((سلامة الصدر)) 10-11-1446
أحمد بن ناصر الطيار
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فتقوى الله أعظم أسباب السعادة, والرفعةِ في الدنيا والآخرة.
معاشر المسلمين: ما أجمل أنْ يكون الإنسانُ سليمَ الصدرِ تجاه المسلمين, نقيَّ الفؤادِ مِن الغلِّ والحقد, يَعْذُرهم ولا يقف عند زلاتهم وأخطائهم, يلتمس الأعذار لهم, ويحمل ما يبدر منهم على أحسن محمل.
بهذا والله يعيش الإنسان, ويرتاح الجنان, وصفو الخاطر, ويهنأ البال.
أما من يجعل قلبَه مستودعًا لزلات الناس, وقاموسًا للأخطاء والعثرات, وأرضًا خصبةً للغل والحقد والكراهة, يُدقق في أقوالهم وما صدر منهم, ويحمل في خاطره قبيح ما يراه منهم: فهذا نفسُه منه في بلاء, وقلبُه من الآلامِ أحرُّ من الرمضاءِ.
حيلتُه الكتمان, ومطيّتُه سوءُ الظنّ, وهذان الداءَان هما أعظم أسباب الهلاك, وأكثرُ مصادرِ الأمراضِ والحقدِ والهجران.
سلامةُ الصدر - يا أمة الإسلام- هي من أعظم أسباب رضا الله تعالى, وإدخالِه لصاحبه الجنة.
تأملوا في الحديث الذي رواه الإمامُ أحمد, بسندٍ صحيح على شرط البخاريِّ ومسلم, أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة», وكرر ذلك ثلاثًا, فعمل عبدُ الله بنُ عمروٍ حيلةً لينام عند هذا الرجل, وينظرَ في أعماله التي أوجبت له الجنة وهو بين أظهرهم, فلم يره يقوم من الليل شيئًا, غير أنه إذا تقلَّب على فراشه ذكر الله -عز وجل- وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، فلم يجده قوّامًا ولا صوَّامًا, ولا كثير قراءةٍ للقرآن, ولا مشتغلاً بالدعوة, ولا كثير الإنفاق وتفريج الْكُرب, قال عبد الله: فكدت أن أحتقر عمله, فقلت له: يا عبدَ الله, أردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به, فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: ما هو إلا رأيت, غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا, ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه.
فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق».
قال شيخ الإسلام رحمه الله: يُشِيرُ إلَى خُلُوِّهِ وَسَلَامَتِهِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَسَدِ.
وَبِهَذَا أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْأَنْصَارِ فَقَالَ: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً, أَيْ حَسَدًا وَغَيْظًا مِمَّا أُوتِيَ الْمُهَاجِرُونَ. ا.ه
ويا سبحان الله, يُبَشَّر بالجنة وهو ليس معروفًا بأعماله الصالحة الظاهرة, بل ولا يُعرف حتى اسْمُه, لكنْ لِسَلامة قلبِه ضُمِنَتْ له الجنة وهو بين الأحياء.
نسأل الله تعالى أنْ يُصلح فساد قلوبِنا, ويجمع ذات بينِنِا, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمدُ لله الذي خلق فسوَّى، وقَدَّر فهدى، وصلى الله وسلم على رسوله المجتبى، وعلى آلِه وأصحابِه أعلام الهدى، أما بعد:
يا من تحمل أحقادًا مضى عليها أعوامًا طويلة, وتستذكرُ مواقفَ مُؤلمةً حدثت منذ أزمانٍ بعيدة, ماذا تستفيد من ذلك سوى الهمِّ والغمِّ والنكد, ماذا لو حلّلتهم وسامحتهم لوجه الله تعالى.
كن سليم الصدر تجاه الناس, المواقف والآلامُ ذهبت وانتهت, فلماذا تُبقيها في صدرك, وتستذكرها كلّ وقتك؟
قل بصدقٍ وعزيمة: اللهم إني عفوتُ عن كلّ من أساء إلي وأخطأ في حقّي, ابتغاء وجهك, ورجاء ثوابك, وطمعًا في عظيم عفوك.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا, الله اجعل قلوبَنَا سليمةً على المسلمين.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.