خلق العفاف وأسبابه والتحذير من التسول وآثاره.
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
1446/08/14 - 2025/02/13 17:01PM
خلق العفاف وأسبابه
والتحذير من التسول وآثاره.
الحمد لله الذي بيده خزائن كل شيء؛ الجواد الكريم من يده ملْأَى لا يُغِيضُها نَفَقَةٌ ، سحَّاءُ اللَّيْلَ و النهارَ ، أرأيتم ما أنفَقَ منذُ خلَقَ السماواتِ و الأرضِ ؟ فإِنَّهُ لم يَغِضْ ما في يدِهِ!
وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أعرف الناس، وأغناهم بالله وأزهدهم في هذه الدنيا الفانية! فصلّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الشاكرين لربِّهم والذاكرين له، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد!
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا﴾
أيُّها الْمُسلِمُونَ:
اتَّقُوا اللهَ تَعالَى، واعْلَمُوا أَنَّ مَحاسِنَ الأخلاقِ الظاهِرَةِ والباطِنَةِ التي أَمَرَ اللهُ بِها، تَتَطَلَّبُ مِن العَبْدِ مُجاهَدَةً وَبَذْلًا لِلْأَسبابِ، كَيْ يَحْظَى بِها وَبِثَوابِها مِن اللهِ.
وَمِنْ ذلكَ خُلق العفاف وهو البعد عن الحرام وسؤال الناس، والكف عما لا يحل، والكف عن الأطماع الدنية!
وعفة المسلم من مقاصد الشريعة الغراء ومن محاسن ملتنا السمحاء!
فما أذل من سأل الناس وهو يستطيع العمل والكد والسعي في الرزق..
وهذا أمر مذموم تساهل فيه كثير من الناس إلا من رحم ربي وللأسف فإن عددا من الآباء والأمهات اليوم يعلمون أبنائهم على السؤال ويزهدونهم في خُلق العفاف من حيث علموا أو لم يعلموا؛ فتجد أن الابن بسبب تربية والديه أصبح اتكالي لا يعتمد على نفسه في شيء لا في دراسته ولا في مأكله ولا مشربه ولا في قضاء حوائِجه؛ فيكبر على ويصبح عالة على أهله ومجتمعه ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وتأملوا - يرحمكم الله - مَا وَرَدَ فِي الصحيحينِ عَن أَبِي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنه: أَنَّ نَاسًا مِن الأنصارِ سَأَلُوا رسولَ اللهِ صلي اللهُ عليهِ وسلم، فَأَعطاهُمْ، ثُمَّ سَأَلَوهُ فَأَعْطاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقالَ لَهُمْ حِينَ نَفِدَ كُلُّ شَيْءٍ أَنَفَقَ بِيَدَيْهِ: ( مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفُّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ, وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ ). فَهذا الحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّه كانَ مِنْ خُلُقِ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أَنَّه لَا يُسْأَلُ شَيْئًا يَجِدُهُ إلَّا أعطاه، بَلْ كانَ يُعْطِي عَطاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الفَقْرَ، فَهُوَ أَكْرَمُ الناسِ وأَشْجَعُ الناسِ.
فَلَمَّا نَفِدَ ما فِي يَدِهِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّه ما مِنْ خَيْرٍ يَكُونُ عِنْدَهُ فَلَنْ يَدَّخِرَهُ عَنْهُمْ.
ثُمَّ حَثَّهم على مافيه سعادتهم وغناهم من السعي في بَذْلِ أَسْبابِ الغِنَى والعَفافِ والصبْرِ، فقال: ( وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ )،
فيَسْتَغْنِيَ عَنْ الرِّزْقِ الحَرامِ مَهْمَا بَلَغَتْ حاجَتُهُ.
وريال بالحلال خير من مليارات الدنيا بالحرام، نسأل الله العافية!
وفي الحديث تنبيه لطيف بأن على العبد أَنْ لَا يُذِلَّ نَفْسَه لِلْمَخْلُوقِينَ، فَيُكْثِرَ مِنْ سُؤَالِهِمْ وَطَلَبِ مُساعَدَاتِهِمْ والإلحاحِ عَلَيْهِمْ، سَوَاءً كانَ فِي مالٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ ذلكَ يُورِثُهُ الذُّلَّ وَكَراهَةَ الخَلْقِ لَهُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِاللهِ عَنْهُمْ والله يغنيه والله يرزقه وهو خير الرازقين!
عباد الله!
وإذا كانَ السُّؤالُ لِغَيْرِ حاجَةٍ، وإنَّمَا مِهْنَةً أَوْ تَكَثُّرًا، فَالأَمْرُ خَطِيرٌ جِدًا، وَهَذا مَوْجُودٌ مَعَ الأَسَفِ، فيَنْبَغِي تَكاتُفُ الْمُجْتَمَعِ مَعَ بَعْضِهِ وَمَعَ الجِهاتِ الْمَسْؤُولَةِ، وَبَذْلُ الجُهْدِ مِنْ أَجْلِ مَنْعِهِ. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا, فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا, فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ ). وَقالَ أيْضًا: ( مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ, حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ).
عافانا الله وإياكم..
هذا واعلموا أغناني الله وإياكم بأَنْ على العَبْدُ أن يبَذْلِ أَسْبابِ التَّكَسُّبِ الْمُباحِ، مَع الاِستِعانَةِ بِاللهِ وَعَدَمِ اليَأْسِ مِنْ حُصُولِ الكَسْبِ والرِّزْقِ الحَلَالِ، قال رسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ( لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ).
وَهَذا الأَمْرُ مِن النبيِّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عامٌّ، وَلَيْسَ خاصًّا بالاِحْتِطابِ.
فحلي بالجميع أن يسعوا في تحصيل الرزق ولا سيما الشباب ومن هم في عطالة عن العمل حليهم بهم الاستمرار في البحث عن العمل وأن يرضى الواحد منهم بالقليل؛ فكونك أخي الشاب تجد لك عملا يعينك ويؤنسك وإن كان مرتبه قليل خير والله لك من جلوسك بلا عمل يضيق صدرك وتكون عالة على أهلك فتكثر من سؤالهم وتثقل عليهم؛ ولا عيب والله في أي عمل مباح إنما العيب فيمن يعيب على غيره التكسب والعمل، والعيب فيمن يسأل غيره وهو يستطيع الاستغناء عنهم، ومَا أَعْظَمَ عِزَّةَ النَّفْسِ والاِسْتِغْناءِ بِاللهِ، وَبَذْلِ الأسبابِ، فَإِنَّ مَنْ يَسْتَغْنِ بِمَا عِنْدَ اللهِ عَمَّا فِي أَيْدِي الناسِ، يُغْنِهِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ويعطيه خيرا كثيرا!
وَلَابُدَّ أَنْ نَعْلَمَ يرحمكم الله بِأَنَّ القادِرَ عَلى العَمَلِ والاكْتِسابِ، لا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ( لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيِّ )، أي: قَوِيٍّ قادِرٍ عَلَى العَمَلِ.
وَيَجِبُ عَلَى الْمسلمِ أنْ لَا يَدْفَعَ زكاتَه إلَّا لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ، وأَنْ يَبْذُلَ جُهْدَهُ في تَحَرِّي الْمُحْتاجِينَ للزكاةِ والصَّدَقَةِ، الذينَ يَمْنَعُهُمْ الحَياءُ والعِفَّةُ عَنْ سُؤالِ الناسِ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ:
عِبادَ الله:
اتقوا الله حق تقاته وأحسن الظن به يرزقكم من واسع فضله وإن تقوى الله سبب عظيم في تحصيل الرزق والخير في الدنيا والآخرة
" وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا"
عليك بتـقــــــوى الله إن كنـت غــافـــلا
يأتيك بالأرزاق من حيث لا تـــدري
فكيف تخـــاف الـــفقر والله رازقا
فقــد رزق الطـيـر والحــوت في الــبحر!
هذا واعلموا يرعاكم الله أنه مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطاءً خَيْرًا وَأْوْسَعَ مِن الصَّبْرِ..
وقد قال ﷺ: ( وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ )، أَيْ يُعْطِيهِ اللهُ الصَّبْرَ. فَإِذَا تَصَبَّرْتَ، وَحَبَسْتَ نَفْسَكَ عَلَى الطاعةِ، وَمَنَعْتَها مِمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْكَ، وَصَبَرْتَ عَلَى مَا عِنْدَكَ مِن الحاجَةِ وَالفَقْرِ، وَلَمْ تُلِحَّ عَلَى الناسِ بِالسُّؤالِ، فَإِنَّ اللهَ تَعالَى يُصَبِّرُكَ وَيُعِينُكَ عَلَى الصَّبْرِ، وَيَقْذِفُ في قَلْبِكَ الرِّضَى وَعَدَمَ الجَزَعِ، ثم إن العسر لا يدوم فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا!
والصبر خير رزق تُرزق به لِأَنَّ الطاعةَ تَحْتاجُ إلى صَبْرٍ، والشَّهَواتِ والمعاصي يَحْتاجُ الْمُؤْمِنُ في تَرْكِها إلى الصبْرِ، والأَقْدارَ الْمُؤْلِمَةَ مِنْ مَرَضٍ وتعب وَفَقْرٍ وَظُلْمٍ تَحْتاجُ إلى الصبْرِ. فَإِذا كان الإنسانُ قَدْ مَنَّ اللهُ عليه بالصَّبْرِ، فَهذا خَيْرُ ما يُعْطاهُ العَبْدُ، وَأَوْسَعُ ما يُعْطاه.
فَنَسْأَلُ اللهُ أَنْ يَجْعَلَنا مِمَّن إذا أُعْطِيَ شَكَرَ، وإذا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وإذا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ..
فإن فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة!
ألا وصلوا وسلموا - رحمكم الله على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال تعالى قولاً كريماً ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ اللهم صلي وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم ارزقنا التقى والهُدَى، وَالتُّقَى، وَالعفَافَ، والغنَى..
اللَّهُمَّ اغفِرْ لنا وَارْحمْنا، واهْدِنا، وعافِنا، وارْزُقنا.
اللَّهمَّ إنا نعوذ بك من الفقرِ ، ونعوذُ بك من القِلَّةِ والذِّلَّةِ ، ونعوذُ بك أن نظْلِمَ أو نظْلَمَ
اللهم وأعذنا من الكسل والعجز وأوسع لنا اللهم في أرزاقنا اللهم مالا يكفينا وعافيةً تعيننا وسعادةً تُؤنسنا..
اللَّهُمَّ استَعْمِلنا في طَاعَتِك، وثَبِّتْنا على دَينِك، وارزقْنَا الإخلاصَ في أقوالِنا وأعمالِنا..
اللهم أدم على بلادنا نعمة الدين والأمن والأمان والاستقرار وعُم بها جميع أوطان المسلمين اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده وسددهم وقوهم على كل خير اللهم اكفنا شر اليهود وأذلهم واخزهم وسلط عليهم وأعز اللهم الإسلام والمسلمين.
اللهم بلغنا رمضان ونحن في أحسن حال واجعل لنا منه وافر الحظ والنصيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1739466895_خلق العفاف وأسبابه.pdf