خطبة : ( من عوفي فليحمد الله )

عبدالله البصري
1446/12/23 - 2025/06/19 17:16PM

من عوفي فليحمد الله    24/ 12/ 1446

 

الخطبة الأولى :


أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَيسَ بِسِرٍّ مَا يَحدُثُ في العَالَمِ اليَومَ مِن صَغِيرٍ أَو كَبِيرٍ ، أَو مَا يَطرَأُ مِن جَلِيلٍ أَو حَقِيرٍ ، إِذْ إِنَّ العَالَمَ بِفِعلِ وَسَائِلِ الإِعلامِ وَأَجهِزَةِ التَّوَاصُلِ ، قَد صَارَ كَالقَريَةِ الوَاحِدَةِ ، يَعلَمُ مَن في شَرقِهِ مَا في غَربِهِ ، وَلا يَخفَى عَلَى أَهلِ الغَربِ مِنهُ مَا يَعِيشُهُ المَشرِقِيُّونَ ، تُصَبِّحُ الأَخبَارُ النَّاسَ وَتُمَسِّيهِم ، وَتغدُو عَلَيهِم بِهَا القَنَوَاتُ وَتَرُوحُ ، وَيُتَابِعُونَهَا في الجَوَّالاتِ وَيَتَنَاقَلُونَهَا ، وَيَتَبَادَلُونَهَا في مَجَالِسِهِم وَمُنتَدَيَاتِهِم وَيَتَجَاذَبُونَهَا ، وَأَخَصُّ ذَلِكَ أَخبَارُ الحُرُوبِ وَأَنبَاءُ النِّزَاعَاتِ ، الَّتي أَصبَحَت هِيَ مَادَّةَ حَدِيثِ الجَمِيعِ وَمَوضُوعَ نِقَاشِهِم ، بَل صَارَت هَمًّا يَعِيشُونَهُ وَإِن كَانُوا بَعِيدِينَ عَنهَا ، وَقَلَقًا يُلاحِقُهُم في كُلِّ مَكَانٍ وَوَقتٍ وَإِن هُم نَأَوا عَنهَا وَهَرَبُوا مِنهَا ، قَنَوَاتٌ تَتَسَابَقُ في تَصوِيرِ مَشَاهِدِ الدَّمَارِ وَنَقلِ صُوَرِ القَتلِ ، وَأَخبَارٌ وَلِقَاءَاتٌ وَمَقَالاتٌ ، وَتَحلِيلٌ وَإِثَارَةٌ وَإِرجَافٌ وَشَائِعَاتٌ ، وَتُكمِلُ أَجهِزَةُ التَّوَاصُلِ النَّاقِصَ بِمَا يَخُوضُ النَّاسُ فِيهِ وَيَتَجَادَلُونَ ، حَتى إِنَّهُ لَيَحدُثُ بَينَهُم بِسَبَبِهِ مِنَ القَطِيعَةِ وَالضَّغَائِنِ مَا يَحدُثُ ، وَلا يَخفَى عَلَى العَاقِلِ اللَّبِيبِ ، مَا يَكُونُ لِمِثلِ هَذِهِ الأَخبَارِ مِن آثَارٍ وَأَضرَارٍ وأَخطَارٍ ، اجتِمَاعِيًّا وَأَمنِيًّا وَاقتِصَادِيًّا ، وَالأَخطَرُ مَا يَستَقِرُّ في النُّفُوسِ مِن خَوفٍ وَقَلَقٍ وَهَمٍّ وَغَمٍّ ، وَاهتِزَازِ ثَوَابِتَ وَتَزَعزُعِ مَبَادِئَ ، كَانَ الأَجدَرُ بِالمُؤمِنِ أَن يَكُونَ بِيَقِينِهِ أَبعَدَ النَّاسِ عَنهُ ، وَأَن يَعرِفَ مَا وُجِّهَ بِهِ في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِن طَرِيقَةٍ يَتَعَامَلُ بِهَا مَعَ كُلِّ فِتنَةٍ وَيَتَجَاوَزُ كُلَّ مِحنَةٍ ، قَالَ تَعَالى : " وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم " وَقَالَ جَلَّ وَعَلا : " قُلْ لَن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَولانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " اِحفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ ، اِحفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللهَ ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ ، وَاعلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجتَمَعَت عَلَى أَن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لم يَنفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَكَ ، وَلَوِ اجتَمَعُوا عَلَى أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيكَ ، رُفِعَتِ الأَقلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي الصَّحِيحَينِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " سَتَكُونُ فِتَنٌ ، القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَائِمِ ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ المَاشِي ، والمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي ، مَن تَشَرَّفَ لَهَا تَستَشرِفْهُ ، فَمَن وَجَدَ مَلجَأً أَو مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ " وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ ، أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتنٌ ، أَلا ثمَّ تَكُونُ فِتنَةٌ القَاعِدُ خَيرٌ مِنَ المَاشِي فِيهَا ، وَالمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيهَا ، أَلا فَإِذَا وَقَعَت فَمَن كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ ، وَمَن كَانَ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ ، وَمن كَانَت لَهُ أرضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ " الحَدِيثَ . وَفِيهِ أَيضًا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " العِبَادَةُ في الهَرْجِ كَهِجرَةٍ إِليَّ " فَجَدِيرٌ بِالمُسلِمِ العَاقِلِ الَّذِي عَافَاهُ اللهُ وَكَفَاهُ وَآوَاهُ ، أَن يَهتَمَّ بِمَا يُصلِحُ شَأنَهُ ، وَأَن يَستَمِرَّ فِيمَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِن سَعيٍ في طَلَبِ رِزقٍ ، أَو سَيرٍ في طَرِيقِ طَلَبِ عِلمٍ أَو تَعلِيمٍ ، أَو ضَربٍ في الأَرضِ لِلتَّجَارَةِ وَالابتِغَاءِ مِن فَضلِ اللهِ ، وَأَن يَحرِصَ عَلَى مَا يَنفَعُ بِهِ نَفسَهُ وَمُجتَمَعَهُ ، وَلا يَشغَلَ نَفسَهُ وَمَن حَولَهُ بِنَشرِ الأَخبَارِ المُثِيرَةِ ، أَو بَثِّ الشَّائِعَاتِ الخَطِيرَةِ ، فَعُمرُ المُسلِمِ أَقصَرُ مِن أَن يُضِيعَهُ في تَتَبُّعِ الأَخبَارِ وَالأَحدَاثِ ، وَوَقتُهُ أَغلَى مِن أَن يَشغَلَهُ فِيمَا لا يَنفَعُهُ ، وَوُلاةُ الأَمرِ وَالقَادَةُ أَعَلَمُ بِبَوَاطِنِ الأُمُورِ وَخَوَافي السَّيَاسَةِ ، وَأَبصَرُ بِمَا يَنبَغِي أَن يُكتَمَ مِنَ الأَخبَارِ أَو يُذَاعَ ، وَمِنَ أُصُولِ الإِيمَانِ الإِيمَانُ بِمَا كَتَبَهُ اللهُ مِنَ القَدَرِ وَالقَضَاءِ ، وَمَن تَيَقَّنَ بِذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يَكُنْ ، فَاطمَأَنَّ بِذَلِكَ قَلبُهُ ، وَهَدَأَت نَفسُهُ ، وَحَفِظَ اللهَ لِيَحفَظَهُ ، وَلَجَأَ إِلَيهِ بِالتَّوبَةِ وَالاستِغفَارِ ، وَأَصلَحَ مَا بَينَهُ وَبَينَ رَبِّهِ بِفِعلِ الطَّاعَاتِ وَاجتِنَابِ المُحَرَّمَاتِ ، مُؤمِنًا بِقَولِ اللهِ سُبحَانَهُ : " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا "

 

الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ ، وَاحمَدُوهُ عَلَى مَا نَعِيشُهُ في بِلادِنَا مِن أَمنٍ وَرَغَدِ عَيشٍ ، وَاشكُرُوهُ عَلَى مَا نَتَقَلَّبُ فِيهِ مِن نِعَمٍ ، الدُّنيَا حَولَنَا تَشتَعِلُ فِتَنًا وَنِزَاعَاتٍ وَحُرُوبًا ، وَالنَّاسُ يُتَخَطَّفُونَ وَهُم في بِلادِهِم ، وَيَشكُونَ الفَقرَ وَالمَرَضَ وَالمَصَائِبَ وَهُم بَينَ أَهلِيهِم ، فِتَنٌ في العَقِيدَةِ وَالأَخلاقِ ، وَفِتَنٌ في الدِّمَاءِ وَتَسَلُّطِ الأَعدَاءِ ، وَحُرُوبٌ تُشَبُّ وَخِلافَاتٌ تُوقَدُ ، وَضَربٌ وَقَتلٌ وَدَمَارٌ ، وَوَعِيدٌ وَتَهدِيدٌ وَحِصَارٌ ، فَلْنَحمَدِ اللهَ عَلَى العَافِيَةِ ، وَلْنُقَوِّ عَلاقَتَنَا بِرَبِّنَا بِطَاعَتِهِ ، وَلْنُكثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ بِأَن يَحمِيَنَا وَيَحمِيَ بِلادَنَا وَبِلادَ المُسلِمِينَ مِن كُلِّ سُوءٍ ، وَلْنَعلَمْ أَنَّهُ لا مَخرَجَ مِنَ الفِتَنِ إِلاَّ بِالاعتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلُزُومِ الجَمَاعَةِ وَتَركِ الأَمرِ لأَهلِهِ ، قَالَ تَعَالى : " وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا " وَقَالَ تَعَالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم " وَعَنِ العِرباضِ بنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَومٍ ، ثُمَّ أَقبَلَ عَلَينَا بِوَجهِهِ فَوَعَظَنَا مَوعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَت مِنهَا العُيُونُ وَوَجِلَت مِنهَا القُلُوبُ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوصِنَا ، قَالَ : " أُوصِيكُم بِتَقوَى اللهِ وَالسَّمعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عبدًا حَبَشِيًّا ؛ فَإِنَّهُ مَن يَعِشْ مِنكُم فَسَيَرَى اختِلافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيكُم بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُورِ ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَةٌ ، وَكُلَّ بِدعَةٍ ضَلَالَةٌ " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .

المرفقات

1750342611_من عوفي فليحمد الله.docx

1750342611_من عوفي فليحمد الله.pdf

المشاهدات 1434 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا