عناية الإسلام بالمرأة وحفظه لحقوقها الشرعية

عناية الإسلام بالمرأة وحفظه لحقوقها الشرعية

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي تولى بيان حقوق العباد بنفسه ، وحرَّم هضمها على خلقه ، أحمده تعالى على نعمه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :-

فاتقوا الله تعالى حق التقوى و حافظو على حدوده في السر و النجوى .

عباد الله : لَقَد كَانَتِ المَرأَةُ قَبلَ الإِسلَامِ تَعِيشُ فِي ذُلٍّ وَهَوَانٍ ، وَظُلمٍ وَطُغيَانٍ ، قال الله تعالى : ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) ﴾ [ سورة النحل] . فهو يستخفي مِن قومه كراهة أن يلقاهم متلبسًا بما ساءه من الحزن والعار ؛ بسبب البنت التي وُلِدت له ، ومتحيرًا في أمر هذه المولودة : هل يتركها من غير قتل على إهانة وذل ، أم يدفنها حية في التراب ؟ . فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ ﷺ ، وَأَشرَقَ نُورَ الإِسلَامِ ، أَكرَمَ المَرأَةَ فَشَرَعَ لَهَا مِنَ الحُقُوقِ العَادِلَةِ مَا لَم يُشرَع فِي أُمَّةٍ مِن الأُمَمِ ، وَلَا فِي عَصرٍ مِن العُصُورِ . فَأَمَرَ الأَزوَاجَ بِمُعَاشَرَةِ نِسَائِهِم بِحُسنِ المُعَامَلَةِ وَالصُّحبَةِ ، قَالَ تَعَالَى : ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعرُوفِ ﴾ . وفي الصحيحين عن النبي ﷺ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال ﷺ : { واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا ؛ فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا } . فكلمة خيرا تعم كل أنواع الخير ، ونَفَّرَ من الإساءة إليها وذم الرجل الذي يسيء للمرأة ، فعن إياس بن عبد الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لقد أطافَ بآلِ محمَّدٍ نساءٌ كثيرٌ يشكونَ أزواجَهُنَّ ، ليسَ أولئِكَ بخيارِكُم } أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني . وقد كان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس عُشْرَةً وتعاملاً مع أهله ، فعلى المسلم أن يحرص على أن يهتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد حثَّنا على ذلك ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي » رواه الترمذي وصححه الألباني .  وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم { أكمَلُ المؤمنينَ إيمانًا أحسَنُهم خلُقًا ، وخيارُكم خيارُكم لنسائِهم } رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . فاليكنْ أهلُك أولَ المستفيدين من هذا الخير  .

ومن حقوق المرأة : عدم منعها من الزواج بالرجل الكفء ، فإن مَنْعَهَا بالزواج بالرجل الكُفء يسمى عَضْلٌ ، وقد نهى الله عنه ، وقد كانوا في الجاهلية يعضلون البنات عن الزواج ، لا سيما المطلقة منهن ، يروي الصحابي الجليل معقل بن يسار رضي الله عنه : أنه زوج أخته رجلا من المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت عنده ما كانت ، ثم طلقها تطليقة لم يراجعها ، حتى انقضت العدة ، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخُطَّاب ، فقال له : يا لكع أكرمتك بها وزوجتك فطلقتها ، والله لا ترجع إليك أبداً ، آخر ما عليك ، قال : فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها ، فأنزل الله : ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ﴾ . فلما سمعها معقل ، قال : " سمعا لربي وطاعة " ثم دعاه ، فقال : " أزوجك وأكرمك " ، فأعادها إلى زوجها الأول بعقد جديد ، وكفَّر عن يمينه . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتزويج الخاطب صاحب الدين والخلق ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : { إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ } روى الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني . كما جعل الإسلام موافقة المرأة على الزواج شرطًا من شروط صحة العقد ، وأعطاها الإسلام الحق في فسخ عقد الزواج إذا زَوَّجَها أبوها أو ولي أمرها بغير رضاها ؛ ذلك لأن الزواج عقد الحياة ، فيجب أن يتوافر فيه رضا الطرفين ، روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ } ، قَالُوا كَيْفَ إِذْنُهَا ؟ قَالَ : { أَنْ تَسْكُتَ } . وروى البخاريُّ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهَا . وهذا من حِرْصَ الإسلامُ على حُقوقِ المَرأةِ ومَصالِحِها ، فلا تُكْرَهَ على الزَّواجِ ، وأنْ يَكونَ رَأْيُها مُعتَبَرًا في هذا الأمْرِ .. أقولُ قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنَّه هو الغفورٌ الرحيم .

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى ، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له ، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه ، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ . أما بعدُ :-

فإن من حقوق المرأة في الإسلام : أن تُعطى حقها من الميراث الذي فرضه الله لها كاملا ، سواء كان نقودا أو عقارا ، وأن من يتحايل على حرمانها من الميراث ، أو يضع العراقيل دونها ، أو اعتقاد أنه ليس لها حق في العقار ، وغيره ، وإنما حقها في المال فقط ، فهذا ظلم وعدوان ، وخلاف لحدود الله ، فإن الله يقول : ﴿ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ﴾ . ويقول جلَّ وعلا : ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ﴾ . فمن حاول حرمانها من الميراث أو منعها منه ، فإن ذلك دليل على ظلمه وعدوانه .  

ومن تكريم الإسلام للمرأة : أن جعلها أُماً يجب برها ، والإحسان إليها ، وتقديم الخدمات لها . وجعلها بنتاً ، وجعل لها حقوقا خاصة ، فحث على تربية البنات ، والصبر عليهن ، والرضا بهن ، أخرج الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ ، وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ ، كُنَّ حِجَابًا له مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . وتقول عائشة رضي الله عنها في حديثها ، قالت : دَخَلَتِ امْرَأَةٌ معهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ ، فَلَمْ تَجِدْ عِندِي شيئًا غيرَ تَمْرَةٍ ، فأعْطَيْتُهَا إيَّاهَا ، فَقَسَمَتْهَا بيْنَ ابْنَتَيْهَا ، ولَمْ تَأْكُلْ منها ، ثُمَّ قَامَتْ ، فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلَيْنَا ، فأخْبَرْتُهُ فَقالَ : { مَنِ ابْتُلِيَ مِن هذِه البَنَاتِ بشيءٍ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ } ، وهذا يدل على فضل الإحسان إلى البنات والقيام بشئونهن ، رغبةً فيما عند الله . وعن أنس رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال : { من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين } ، وضم أصابعه ﷺ . أخرجه مسلم .

عباد الله : و لئن كانت المرأة المسلمة في بعض البلاد تواجه هضماً لحقوقها و كبتاً لمشاعرها ، فإنها بحمد الله في بلادنا المملكة العربية السعودية تتمتع بكامل حقوقها ، و تقوم بأداء وظيفتها التعبدية من الستر و العفاف و الحياء و الحجاب ،  و تقوم بأعمالٍ تناسبها في مؤسساتٍ حكومية في ظل ضوابط شرعيه و أخلاقٍ إسلاميه ، في مجتمع إسلامي ٍ متمسكٍ بدينه ، متبع ٍ لهدي نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالمرأة في بلادنا تستمد حقها و كرامتها من منطلق شرعي ٍ ثابت ، حدده الله سبحانه و تعالى في كتابه و بينه النبي صلى الله عليه و سلم في سنته ، فلا مجال للخوض و المغالطة بين المفاهيم الثابتة لأجل تلبية الأهواء و الرغبات أو مسايرة شعوب ٍ و جماعات . ألا فاتقوا الله أيها المسلمون ، و توبوا من ذنوبكم و قوموا بما أوجب الله عليكم ، ثم صلوا و سلموا على خاتم النبيين و إمام المرسلين ، فقد أمركم بذلك رب العالمين في كتابه المبين فقال عز من قائل :  ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ ، اللهم صلى وسلم و بارك على عبدك ورسولك نبينا محمد و على أهل بيته الطيبين الطاهرين و خلفائه الراشدين أبي بكر و عمر و عثمان و علي و سائر الصحابة و التابعين و عنا معهم بعفوك و كرمك يا أرحم الراحمين ، اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا ، ووفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين . اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتَيْهِمَا لِلْبَرِّ وَالتَّقْوَى ، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ وَأَحِطْهُم بِعِنَايَتِكَ ، وَاجْعَلْهُم هُدَاةً مُهْتَدِينَ ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ . وَأَصْلِحْ بِهِمَا الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ ، وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ . اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا ، وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا . اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ المُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ . اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ ، اللَّهمّ أصلح قادة المسلمين ووفقهم لكل خير ، واجمع بينهم وبين شعوبهم على الخير والهدى . اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللهم أمّن حدودنا واحفظ جنودنا . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين . { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } . وأقم الصلاة .

 

( خطبة الجمعة 21/6/1447هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل                          للتواصل جوال و واتساب /  0504750883  ) .

 

المرفقات

1765353222_عناية الإسلام بالمرأة وحفظه لحقوقها الشرعية.docx

المشاهدات 51 | التعليقات 0