سيرة عالم | وفاءً لمفتي هذه البلاد.
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
1447/04/02 - 2025/09/24 14:54PM
سيرة عالم | وفاءً لمفتي هذه البلاد
رحمه الله رحمة واسعة.
الخُطْبَةُ الأُولَى
الحمدُ للهِ الَّذِي يَرْفَعُ أهلَ الإيمانِ وأهلَ العِلْمِ دَرَجاتٍ، وَيَجْعَلُ العُلَماءَ مَصابيحَ الدُّجى، إِذا أَظْلَمَتِ السُّبُلُ أَضاءوا، وَإِذا اشْتَبَهَتِ الفِتَنُ أَرْشَدوا، فَبِالعِلْمِ يَحْيا القَلْبُ بَعْدَ مَواتِهِ، وَبِالعِلْمِ تُفَرَّقُ السُّبُلُ وَتُعْرَفُ الغايات.
أَحْمَدُهُ سُبْحانَهُ عَلى ما أَوْلى مِن نِعَمٍ، وَأَشْكُرُهُ عَلى ما هَدى مِن سُبُلٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الَّذِي قال: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، وَقالَ جَلَّ فِي عُلاهُ: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَواتُ رَبِّي وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمّا بَعْدُ؛ فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ نَبِيِّكُمْ ﷺ: «إِنَّ العُلَماءَ وَرَثَةُ الأَنْبِياءِ»، وَقَوْلَهُ ﷺ: «مَن سَلَكَ طَريقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَريقًا إِلى الجَنَّةِ»، وَتَحْذِيرَهُ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزاعًا… وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَماءِ». فَمَوْتُ العالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الإِسْلامِ لا يَسُدُّها شَيْء.
أيُّهَا المُؤْمِنون؛
نُوَدِّعُ اليَوْمَ عَلَمًا مِن أَعْلامِ الدِّين، وَإِمامًا عُرِفَ بِالبَيانِ وَالحِلْمِ وَالإِفْتاءِ وَالتَّعْلِيم: إِنَّهُ سَماحَةُ المُفْتِي الشَّيْخُ عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللهِ آلُ الشَّيْخ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ؛ قَضى عُمُرَهُ فِي نُصْرَةِ الشَّرِيعَةِ وَتَعْلِيمِ النّاسِ وَإِرْشادِهِم، وَتَشَرَّفَ بِخُطْبَةِ عَرَفَةَ خَمْسًا وَثَلاثِينَ سَنَةً مُتَوالِيَةً، وَحَمَلَ أَمانَةَ الإِفْتاءِ العَامِّ فِي هَذِهِ البِلادِ المُبارَكَةِ نَحْوًا مِن سَبْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً؛ يُجِيبُ السَّائِلَ، وَيُعَلِّمُ الجاهِلَ، وَيُحَذِّرُ مِن الفِتْنَةِ، وَيَجْمَعُ القُلوبَ عَلى الهُدَى.
وَلِلرِّجالِ سِيَرٌ تَصْنَعُها أُمَّهاتٌ صالِحات؛ وَمِن وَراءِ هَذَا الإِمامِ أُمٌّ رَبَّتْ وَأَحْسَنَت؛ إِنَّها والِدَتُهُ المُبارَكَةُ سارةُ بِنْتُ إِبْراهِيمَ الجُهَيْمِيُّ القَبّانِي ـ رَحِمَها اللهُ ـ، حَمَلَتْهُ إِلى المَساجِدِ صَغِيرًا، يَقُولُ المُفْتِي رَحِمَهُ اللهُ: (خَرَجْتُ لِلمَسْجِدِ لِتَعْلِيمِ القُرْآنِ فِي يَوْمِ شِتاءٍ بِاسْتِعْجالٍ مِنِّي لِإِدْراكِ القِراءَةِ، فَما شَعَرْتُ إِلَّا أَنَّها تُسْبِقُنِي عِندَ المَسْجِدِ، تَخْلَعُ ثَوْبِي الرَّقِيقَ وَتُكْسِينِي الصُّوفَ الغَلِيظَ، نَفْسُها ما طابَتْ حَتّى أَتَتْ مِنَ البَيْتِ تُصْحِبُنِي لِلمَسْجِدِ). وَأَيْقَظَتْ فِيهِ طُموحَ الخُطْبَةِ وَالعِلْمِ.
وَمِن ذَلِكَ ما أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ د. هِشامُ بْنُ عَبْدِالمَلِكِ آلُ الشَّيْخ ـ وَهُوَ ابْنُ أَخِ سَماحَةِ المُفْتِي ـ فِي كِتابِهِ مُلَحُ العِلْم: أَنَّ المُفْتِي رَحِمَهُ اللهُ لَمّا كانَ صَغِيرًا لَمْ يَتَجاوَزِ السّابِعَةَ مِن عُمْرِهِ، كانَ يَخْرُجُ مَعَ أَصْحابِهِ إِلى الجامِعِ الكَبِيرِ وَصَعِدَ المِنْبَرَ وَخَطَبَ، فَأَنْزَلَهُ أَحَدُ الأَعْمامِ وَهُوَ غاضِبٌ، وَجاءَ بِهِ لِوالِدَتِهِ وَقالَ لَها: إِنَّهُ كانَ يَلْعَبُ عَلى المِنْبَرِ، فَقالَتْ وَهِيَ امْرَأَةٌ صالِحَةٌ عابِدَةٌ: أَسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ أَنْ يُحْيِيَكَ حَتّى تُصَلِّيَ خَلْفَهُ فِي الجامِعِ الكَبِيرِ. فَكانَ كَما قالَتْ.
فَاسْتَجابَ اللهُ، فَصَلَّى النّاسُ خَلْفَهُ أَعْوامًا طَوِيلَةً. وَهَكَذا يُصاغُ الرِّجالُ عَلى أَنامِلِ الأُمَّهاتِ العابِدات.
وَلَيْسَتْ سِيرَةُ شَيْخِنا أَرْقامًا وَمَناصِبَ فَحَسْب؛ بَل أَخْلاقٌ وَعِبادات: كانَ مُحِبًّا لِلقُرْآنِ وَأَهْلِهِ، يُذْكَرُ عَنْهُ مُلازَمَةُ التِّلاوَةِ حَتّى أَنَّهُ كانَ يَخْتِمُ كُلَّ ثَلاثَةِ أَيّامٍ، وَتَعاهُدُهُ لِلنّافِلَةِ، وَصَوْمُهُ لِلإِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، وَاعْتِيادُهُ القِيامَ، وَعِفَّةُ لِسانِهِ، وَتَوْقِيرُهُ لِلنّاسِ صَغِيرِهِم وَكَبِيرِهِم.
وَكانَ مِن مَناقِبِهِ إِجابَةُ الدَّعْوَةِ؛ فَكانَ كَثيرًا ما يُدْعى إِلى الأَعْراسِ وَالمُناسَباتِ فَيَسْتَجِيبُ، رَغْمَ كَثْرَةِ أَشْغالِهِ وَكِبَرِ سِنِّهِ، وَما ذَلِكَ إِلّا لِتَواضُعِهِ وَحُسْنِ خُلُقِهِ. وَيُرْوَى مِن وَفائِهِ أَنَّهُ حَجَّ عَن طائِفَةٍ مِن أَئِمَّةِ الإِسْلامِ مِمَّنْ حالَتْ دُونَهُمُ الأَعْذارُ أَوْ سَبَقَهُمُ الأَجَلُ؛ اعْتِرافًا بِالفَضْلِ لِأَهْلِهِ، وَتَقْدِيرًا لِآثارِهِمُ الباقِيَةِ.
ثُمَّ انْظُروا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ إِلى آخِرِ عَهْدِهِ بِالدُّنْيا: يَتَأَلَّمُ جَسَدُهُ، وَتَبْقَى نَفْسُهُ مُعَلَّقَةً بِمَجالِسِ العِلْمِ، يَقْرَأُ عَلَيْهِ طُلّابُهُ، وَيُشِيرُ إِلَيْهِمْ أَنْ أَكْمِلوا… «وَرَحَلْتَ، كُلُّ العالِمِينَ سَتَرْحَلُ… لَكِنَّ عِلْمَكَ خالِدٌ لا يَرْحَلُ».
فَيا لَها مِن سِيرَةٍ تُوقِظُ الهِمَمَ، وَتُعَلِّمُنا أَنَّ القَبولَ مِنَ اللهِ طَرِيقُهُ حُسْنُ الخُلُقِ، وَعِفَّةُ اللِّسانِ، وَصِيانَةُ الوَقْتِ، وَأَنَّ أَثَرَ العالِمِ الحَسَنَ ثَمَرَةُ قَلْبٍ صادِقٍ وَعَمَلٍ دائِمٍ، نَحْسَبُهُ كَذَلِكَ وَلا نُزَكِّي عَلى اللهِ أَحَدًا.
عِبادَ اللهِ!
الوَصِيَّةُ لَنا اليَوْم: أَنْ نَذْكُرَ القُدُواتِ وَنَقْتَدِي؛ نُحْسِنَ خُلُقَنا لِيَقْبَلَ النّاسُ حَقَّنا، وَنَصُونَ أَلْسِنَتَنا لِتَبْقَى دَعْوَتُنا أَبْلَغَ مِن خُصوماتِنا، وَنَجْعَلَ لِلقُرْآنِ قِسْمَنا الأَوْفَر. وَقَدْ قالَ ﷺ: «يَرْفَعُ اللهُ بِهَذَا الكِتابِ أَقْوامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» رواه مسلم.
فَأَهْلُ القُرْآنِ وَالعِلْمِ ـ عِبادَ اللهِ ـ هُمُ المَرْفوعونَ عِنْدَ اللهِ، المُكَرَّمونَ بَيْنَ خَلْقِهِ، جَعَلَ اللهُ لَهُم لِسانَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيا، وَدَرَجَةً عالِيَةً فِي الآخِرَةِ، فَهُمْ أَحْياءٌ بِعِلْمِهِم وَإِنْ ماتَتْ أَجْسادُهُم، باقِيَةٌ آثارُهُم وَإِنْ وُورِيَتْ أَجْسادُهُم. قالَ تَعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾.
وَقالَ تَعالى: ﴿خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾، وَقالَ تَعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾، وَقالَ تَعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
اللَّهُمَّ اغفِرْ لِعَبْدِكَ عَبْدِالعَزِيزِ آلِ الشَّيْخ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي المَهْدِيِّينَ، وَاجْعَلْ عِلْمَهُ صَدَقَةً جارِيَةً، وَآثارَهُ نُورًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَارْحَمْ أُمَّهُ الصالِحَةَ وَوالِدَهُ، وَجازِهِما عَنِ الإِسْلامِ وَالمُسْلِمِينَ خَيْرًا.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِروهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
---
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة
الحمدُ للهِ المَحْمُودِ عَلى كُلِّ حالٍ، المُتَفَرِّدِ بِالكَمالِ وَالجَلالِ، الَّذِي قال: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ﴾، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّهَا المُسْلِمُون؛
هَذِهِ وَصايا نَذْكُرُها مَعَ وَفاةِ هَذَا العالِمِ الرَّبَّانِيِّ:
الأُولى: تَعْظِيمُ العِلْمِ وَأَهْلِهِ؛ لْنُلزِمْ سُؤالَ أَهْلِ الذِّكْرِ، وَنَحْمِلْ لَهُم فِي قُلوبِنا التَّوْقِيرَ وَالدُّعاءَ، ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجاتٍ﴾.
الثَّانِيَة: حُسْنُ الخُلُقِ وَعِفَّةُ اللِّسانِ؛ فَبِالسَّماحَةِ وَالوَقارِ تُقْبَلُ الكَلِمَةُ، وَ«لَيْسَ المُؤمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ».
الثَّالِثَة: حِفْظُ الوَقْتِ؛ «وَكانَتْ أَوْقاتُهُ مَحْفُوظَةً عَلَيْهِ»، فَحِفْظُ الوَقْتِ شِعارُ كُلِّ ناجِحٍ فِي دُنْياهُ وَدِينِهِ.
الرَّابِعَة: مُلازَمَةُ القُرْآنِ؛ «خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»، فَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ وِرْدًا ثابِتًا وَدَرْسًا دائِمًا.
الخَامِسَة: بِرُّ الأُمَّهاتِ وَصِناعَةُ القُدُواتِ فِي البُيوتِ؛ فَما نَراهُ مِن سِيرَةِ الشَّيْخِ شاهِدٌ عَلى أَنَّ خَلْفَ العالِمِ أُمًّا تُشْعِلُ القِنْديلَ وَتُبْقِيهِ مُضِيئًا.
السَّادِسَة: الوَفاءُ لِأَهْلِ الفَضْلِ؛ بِالدُّعاءِ لَهُم، وَنَشْرِ آثارِهِم، وَالاقْتِداءِ بِسِيرِهِم، وَمُواصَلَةِ طَرِيقِهِم.
عِبادَ اللهِ؛
لَمّا بَلَغَ الإِمامُ البُخارِيُّ خَبَرَ وَفاةِ الإِمامِ الدَّارِمِيِّ ـ رَحِمَهُما اللهُ ـ نَكَّسَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَفَعَ، وَاسْتَرْجَعَ، وَجَعَلَتْ دُموعُهُ تَسِيلُ عَلى خَدَّيْهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
> إِنْ تَبْقَ تُفْجَعْ بِالأَحِبَّةِ كُلِّهِمْ
وَفَناءُ نَفْسِكَ لا أَبا لَكَ أَفْجَعُ
📚 السِّيَرُ لِلذَّهَبِيِّ (١٠/ ١٨١).
فَفَقْدُ العُلَماءِ لَيْسَ كَفَقْدِ غَيْرِهِم، وَلَقَدْ عِشْنا مَعَ رِثاءِ شَيْخِنا، وَسَنَعِيشُ مَعَ آثارِهِ الباقِيَةِ عِلْمًا وَخُلُقًا؛ وَلا شَكَّ أَنَّ فَقْدَ العالِمِ أَمْرٌ جَلَلٌ، يَسْتَلْزِمُ مِنَّا أَنْ نَقِفَ مَعَ أَنْفُسِنا وَقْفَةَ عِظَةٍ وَاعْتِبارٍ، وَأَنْ نُدْرِكَ أَنَّهُ بِمَوْتِهِ يُطْوى بابٌ مِن أَبْوابِ العِلْمِ، وَيُفْتَقَدُ مِصْباحٌ مِن مَصابيحِ الهُدى، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْنا واجِبُ الدُّعاءِ لَهُ، وَالاقْتِداءِ بِسِيرَتِهِ، وَالسَّيْرِ عَلى مَناهِجِهِ فِي تَعْلِيمِ النّاسِ وَنُصْحِ الأُمَّةِ.
فَإِذا رَحَلَ العُلَماءُ بَقِيَتْ آثارُهُم شاهِدَةً عَلى حَياتِهِم، وَصَدَقَ فِيهِمْ قَوْلُ اللهِ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾، وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَلا: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ [يس: 12].
> وَرَحَلْتَ، كُلُّ العالَمِينَ سَتَرْحَلُ
أَجَلٌ، وَأَمْرُ اللهِ لَيْسَ يُؤَجَّلُ
(عَبْدُالعَزِيزِ) سَماحَةُ المُفْتِي مَضى
لِلهِ، طابَ جِوارُهُ وَالمَنْزِلُ
سَتَظَلُّ تَذْكُرُكَ المَنابِرُ كُلُّها
سَيَظَلُّ صادِحُكَ النَّدِيُّ يُجَلْجِلُ
جَبَلٌ تَلَقَّيْتَ الحَوادِثَ صامِدًا
وَحَمَلْتَ بِالإِقْدامِ ما لا يُحْمَلُ
ما أَظْلَمَتْ عَيْناكَ، روحُكَ أَشْرَقَتْ
نُورَ اليَقِينِ وَفِي فُؤادِكَ مِشْعَلُ
وَحَمَلْتَ بِالتَّوْحِيدِ أَعْظَمَ رايَةٍ
كَالطَّوْدِ بِالإِيمانِ لا يَتَبَدَّلُ
أَنْتَ (السَّماحَةُ) وَالسَّماحَةُ كُلُّها
وَجْهٌ صَبِيحٌ طاهِرٌ يَتَهَلَّلُ
فِي صَوْتِكَ المَبْحوحِ أَعْذَبُ نَغْمَةٍ
وَكَأَنَّهُ المِزْمارُ حِينَ تُرَتِّلُ
بَقِيَتْ حَدائِقُكَ الَّتِي خَلَّفْتَها
العِلْمُ يَحْفَظُ أَهْلَهُ لا يَذْبُلُ
وَرَحَلْتَ، وَدَّعْنا عِظامَكَ فِي الثَّرَى
لَكِنَّ عِلْمَكَ خالِدٌ لا يَرْحَلُ
هذا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلى مَن كانَ يُعْلِي شَأْنَ العُلَماءِ، وَيُؤَكِّدُ عَلى فَضْلِهِم وَمَنْزِلَتِهِم، وَيُبَشِّرُهُم بِمِيراثِ الأَنْبِياءِ، وَيَحُثُّ الأُمَّةَ عَلى التَّعَلُّمِ مِنهُم وَالاقْتِداءِ بِهُداهُم؛ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَدْ قالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللهمَّ عَنِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحابَةِ أَجْمَعِينَ، وَمَن تَبِعَهُم بِإِحْسانٍ إِلى يَومِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ اغفِرْ لِسَماحَةِ المُفْتِي عَبْدِالعَزِيزِ آلِ الشَّيْخ، وَارْحَمْهُ رَحْمَةً واسِعَةً، وَاجْعَلْ ما خَلَّفَ مِن عِلْمٍ وَدَعْوَةٍ وَهُدًى فِي مَوازِينِ حَسَناتِهِ، وَأَلْحِقْهُ بِالنَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.
اللَّهُمَّ اجْبُرْ مُصابَ الأُمَّةِ فِيهِ، اللَّهُمَّ اخْلُفْ عَلى الأُمَّةِ خَيْرًا، وَاحْفَظْ عُلَماءَنا، وَبارِكْ فِي أَعْمارِهِم وَأَعْمالِهِم، وَاجْعَلْنا وَإِيّاهُم هُداةً مُهْتَدِينَ، غَيْرَ ضالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلادَنا وَوُلاةَ أَمْرِنا، وَأَدِمْ عَلَيْنا الأَمْنَ وَالإِيمانَ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَنا عَلى الحَقِّ يا رَبَّ العالَمِينَ.
اللَّهُمَّ عَجِّلْ بِالفَرَجِ وَالفَرَحِ لِأَهْلِنا فِي فِلَسْطِين وَالسُّودانِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ مَكانٍ.
﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ زَوْجاتِنا وَاهْدِ أَبْناءَنا، وَاجْعَلْهُم حَفَظَةً لِكِتابِكَ، وَعُلَماءَ فِي دِينِكَ، قُرَّةَ عَيْنٍ لَنا فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ.
اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ، الأَحْياءِ مِنهُم وَالأَمْواتِ؛ إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَواتِ.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
اذكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ.