خطبة كرامة المرأة بين انحراف الأمم وهداية الإسلام

حسين بن حمزة حسين
1447/06/19 - 2025/12/10 08:21AM

الحمدُ للهِ الَّذي أعزَّ بالإسلامِ مَنِ اتَّبَعَه، وأذلَّ مَن خالَفَه، نحمده سبحانه ونشكره، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلّم تسليمًا كثيرًا. أمّا بعدُ:

فاتَّقوا اللهَ عبادَ الله، واعلموا أنَّ الله تعالى رفع شأن المرأة وأعطاها حقها من غير إفراطٍ ولا تفريط، بعد أن كانت قبل الإسلام مَحلَّ إهانةٍ واستعبادٍ وظلمٍ في حضاراتٍ شتّى، فلَقَدْ امْتَهَنَتِ الْأُمَمُ الْكَافِرَةُ قَدِيمًا الْمَرْأَةَ، فَجَعَلُوهَا مَتَاعًا مُسْتَهْلَكًا، وَحَرَمُوهَا الإِرْثَ وَالْحَقَّ وَالْكَرَامَةَ؛ فَفِي الْجَاهِلِيَّةِ تُدْفَنُ بِنْتٌ حَيَّةً، وَعِنْدَ الرُّومِ تُعَدُّ شَيْطَانًا، وَعِنْدَ الْيَهُودِ نَجِسَةً، وَعِنْدَ الْهِنْدُ تُحْرَقُ مَعَ زَوْجِهَا الْمَيِّتِ، تأمّلوا هذا السُّقوط: المرأةُ نجسة، تُباع، وتُحرَق، وتَخْدِم، وتُهان، وتُحرَم من أبسط حقوق الإنسان، حتى جاء عدل الإسلامُ  فأعلنَ ثورةً على هذا الظلم، جاء الإسلام معلناً إنصاف المرأة في الوجود كله ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾، ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ ، ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ﴾ فللمرأة ما للرّجل من الكرامة، وعليها ما عليه من التكليف، جاء الإسلامُ ليقول: المرأةُ إنسانٌ كاملٌ في قيمتها، عظيمةٌ في مكانتِها، خُلِقَتْ والرجل من نفسٍ واحدةٍ، وشُرِّفَت بالعبادةِ كما الرجل، وبُوّئت منازلَ الإيمان كالرجل﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ جاء الإسلامُ فصنع أعظم ثورة في تاريخ المرأة جعلها أمَّاً تُفتح لها أبواب الجنة، جعل لها ثلاثة أرباع البرّ، جعلها زوجةً تُكرَّم، وبنتاً تُصان، وأختاً تُحترم، أعطاها ذمةً مالية مستقلة، حالها حال الرجل، وأوجب لها النفقة، وصان عرضها، وحفظ ميراثها، أعطاها حقّ اختيار الزوج، منع عضلها، شرع الخلع لها إذا ظُلمت، جعل الإحسان إليها عبادةً وجهادًا، حرّم أذيتها ولو بكلمة، وقال ﷺ: (استوصوا بالنِّساءِ خيرًا)، فحقوقَها واجبةٌ ليست مِنّةَ بشر، بل فريضةُ من ربٍّ حكيم، هذه شريعةُ الله، وهذا عدلُ الله، وهذا نورُ الإسلام الذي لا يزول. إخوة الإيمان: إنّ من الواجب علينا اليوم أن نحفظ هذه الحقوق، وألا نعود لعادات الجاهلية: ظلمٌ، أو عنفٌ، أو جفاءٌ، أو تحقيرٌ، أو منعُ حقٍّ أوجبه الله، كما يجب الحذر من الجانب الآخر: من دعايات التغريب التي تزعم نصرة المرأة، وهي تُريد نزع حيائها وحجابها، وجعلها سلعة تباع وتشترى، وإخراجها من فطرتها، وتجريدها من أمومتها، وهتك أخلاقها، والنيل من شرفها وعفافها، فالوسط هو الإسلام، والعدل والكرامة هو الإسلام. أقولُ ما تسمعون، وأستغفرُ الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه...

  الخطبة الثانية :

عباد الله، إن حفظ حقوق المرأة دينٌ نتعبد الله به، وعدلٌ تقوم عليه حياة الناس، واستقامةٌ لأمر البيوت والمجتمعات. فالمرأة ليست هامشًا يُهمَل، بل هي نصف المجتمع، وتُربّي النصف الآخر.

إخوة الإيمان: إننا فِي السُّعُودِيَّةِ الْيَوْمَ، بَاتَتِ الْمَرْأَةُ—بِفَضْلِ اللهِ ثُمَّ بِحِكْمَةِ قِيَادَتِنَا—كَامِلَةَ الْحُقُوقِ، مَصُونَةَ الْمَكَانَةِ، قَدْ تَقَلَّدَتِ الْمَنَاصِبَ الْعُلْيَا، وَأَبْدَعَتْ فِي مَجَالَاتٍ شَتَّى، حَتَّى غَلَبَتْ نِسَاءُ بِلَادِنَا كَثِيرًا مِنَ الرِّجَالِ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالإِنْجَازِ، فَكَانَتْ نِعْمَ الْعَوْنِ لِبِنَاءِ الْوَطَنِ وَرِفْعَةِ مَجْدِهِ، في ظلّ أنظمة تحفظ كرامتها، وسياسات تُعلي شأنها، وثوابت شرعية لا تُمسّ،   فاللهَ اللهَ في النساء، رعايةً، ورفقًا، وتعليمًا، وتكريمًا، وحفظًا، ومودةً ورحمة، ووقايةً من الأذى، والتزامًا بما شرعه الله من حدود وآداب، واحذروا الظلم، فهو ظلمات، واحذروا دعايات الانحلال، فهي سموم، واحذروا العادات الجائرة، فهي من موروث الجاهلية. اللهم أصلح نساء المسلمين، واحفظ بناتنا، وبارك في أمهاتنا، واجعل نساء أمتنا عفيفاتٍ طاهراتٍ مباركات.
اللهم ارزق رجال المسلمين الحِلْمَ، والعدل، وحسنَ القوامة، وصلاحَ القلوب.
اللهم احفظ بلادنا، وبارك في أمنها ووحدتها ورجالها ونسائها. وصلّى الله وسلّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المشاهدات 134 | التعليقات 0