فضل لا حول ولا قوة إلا بالله خطبة الجمعة 10-12-1446
عبدالرحمن سليمان المصري
فضل لا حول ولا قوة إلا بالله
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي فتح لعباده أبواب رحمته ، وشرع لهم من الأقوال ؛ ما يوصلهم إلى رضوانه وجنته، ويباعدهم عن سخطه ونقمته ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾
عباد الله : الإنسان مخلوق ضعيف ، والضعف قَدَرٌ جِبِلِّيٌّ فطر الله عليه الناس ، إن أصابته شوكة تألم، وإن جاع تأوَّه، وإن مرض توجَّع ، ابتلاهم الله به ؛ ليستشعروا ضعفهم فلا يطغوا ، وليستكينوا لربهم ، ويلجئوا إليه في حوائجهم ، فيترقوا في درجات الإيمان ، وتعلوا منازلهم في أعالي الجنان .
و المسلم تَمُرُّ به الشدائد والكربات ، يحتاج فيها إلى سبب يعينه ويقويه ، ومن أعظم تلك الأمور ، الأذكار والدعوات الواردة في الكتاب و السنة ، ومنها قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله ).
هي كنز نفيس من كنوز الجنة ، مدخر ثوابه العظيم لصاحبه يوم القيامة ، قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن قيس رضي الله عنه ، قل: "لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها كنز من كنوز الجنة "رواه البخاري .
وهي سبيل من سبل الوصول إلى الجنة ، بل هي باب من أبوابها التي تفضي إليها ، قال صلى الله عليه وسلم لقيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه : " ألا أدلك على باب من أبواب الجنة " قلت: بلى ، قال: " لا حول ولا قوة إلا بالله " رواه الترمذي وصححه الألباني.
ولعلو قدرها كانت من كنوز العرش ، قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه:" أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنهن من كنز تحت العرش " رواه أحمد بسند صحيح .
عباد الله : هي جملة قليلة المبنى ، عظيمة المعنى ، فيها من التوحيد والإجلال ، والتوقير للرب المتعال، وفيها من التوكل والاستعانة بالله سبحانه ، ما يريح البال ، ويغير الأحوال.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته ، ولا قوة على طاعة الله إلا بعونه .أ.هـ.
وقال النووي رحمه الله : هي كلمة استسلام وتفويض ، وأن العبد لا يملك من أمره شيئا ، وليس له حيلة في دفع شر ، ولا قوة في جلب خير ، إلا بإرادة الله تعالى .أ.هـ.
فهي من أعظم الذكر، وأحسن الدعاء، وهي كلمة إسلام واستسلام ، فلا تحول للعبد من معصية إلى طاعة ، ولا من مرض إلى صحة ، ولا من فقر إلى غنى ، ولا من وهن إلى قوة ، ولا من نقصان إلى زيادة ، إلا بالله عز وجل ، ولا قوة له على تحقيق هدف من أهدافه ؛ إلا بالله جل وعلا .
ولذلك شرع للمسلم أن يقولها مطلقا ، في جميع الأوقات وفي جميع الأحوال ، في مناسبة وبدون مناسبة ،
فهي غرس من غراس الجنة ، وقد مر نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، على إبراهيم الخليل عليه السلام ، فقال له إبراهيم: مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة ، فإن تربتها طيبة ، وأرضها واسعة ، قال: وما غراس الجنة ، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله " رواه أحمد بسند حسن.
عباد الله: وهذه الجملة لها تأثير عجيب في حفظ المسلم ، فهي تقي صاحبها من شياطين الإنس والجن ، قال صلى الله عليه وسلم: " إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، قال: يقال حينئذ: هديت، وكفيت، ووقيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي " رواه أبو داود وصححه الألباني.
وهي من أسباب استجابة الدعاء وقبول العمل الصالح ، قال صلى الله عليه وسلم :"من تعارّ من الليل – أي تقلب في نومه - فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله ، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استجيب ، فإن توضأ قبلت صلاته " رواه البخاري.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
عباد الله : ومن فضائل ( لا حول ولا قوة إلا بالله ): أن من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه النار ، وهي سبب لمغفرة الذنوب والخطايا ، قال صلى الله عليه وسلم من قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ؛ كفرت عنه خطاياه ، ولو كانت مثل زبد البحر" رواه الترمذي وحسنه الألباني.
عباد الله : إن جملة ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) ، فيها من قوة التوحيد واليقين ، والإجلال والتوقير ، لله جل في علاه ، ما لا يعلم مداه إلا الله ، وفيها من حسن التوكل والاستعانة والتفويض الشيء العظيم ، وهذه الجملة العظيمة ، لها ثمار جليلة ، لمن قالها متدبرا لمعناها ، متمثلا لمقتضاها :
ومن ثمارها ، أن فيها إثبات التوحيد لله تعالى ، وإثبات القوة الكاملة له سبحانه ، وبيان ضعف العباد ، قال تعالى: ﴿ إن الله لقوي عزيز ﴾الحج:40 .
ومن ثمارها ؛ إثبات الغنى المطلق لله تعالى ، وإثبات الفقر للمخلوقين ، مهما بلغوا فيه من الثروة والجاه ، فإنهم لا يملكون لأنفسهم حولا ولا قوة ، ﴿ ما عندكم ينفد وما عند الله باق ﴾النحل:96.
كما أن هذه الجملة ، فيها الرد على الملاحدة ، الذين يزعمون أن الطبيعة هي الخالقة المدبرة للكون ، والله تعالى يقول:﴿ والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ فكل حركة وسكون في هذا الكون ؛ هو بحول الله وقوته .
عباد الله: ومن فضائل (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، أن كل من يشكو تعبا في جسده ،أو ضعفا في بدنه، أو إرهاقا عند عمله، أو يعاني الأشغال الصعبة، ويتحمل المشاق، فعليه بلا حول ولا قوة إلا بالله، وليداوم عليها، فإن لها تأثير عجيب في أن يجد قائلها قوة في بدنه.
قال ابن القيم رحمه الله :
وقد جاء في هذا الباب أثر ، أن الملائكة لما أمروا بحمل العرش ، قالوا: يا ربنا كيف نحمل عرشك ، وعليه عظمتك وجلالك ، فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله ، فلما قالوا حملوه
أ.هـ.
﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا * هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ﴾
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ..
المرفقات
1749087038_2فضل لاحول ولا قوة إلا بالله خطبة.docx
1749087038_2فضل لاحول ولا قوة إلا بالله خطبة.pdf