رحمة الكبيرِ؛ عبادةٌ وقربةٌ وبركةٌ!
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
رَحْمَةُ الْكَبِيرِ؛ عِبَادَةٌ وَقُرْبَةٌ وَبَرَكَةٌ!
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الَّذِي كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَجَعَلَهَا صِفَةَ أَوْلِيَائِهِ وَصَفْوَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ؛
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ؛ ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ!
إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ رَحْمَةٍ وَعَدْلٍ وَتَوْقِيرٍ، وَقَدْ قَالَ نَبِيُّكُمْ ﷺ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»، وَقَالَ ﷺ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ»، وَقَالَ ﷺ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا».
وَهَذِهِ النُّصُوصُ تُؤَسِّسُ لِخُلُقٍ عَظِيمٍ نَخُصُّ بِهِ الْيَوْمَ كِبَارَ السِّنِّ، لِنَذْكُرَ بِحُقُوقِهِمْ وَنُرَسِّخَ عَادَاتِ الْبِرِّ بِهِمْ.
مَنْ هُمُ كِبَارُ السِّنِّ؟
كِبَارُ السِّنِّ هُم مَنْ تَقَدَّمَ بِهِمُ الْعُمُرُ، وَذَهَبَتْ قُوَاهُمْ، لَكِنْ بَقِيَتْ هَيْبَتُهُمْ، وَزَادَتْ بَرَكَتُهُمْ، فَهُمْ زِينَةُ الْمَجَالِسِ، وَذَاكِرَةُ الْأَجْيَالِ، وَبَرَكَتُهُمْ رَحْمَةٌ لِلْأَبْنَاءِ وَالْأَحْفَادِ.
هَؤُلَاءِ رَصِيدُ الْخِبْرَةِ، وَذَخِيرَةُ الدُّعَاءِ، وَذَاكِرَةُ الْحَيِّ.
مَنْزِلَتُهُمْ فِي الشَّرِيعَةِ:
أَوَّلًا: تَوْقِيرُهُمْ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ.
ثَانِيًا: بَرَكَةُ الْمَجَالِسِ بِخِبْرَتِهِمْ؛ «الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ».
ثَالِثًا: الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ قُرْبَةٌ عَظِيمَةٌ لِلَّهِ، فَهُمْ أَحْوَجُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكُلَّمَا زَادَتِ الْحَاجَةُ لِلْإِحْسَانِ زَادَ أَجْرُ الْمُحْسِنِ: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾ خَصَّ حَالَةَ الْكِبَرِ لِأَنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي يَحْتَاجَانِ فِيهَا إِلَى بَرِّهِ لِتَغَيُّرِ الْحَالِ عَلَيْهِمَا بِالضَّعْفِ وَالْكِبَرِ؛ فَأَلْزَمَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ مُرَاعَاةِ أَحْوَالِهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا أَلْزَمَهُ مِنْ قَبْلُ، لِأَنَّهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَدْ صَارَا كَلًّا عَلَيْهِ، فَيَحْتَاجَانِ أَنْ يَلِيَ مِنْهُمَا فِي الْكِبَرِ مَا كَانَ يَحْتَاجُ فِي صِغَرِهِ أَنْ يَلْيَا مِنْهُ؛ فَلِذَلِكَ خَصَّ هَذِهِ الْحَالَةَ بِالذِّكْرِ.
وَأَيْضًا فَطُولُ الْمُكْثِ لِلْمَرْءِ يُوجِبُ الِاسْتِثْقَالَ عَادَةً، وَيَحْصُلُ الْمَلَلُ وَيَكْثُرُ الضَّجَرُ، فَيَظْهَرُ غَضَبُهُ عَلَى أَبَوَيْهِ وَتَنْتَفِخُ لَهُمَا أَوْدَاجُهُ، وَيَسْتَطِيلُ عَلَيْهِمَا بِدَلَالَةِ الْبُنُوَّةِ وَقِلَّةِ الدِّيَانَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ! وَأَقَلُّ الْمَكْرُوهِ مَا يُظْهِرُهُ بِتَنَفُّسِهِ الْمُتَرَدِّدِ مِنَ الضَّجَرِ (أُفٍّ)، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يُقَابِلَهُمَا بِالْقَوْلِ الْمَوْصُوفِ بِالْكَرَامَةِ، الْقَوْلِ الْكَرِيمِ، وَهُوَ السَّالِمُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ». قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ».
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ!
كِبَارُ السِّنِّ صَفَحَاتٌ نَاطِقَةٌ مِنَ التَّارِيخِ، مَنْ طَوَى صَفْحَتَهُمْ ضَيَّعَ جُذُورَهُ.
كِبَارٌ هُمْ بَقَايَا الْبَرَكَةِ فِي الْبُيُوتِ، وَدَعَوَاتُهُمْ سِهَامٌ لَا تُخْطِئُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ.
إِذَا جَلَسْتَ عِنْدَ كَبِيرٍ فَقَدْ جَلَسْتَ عِنْدَ خِبْرَةِ عُمْرٍ لَا تُشْتَرَى.
احْتِرَامُ الْكَبِيرِ لَيْسَ خُلُقًا فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ عِبَادَةٌ تُرْفَعُ بِهَا الدَّرَجَاتُ.
مَنْ أَكْرَمَ كَبِيرًا الْيَوْمَ أُكْرِمَ عِنْدَ كِبَرِهِ غَدًا، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.
عِبَادَ اللَّهِ!
قُلُوبُ الْكِبَارِ رَقِيقَةٌ، وَكَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ قَدْ تُنْسِيهِمْ وَجَعَ سِنِينَ.
كِبَارُنَا لَيْسُوا عِبْئًا، بَلْ هُمْ تَاجُ الْبَيْتِ، وَذَخِيرَةُ الرَّحْمَةِ فِيهِ.
إِنَّهُمْ يُشْبِهُونَ الشُّمُوعَ، يَحْتَرِقُونَ أَعْمَارًا لِيُضِيئُوا دُرُوبَ مَنْ بَعْدَهُمْ.
وَهَذِهِ نَمَاذِجُ عَمَلِيَّةٌ لِلرَّحْمَةِ بِالْكِبَارِ:
أَوَّلًا: فِي الْبَيْتِ:
الْإِصْغَاءُ لِصَوْتِهِمْ وَإِنْ كَرَّرُوا الْحَدِيثَ؛ فَالتَّكْرَارُ طَبِيعَةٌ لِلْإِنْسَانِ عِنْدَمَا يَتَقَدَّمُ بِهِ السِّنُّ، فَهُوَ يَزِيدُ حِرْصًا، فَلَا تَلُومُوهُمْ عَلَى تَكْرَارِهِمْ وَعَلَى حِرْصِهِمْ.
وَمِنَ الْإِحْسَانِ مَعَهُمْ فِي الْبَيْتِ أَيْضًا: تَلْيِينُ الْخِطَابِ، وَالْجُلُوسُ بِقُرْبِهِمْ عِنْدَ الْأَكْلِ، وَمُتَابَعَةُ وَضْعِهِمُ الصِّحِّيِّ مِنَ الدَّوَاءِ فِي أَوْقَاتِهِ، وَأَكْلِهِمْ وَشُرْبِهِمْ، وَالْعِنَايَةُ بِوَضْعِهِمُ النَّفْسِيِّ بِحَيْثُ لَا تَرَاهُمْ إِلَّا حَرَصْتَ عَلَى أَنْ تُؤْنِسَهُمْ.
وَمِنَ الْإِحْسَانِ لَهُمْ فِي الْبَيْتِ أَيْضًا: تَوْفِيرُ الْأَثَاثِ الَّذِي يُنَاسِبُهُمْ، وَوَضْعُهُمْ فِي غُرْفَةٍ تُنَاسِبُ حَالَهُمْ وَضَعْفَهُمْ.
وَمِنَ الْإِحْسَانِ لَهُمْ فِي الْبَيْتِ كَذَلِكَ: إِشْرَاكُهُمْ فِي الْقَرَارِ الْعَائِلِيِّ بِمَا يُنَاسِبُ طَاقَتَهُمْ؛ لِيَشْعُرُوا بِالْقِيمَةِ لَا بِالْعِبْءِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ مُؤَثِّرِينَ وَإِنْ تَقَدَّمَ سِنُّهُمْ وَضَعُفَ عَمَلُهُمْ، فَهُمُ الْأَسَاسُ الَّذِي تُبْنَى عَلَيْهِ الْبُيُوتُ، وَهُمْ رَأْسُ الْمَالِ فِي الْخِبْرَةِ وَالدُّعَاءِ، وَهُمُ الْأَمَانُ النَّفْسِيُّ لِلْأَبْنَاءِ، وَالسَّنَدُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، وَالْبَرَكَةُ فِي الْأَرْزَاقِ وَالْأَعْمَارِ.
فَبِوُجُودِهِمْ تُحْفَظُ لِلْبُيُوتِ هَيْبَتُهَا، وَلِلْأُسَرِ تَمَاسُكُهَا، وَلِلْمَجَالِسِ وِقَارُهَا.
ثَانِيًا: الْإِحْسَانُ لَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَيِّ:
وَذَلِكَ بِتَوْفِيرِ الْكَرَاسِيِّ الْمُرِيحَةِ، وَالْمَصَاحِفِ الْكَبِيرَةِ، وَيُرَاعَوْنَ بِالْحَفَاوَةِ عِنْدَ السَّلَامِ بِتَقْبِيلِ رُؤُوسِهِمْ وَتَوْقِيرِهِمْ.
وَمِنَ الْإِحْسَانِ لِلْكِبَارِ فِي الْحَيِّ: الْحِرْصُ عَلَى زِيَارَتِهِمْ، وَتَلَمُّسُ حَاجَاتِهِمْ، وَالْوُقُوفُ مَعَهُمْ.
ثَالِثًا: الْإِحْسَانُ لَهُمْ فِي الْفَضَاءِ الرَّقْمِيِّ:
تَعْلِيمُهُمْ اسْتِخْدَامَ الْجَوَّالِ بِأَمَانٍ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ رَوَابِطِ الِاحْتِيَالِ، وَتَوْفِيرُ التَّطْبِيقَاتِ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الَّتِي تُسْعِدُهُمْ فِي هَوَاتِفِهِمْ.
رَابِعًا: الْإِحْسَانُ لَهُمْ فِي الْجَانِبِ الصِّحِّيِّ:
وَذَلِكَ بِالْعِنَايَةِ بِأَجْسَادِهِمُ الَّتِي ضَعُفَتْ، وَمُتَابَعَةِ عِلَاجِهِمْ وَأَدْوِيَتِهِمْ، وَمُرَافَقَتِهِمْ فِي مُرَاجَعَاتِهِمُ الطِّبِّيَّةِ، وَتَوْفِيرِ مَا يُرِيحُهُمْ مِنْ غِذَاءٍ مُنَاسِبٍ، وَبِيئَةٍ آمِنَةٍ، وَأَدَوَاتٍ تُعِينُهُمْ عَلَى الْحَرَكَةِ، وَتَشْجِيعِهِمْ عَلَى رِيَاضَةِ الْمَشْيِ وَمَا يُنَاسِبُ حَالَهُمْ مِنَ الرِّيَاضَةِ؛ فَصِحَّتُهُمْ أَمَانَةٌ، وَرِعَايَتُهُمْ عِبَادَةٌ، وَمَنْ فَرَّطَ فِيهِمْ فَقَدْ قَصَّرَ فِي حَقٍّ عَظِيمٍ يَسْأَلُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
لِمَاذَا نُشَدِّدُ الْيَوْمَ؟
لِأَنَّ قَسْوَةَ الْحَيَاةِ وَضُغُوطَهَا صَارَتْ تُسْكِتُ ضَمَائِرَ كَثِيرِينَ؛ يَمُرُّ أَحَدُنَا بِكَبِيرِ سِنٍّ لَا يُلْقِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَيَجْلِسُ فِي مَجْلِسٍ لَا يُفْسِحُ فِيهِ لَهُ، وَيُحَدِّثُهُ كَأَنَّمَا يُمَنُّ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ يُحَدِّثُ أَصْغَرَ أَبْنَائِهِ!! شَاهَتْ تِلْكَ الْوُجُوهُ الَّتِي لَا تُوَقِّرُ الْكِبَارَ! وَيَا حِرْمَانَهُمْ، كَمْ حَرَمُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ فُرَصِ إِحْسَانٍ وَخَيْرٍ وَبِرٍّ وَعَطَاءٍ.
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّحْمَةَ عِبَادَةٌ لَا مُجَامَلَةٌ، وَالتَّوْقِيرَ دِينٌ لَا عَادَةٌ.
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا قُلُوبًا رَحِيمَةً، وَأَلْسِنَةً لَيِّنَةً، وَأَعْمَالًا صَالِحَةً، وَأَنْ يُعِينَـنَا عَلَى بَرِّ كِبَارِنَا، وَصِلَتِهِمْ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
الْأُسْرَةُ مَسْؤُولَةٌ عَنْ كِبَارِهَا: رِعَايَةً صِحِّيَّةً وَجَسَدِيَّةً وَنَفْسِيَّةً، وَتَوْفِيرًا لِلِاحْتِيَاجَاتِ، وَمُتَابَعَةً لِلْمُرَاجَعَاتِ، وَإِدْخَالًا لِلسُّرُورِ. هَذَا الْأَمْرُ فَرْضٌ لَا نَافِلَةٌ؛ «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ!
هَذِهِ أَخْطَاءٌ شَائِعَةٌ يَنْبَغِي التَّوْبَةُ مِنْهَا فَوْرًا وَتَحْذِيرٌ شَدِيدٌ لِمَنْ يَقَعُ فِيهَا:
أَوَّلًا: السُّخْرِيَةُ مِنَ الْكِبَارِ بِسَبَبِ التَّعَثُّرِ أَوِ النِّسْيَانِ، أَوْ تَصْوِيرُهُمْ وَنَشْرُ لَقَطَاتٍ مُحْرِجَةٍ لَهُمْ.
ثَانِيًا: إِقْصَاؤُهُمْ عَنِ الْحَدِيثِ وَالْقَرَارِ، وَوَصْمُهُمْ بِـ«الْعِبْءِ».
ثَالِثًا: رَفْعُ الصَّوْتِ عَلَيْهِمْ، أَوْ تَوْبِيخُهُمْ أَوِ ازْدِرَاءُ آرَائِهِمْ.
رَابِعًا: تَأْخِيرُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، أَوِ التَّثَاقُلُ عَنْ مُرَافَقَتِهِمْ لِلْعِيَادَاتِ وَالْمُنَاسَبَاتِ.
خَامِسًا: قَطْعُ زِيَارَتِهِمْ بِحُجَّةِ الِانْشِغَالِ، وَتَرْكُ التَّوَاصُلِ مَعَهُمْ وَلَوْ عَبْرَ الْجَوَّالِ.
ذَلِكَ كُلُّهُ جَفَاءٌ وَقَطِيعَةٌ وَإِثْمٌ. وَمَنْ آذَى كَبِيرًا فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَا يُؤْذِي إِلَّا نَفْسَهُ! وَأَقُولُ لِكُلِّ مَنْ يُؤْذِي كَبِيرًا: وَاللَّهِ لَتَشْرَبَنَّ مِنْ نَفْسِ الْكَأْسِ الَّتِي سَقَيْتَ مِنْهَا غَيْرَكَ؛ الْخِذْلَانُ بِالْخِذْلَانِ، وَجَبْرُ الْخَاطِرِ بِجَبْرِ الْخَاطِرِ، فَامْلَأْ كَأْسَكَ الْيَوْمَ بِمَا سَتَشْرَبُهُ غَدًا: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾.
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ!
وَمِنْ أَدَبِ الْخِطَابِ مَعَ الْكَبِيرِ: تَبَسُّطٌ يُلَائِمُ سِنَّهُ، وَكَلِمَاتٌ لَطِيفَةٌ، وَدُعَاءٌ لَهُ أَمَامَهُ يُسْعِدُهُ، وَدُعَاءٌ خَلْفَهُ يَنْفَعُهُ: «جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا، أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ عَلَى طَاعَتِهِ».
وَمِنَ الْإِحْسَانِ لِلْكَبِيرِ ـ عِبَادَ اللَّهِ ـ الْإِحْسَانُ بِالْعَطَاءِ: بِأَنْ تُقَدَّمَ لَهُمُ الْهَدَايَا وَلَوْ كَانَتْ بَسِيطَةً، فَإِنَّ لَهَا أَثَرًا بَلِيغًا فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَنْ تُخْبَرُوهُمْ بِمَا قَدَّمْتُمْ عَنْهُمْ مِنْ صَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُدْخِلُ السُّرُورَ عَلَيْهِمْ، وَيُشْعِرُهُمْ بِمَكَانَتِهِمْ.
فَأَسْعِدُوهُمْ قَبْلَ أَنْ تُوَدِّعُوهُمْ أَوْ يُوَدِّعُوكُمْ، فَمَا أَسْرَعَ انْقِضَاءَ الْأَعْمَارِ، وَمَا أَعْظَمَ فَوَاتَ الْفُرَصِ!
يَا مَعْشَرَ الْآبَاءِ وَالشَّبَابِ: تَذَكَّرُوا أَنَّ رَحْمَتَكُمْ لَهُمْ سَبَبٌ لِرَحْمَةِ اللَّهِ لَكُمْ؛ فَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ؛ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ.
أَيُّهَا الْآبَاءُ! عَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمْ مُجَالَسَةَ الْكِبَارِ؛ فَإِنَّ فِي خِبْرَتِهِمْ بَرَكَةً وَعَافِيَةً لِلْعَقْلِ وَالْقَلْبِ.
عِبَادَ اللَّهِ، مَا أَحْوَجَنَا الْيَوْمَ إِلَى رَحْمَةٍ تُلَيِّنُ قُلُوبَنَا، وَإِلَى تَوْقِيرٍ يُحْيِي ضَمَائِرَنَا، فَبِالرَّحْمَةِ تُرْفَعُ الدَّرَجَاتُ، وَبِالْإِحْسَانِ تُـمْحَى السَّيِّئَاتُ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ، وَالنِّعْمَةِ الْمُسْدَاةِ، نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَدْ قَالَ رَبُّكُمْ جَلَّ وَعَلَا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا قُلُوبًا رَحِيمَةً، وَأَعْمَالًا مُبَارَكَةً، وَأَلْهِمْنَا بَرَّ كِبَارِنَا، وَخَفْضَ الْجَنَاحِ لَهُمْ، وَالْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَاجْعَلْ ذَلِكَ خَالِصًا لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الرَّاحِمِينَ الَّذِينَ رَحْمَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ عَنْ إِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي فِلَسْطِينِ وَالسُّودَانِ، اللَّهُمَّ فَرِّجْ كَرْبَهُمْ، وَارْفَعْ ضُرَّهُمْ، وَأَبْدِلْ خَوْفَهُمْ أَمْنًا، وَاجْعَلْ بِلَادَنَا وَبِلَادَ الْمُسْلِمِينَ فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ احْفَظْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَدِّدْهُمَا، وَاجْعَلْهُمَا رَحْمَةً لِلْبِلَادِ وَالْعِبَادِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ جُنُودَنَا الْمُرَابِطِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، اللَّهُمَّ ثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَسَدِّدْ رَمْيَهُمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، وَاجْعَلْهُمْ دِرْعًا حَصِينًا لِلْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، اللَّهُمَّ وَاجْزِهِمْ عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ هُمْ وَكُلُّ مَنْ كَانَ سَبَبًا فِيمَا نَنْعَمُ فِيهِ مِنْ أَمْنٍ وَأَمَانٍ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَكِبَارِنَا وَمَشَايِخِنَا، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات
1756860497_رحمة الكبيرِ؛ عبادةٌ وقربةٌ وبركةٌ!.docx