَّةِ نَبيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أيّهَا المُسلِمونَ:عَنْ أبي هُرَيرَةَ رَضِي اللهُ تَعالى عنْهُ: أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قدِ اجتمعَ في يومِكم هذا عيدانِ فمَنْ شاءَ أجزأَهُ منَ الجمعةِ وإنَّا مُجَمِّعونَ» إِذَا وَافَقَ يَوْمُ الْعِيدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى الْعِيدَ مَعَ الْإمَامِ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ حُضُورِ الْجُمُعَةِ وَيَبْقَى فِي حَقِّهِ سَنَةً.
فَإِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْجُمُعَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَْنْ يُصَلِّي ظُهْرًا وَهَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْإمَامِ،أَمَّا الْإمَامُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَليهِ أَْنْ يَحْضُرَ لِلْجُمُعَةِ وَيُقِيمَهَا بِمَنْ حَضَرَ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُتْرَكْ صَلَاَةُ الْجُمُعَةِ نِهَائِيًّا فِي هَذَا الْيَوْمِ.
المرفقات
1748951162_الاضحى 46.docx
يوسف العوض
عضو نشطتقبل الله منّا ومنكم
تعديل التعليق