على ضفاف الرمال 28/6/1447

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1447/06/27 - 2025/12/18 13:54PM

الحمد لله الذي جعل الأرض فراشاً والسماء بناءً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنزل لكم من السماء ماءً. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أتقى البرية وأكثرهم لربه شكراً وثناءً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاتق الله يا من تتشرف بالإسلام، واعلم أن الله بكل شيء عليم، وأنه بكل شيء محيط، واعلم أن ما بك من نعمة فمن الله.

مرت على الناس أيام كانوا يتلهفون فيها إلى غيث السماء لكنهم يصبحون ويمسون على سماء صحو ليس فيها قزعة من سحاب وخرجوا يستسقون والسماء ممسكة ماءها حتى كادوا يقنطون .. فإذا الكريم الذي سبقت رحمته غضبه يمنّ ويتكرم فيرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا القانطون يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين .. فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين

أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها، وبعد أن كانت الأرض هامدة اهتزت وربت وبعد أن كانت خاشعة أوشكت أن تأخذ زخرفها وتتزين وتنبت من كل زوج بهيج فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير.

إنه المطر آية على وحدانيته سبحانه وكماله وتفرده  وخلقه " أفرأيتم الماء الذي تشربون . أأنتم  أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ، لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون " فيقر العبد لله بنعمته ويشكره عليها .

إنه المطر دلالة عظيمة على عظيم قدرة الله سبحانه   في أنزاله وبقدر وفي إسكانه الأرض وفي إنبات الله به الزروع " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون " .

إنه المطر  أثر من آثار رحمته (فانظر إلى آثار رحمة الله )

إنه المطر  آية في التحول من الضلالة إلى الهدى ومن الذنب إلى التوبة فتأمل دعوة ربنا لعباده للتوبة حيث قال " الم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ومانزل من الحق " ثم قال بعدها " اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها " فكما تحيا الأرض بالمطر تحيا القلوب بالقرآن وذكر الله .

إنه المطر جعله الله آية ودلالة على البعث  يذكر العبد بالحياة الآخرة فإن من أنزل المطر فأحيا الأرض به  بعد موتها قادر على  أن يحيي الناس بعد موتها،  " فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير " .

إنه المطر فيه دعوة للتفاؤل  وحسن الظن بالله وتغير الحال للخير فيوم تقنط النفوس ويدب لها اليأس يأتي الله بالمطر فتنشرح الصدور وتسعد ليعلمنا  سبحانه أنه لايأس مع رحمة الله وقرب فرجه " فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ، وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين " أي يائسين . .

ومع نزول الأمطار وظهور البشائر باخضرار الأرض وإخراج زينتها، ومع اعتدال الأجواء وصفاء السماء يخرج الناس إلى البراري والقفار رجالاً ونساءً، وهناك على ضفاف الأودية والشعاب، وبين السهول المزدانة بغيث السماء  ينتشر الناس، فتظهر الطبائع على سجيتها، وتبرز أخلاق الأمة، وتتجلى مبادئ وسلوكيات الأسر.

ومابين الواقع والواجب ومساهمة في الحفاظ على أخلاق الأمة ومبادئها ولئلا نكون ممن بدل نعمة الله كفرا أوجه هذه الكلمات للعقلاء والصلحاء الذين يدركون أن بقاء النعم مرهون بالشكر وأن كفر النعم مؤذن بالعذاب

إلى كل مسلم ومسلم يستهويهم طيب الأجواء وجمال الأرض أعيذكم بالله أن تكونوا ممن لايستحون من الله ولا من الناس ، وممن يستخفون من الناس ولايستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالايرضى من القول والفعل ، في مظاهر من التفلت الممقوت من الآداب والقيم ..وأحسبكم ممن يرسم معالم الإيجابية مسترشدين بشرع الله مهتدين بهدي رسول الله

إيجابية تجعل الشريعة منطلقا ، والآداب والأعراف الجميلة مستندا ، إيجابية تنبثق من الشعور بمراقبة الله والاستحياء من الله وتدرك أنها مسؤولة أمام الله عن عمرها فيم تفنيه وعن شبابها فيم تبليه وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين

ياأيها المتنزهزون على ضفاف الرمال :استشعروا قول الخالق ( إن الله كان عليكم رقيبا )وارسموا الصورة المثلى للمسلم الذي يتقي الله حيثما كان، ويراقبه ويستحيي منه في كل زمان ومكان.

كونوا ممن يخرج ليتفكر في آلاء الله وليمارس الترويح المباح دون تعد للحدود أو انتهاك للآداب، ودون مزاحمة للشباب ولا تهاون بالحجاب.

كونوا أمة  تراقب الله وتغار على محارم الله ومحارمها في أفراحها وأتراحها، في لهوها وجدها وتستشعر إسلامها واستسلامها لخالقها في كل أحوالها معلنة [قُلْ إِنَّ صلاتي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ]

تذكروا قول ربكم ( قل سيروا في الأرض فانظروا ) واجعلوا من تنزهكم فرصة للتفكر والتذكر والاعتبار ولشكر الواحد القهار. وللتأمل في ملكوت الله، تنظر إلى بديع خلق الله [وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ]

تأمل في رياض الأرض وانظر    إلى آثار ما صنع المليك

عيون من لجين شاخصات  بأهداب هي الذهب السبيك

على قضب الزبرجد شاهدات  بأن الله ليس له شريك

وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد

ياأيها المتنزهزن على ضفاف الرمال : تنزهوا وفق هدي الإسلام، فلا أشر ولا بطر، ولا انتهاك لحدود الله، ولا تحلل من آداب الإسلام.بل عبادة وشكر، ومحافظة على الصلاة، والتزام بالحشمة والحياء لا سكر ولا غناء، لا استهتار ولا قلة حياء.

كونوا أمة يقودها رجال لا أشباه رجال. أمة إيجابية رجالها يؤمنون أن الله يغار .. يدخلون السرور على قلوب أهلهم وذريتهم، لكنهم يغارون فلا يرضون بما يخرم المروءة أو يهز القوامة أو يخدش في الحياء أسر قدوتها محمد ﷺ الذي كان يمازح عائشة رضي الله عنها ويسابقها ولكن بعد أن يأمر الجيش بالتقدم.

فأين هذا مما نراه من بعض النساء حيث يخالطن الرجال ويكشفن الوجوه بل حتى الشعور بلاشعور بالخوف من الله ، ويركبن الدراجات أمام الشباب ويخضن في المياه حاسرات عن سوقهن فأين الحياء من الله والخوف من عقابه

وإني أحسبكم من أسر ترفع نساؤها شعار «خير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يروها» وتتمسك بمبدأ [وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى]  وتخضع للأمر النبوي: «اتق الله حيثما كنت».

وعلى ضفاف المياه ووسط المروج الخضراء ينتشر شباب يصنعون لوحة الأدب والخلق الرفيع، غض للأبصار، واحترام للآخرين مع رقي في التعامل ورفعة في الذوق، لا إسفاف ولا سفه ولا إخلال بالأدب، ولا انتهاك للحدود، شعارهم في تنزههم «وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه».

مونوا جميعا أمة مثالية تؤمن بحديث ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه ) وتستشعر أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة وأن رجلا دخل الجنة بغصن أزاله عن طريق المسلمين فإذا ماتنزهت في مكان تركته أحسن مما كان حسب الإمكان .. وعبرت عن ذوقها الرفيع وخلقها الجميل مدركة أن غيرها سيحل فيه ويحب أن يراه جميلا .. فلا أثر لمخلفات ، ولا وجود لبقايا مأكولات .. ولا إفساد لجمال الأرض وزخرفها ولايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه وماأجمل الإيثار وماأقبح الأثرة

اقول هذا القول ....

 

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

ياأيها المستمتعون على كثبان الرمال وعلى ضفاف الأودية اعلموا أن الترويح لايعني الترويع فلا تغامر في أودية ولا تخاطر في الذهاب لأماكن نائية ولاتمارس السخف بارتكاب المخاطر وإبراز البطولات المزيفة والشجاعة المتهورة ..

كونوا ممن يستشعر قول خالقهم ( والذين يؤذون المؤمنون والمؤمنات ... ) وقول قدوتهم ( من آذى مسلما فقد آذاني ) متذكرين أن إخوانهم إنما خرجوا ليستمتعوا بجمال الأجواء في جو من الخصوصية والمحافظة على القيم ، فلا يكدرون عليهم متعتهم بمضايقتهم أو كثرة المرور من عندهم أو إزعاجهم بالدراجات أو برفع الأصوات ، مدركين إن مراعاتها لإخوانها دليل على صلاح قلوبها وصدق أخوتها وعنوان لذوقها الرفيع وخلقها الجميل ووطنيتها الصادقة

تمثلوا أخلاق دينكم واعلموا أن للبيئة حقوقا ..فالتبذير والإسراف ليست من صفات عباد الرحمن ، ومن التبذير أن تستخدم شيئا لست بحاجته ، فقطع الأشجار من غير حاجة تبذير وإسراف ، ودع مالاتحتاجه ليستفيد منه غيرك ، وبهذا تجسد صورة المسلم المتحضر

ياأيها الرجال المتنزهزون : إن نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول ( وابدأ بمن تعول ) فلاتستأثروا بالترويح ولاتنشغلوا بأصحابكم عن أهليهم وزوجاتهم ولاتلجئوا نساءكم وذرياتكم إلى الخروج وحدهم حيث وقعت الفواجع والمواجع وما أحوجنا لتوجيه المصطفى ﷺ حينما قال «وإن لأهلك عليك حقاً».

ماأجملكم أيها المتنزهون على كثبان الرمال وأنتم ترفعون صوت الأذان وتقيمون الصلاة وتغارون على الحرمات وتدعون إلى الله بحكمة وتوجهون المخالفين بالموعظة الحسنة

تعلّمو أحكام السفر وآداب الرحلات، وافقهوا أمور دينكم، تعلموا أحكام الجمع والقصر، ومسائل المسح على الخفين والتيمم، وتعرفوا على طرق تحديد القبلة، فكثيراً ما يقع المتنزهون في أخطاء شرعية نتيجة الجهل بأحكام الدين وعدم سؤال أهل الذكر، واحرصوا على أن يكون لمجالس الذكر من وقتك نصيباً.وما أجمل أن تتحول رحلاتنا وترويحنا إلى عبادة واستفادة، لتتحقق السعادة

ألا ما أجمل الأرض المخضرة إذا لم تدنس بالحرام، ولم تعزف فوقها المزامير والأنغام، ما أجمل الأرض إذا أخذت زخرفها وازينت واهتزت وربت إذا لم يجهر فيها بالفسوق والعصيان وترفع فيها راية الشيطان.

وختاماً يا مسلمون: قد أنزل الله علينا رزقاً من السماء ليبلونا أنشكر أم نكفر، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه وإن البساط الإلهي الأخضر ليوشك أن يهيج فنراه مصفراً.

وإن هذه الأرض التي يوشك أن تأخذ زخرفها وتتزين لروادها ليخشى أن يأتيها أمر الله ليلاً أو نهاراً فيجعلَها حصيداً كأن لم تغن بالأمس.

وإن الأمة التي تبدل نعمة الله كفراً، وتقابل آلاءه بالجحود ليخشى أن يخسف بها جانب البر أو يرسل عليها حاصباً.

فنسأل الله أن يجعلنا من الشاكرين الذاكرين، وأن يهدي كل ضال من المسلمين، وأن يحفظ علينا الأمن والإيمان واليقين.

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. 

 

المرفقات

1766055261_على ضفاف الرمال.doc

المشاهدات 214 | التعليقات 0