فوائد وعبر من قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة

فهد فالح الشاكر
1447/05/15 - 2025/11/06 21:38PM

🕌 

فَوَائِدٌ وَعِبَرٌ مِنْ قِصَّةِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ انْطَبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ

 


🕌 الخُطْبَةُ الأُولَى

 

الحمدُ للهِ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَيُخْرِجُ مَنْ يَشَاءُ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عبادالله

أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ:

﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ

إِنَّ فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ قَصَصًا لَيْسَتْ لِلتَّسْلِيَةِ، وَلَكِنْ لِلتَّذْكِيرِ وَالعِبْرَةِ وَالإِصْلَاحِ.

وَمِنْ أَعْظَمِ تِلْكَ القِصَصِ قِصَّةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ آوَاهُمُ المَبِيتُ إِلَى الغَارِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ، فَلَمْ يَنْجُوهَا إِلَّا بِصَالِحِ أَعْمَالِهِمْ.

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ:

«انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى آوَاهُمُ المَبِيتُ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ. فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هٰذَا إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ.»

 

فَتَقَدَّمَ الأَوَّلُ، وَهُوَ رَجُلٌ بَارٌّ بِوَالِدَيْهِ، فَقَالَ:

 

«اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لَا أَسْقِي قَبْلَهُمَا أَهْلِي وَلَا مَالِي، فَنَأَى بِي الطَّلَبُ يَوْمًا، فَجِئْتُ وَقَدْ نَامَا، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، فَوَقَفْتُ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِي أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ أَسْقِهِمْ حَتَّى شَرِبَ أَبَوَايَ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذٰلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ.»*

فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ شَيْئًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهُ.

 

ثُمَّ قَالَ الثَّانِي:

 

«اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ أُحِبُّ ابْنَةَ عَمٍّ لِي كَحُبِّ الرِّجَالِ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُهَا فَأَبَتْ، حَتَّى أَصَابَتْهَا سَنَةٌ، فَأَتَتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا مِائَتَيْ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتْ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ. فَقُمْتُ عَنْهَا وَتَرَكْتُ المَالَ لَهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذٰلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا.»*

فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ شَيْئًا، وَلٰكِنْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ.

 

ثُمَّ قَالَ الثَّالِثُ:

 

«اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ أَجْرَهُ، إِلَّا وَاحِدًا تَرَكَ أَجْرَهُ، فَنَمَّيْتُهُ لَهُ حَتَّى صَارَ كَثِيرًا، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي. فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ مِنْ أَجْرِكَ. فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ قُلْتُ: لَا. فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذٰلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا.»*

فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ.

 


🌿 عبادَ الله:

 

انْظُرُوا كَيْفَ نَجَّاهُمُ اللهُ بِإِخْلَاصِهِمْ وَصِدْقِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ، لَا بِكَثْرَةِ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا بِمَنْصِبٍ وَلَا جَاهٍ، وَلٰكِنْ بِقُلُوبٍ صَادِقَةٍ نَقِيَّةٍ.

فَالأَوَّلُ نَجَا بِبِرِّ وَالِدَيْهِ، وَالثَّانِي نَجَا بِعِفَّتِهِ، وَالثَّالِثُ نَجَا بِأَمَانَتِهِ.

كُلُّهُمْ لَمْ يَذْكُرْ نَسَبًا وَلَا قَبِيلَةً، بَلْ ذَكَرَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ.

 

فَالعِبْرَةُ يَا عِبَادَ اللهِ:

أَنَّ المَخْرَجَ مِنَ الشِّدَّةِ بِالإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ، وَأَنَّ الأَعْمَالَ الخَالِصَةَ تُفْرِجُ الكُرُوبَ، وَتُسَهِّلُ الصُّعُوبَاتِ، وَتَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هٰذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 


🕌 الخُطْبَةُ الثَّانِيَة

 

الحمدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا عِبَادَ اللهِ، أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهَا خَيْرُ زَادٍ لِلسَّيْرِ إِلَى اللهِ.

 

اعْلَمُوا أَنَّ فِي هٰذِهِ القِصَّةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الإِخْلَاصَ مَفْتَاحُ الفَرَجِ، وَالبِرَّ وَالعِفَّةَ وَالأَمَانَةَ مِنْ أَعْظَمِ سَبَبِ النَّجَاةِ.

فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّجَ اللهُ عَنْهُ كَرْبَهُ، فَلْيُخْلِصْ فِي نِيَّتِهِ، وَلْيَصْدُقْ فِي أَعْمَالِهِ، وَلْيُرَاقِبِ اللهَ فِي خَلَوَاتِهِ.

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَعْمَالَنَا كُلَّهَا خَالِصَةً لِوَجْهِكَ الكَرِيمِ،

اللَّهُمَّ فَرِّجْ كُرُوبَنَا، وَنَفِّسْ هُمُومَنَا، وَارْزُقْنَا صِدْقَ النِّيَّةِ فِي أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا،

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَنَا وَبَنَاتِنَا، وَوَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِنَا لِمَا فِيهِ خَيْرُ البِلَادِ وَالعِبَادِ،

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ،

وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ

 

المرفقات

1762454318_قصة النفر الثلاثة.pdf

المشاهدات 222 | التعليقات 0