هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ, قِصَّةٌ وَعِبَرٌ 9 جُمَادَى الأُولَى 1447هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1447/05/07 - 2025/10/29 16:08PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}

أَمَّا بَعْدُ : فَمَعَنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ قِصَّةُ أَحَدِ أَنْبِيَاءِ اللهِ الْكِرَامِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَهُوَ هُوْدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي (أَحَدَ عَشَرَ) مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِهِ الْكَرِيمِ, وَهُنَاكَ سُورَةٌ بِاسْمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَكَرَ مَا جَرَى لَهُ مَعَ قَوْمِهِ عَادٍ، وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ قِصَّتِهِ وَأَهَمَّيِّةِ أَخْذِ الْعِبَرِ مِنْهَا.

وَأَمَّا قَبِيلَتُهُ فِهَي عَادٌ، قَبِيلَةٌ عَرَبِيَّةٌ, مَوْطِنْهُمُ الْأَحْقَافُ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، وَكَانُوا يَسْكُنُونَ الْخِيَامَ ذَوَاتِ الْأَعْمَدَةِ الضِّخَامِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ}، أَيْ: مِثْلُ الْقَبِيلَةِ، فِي ضَخَامَةِ أَجْسَامِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، وَكَانَتْ عَادٌ أَوَّلَ مَنْ عَبَدَ الْأَصْنَامَ بَعْدَ الطُّوفَانِ، فَبَعَثَ اللهُ فِيهِمْ أَخَاهُمْ هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ, فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ وَأَمَرَهُمْ بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ}، فَقَالُوا مُعَارِضِينَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَبَادَةِ رَبٍّ وَاحِدٍ {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ}, فَعَارَضُوهُ وَسَخِرُوا مِنْهُ, وَاسْتَبْطَأُوا العُقُوبَةَ فَحَلَّتْ بِهِمُ وَنَزْلَتْ بِدِيَارِهِمْ, فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا أَهْلَكَتْهُمْ.

قَالَ الله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَمَرِ {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ، تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِر، فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}، وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ، فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}.

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَمَضْمُونُ الْقِصَّةِ, مَجْمُوعًا مِنْ سِيَاقَاتِ الْقُرْآنِ، مَعَ مَا يُضَافُ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ، أَنَّهُمْ أَوَّلُ الأُمَمِ الذِينَ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ بَعْدَ الطُّوفَانِ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْلِ هُودٍ u لَهُمْ, {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً}، أَيْ: جَعَلَهُمْ أَشَدَّ أَهْلِ زَمَانِهِمْ فِي الْخِلْقَةِ وَالشِّدَّةِ وَالْبَطْشِ، وَعَادٌ كَانُوا جُفَاةً كَافِرِينَ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ وَإِلَى إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ، وَرَغَّبَهُمْ فِي طَاعَتِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ، وَوَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ عُقُوبَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ, {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} أَيْ هَذَا الْأَمْرُ الذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ سَفَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ التِي يُرْتَجَى مِنْهَا النَّصْرُ وَالرِّزْقُ، وَمَعَ هَذَا نَظُنُّ أَنَّكَ تَكْذِبُ فِي دَعْوَاكَ أَنْ اللهَ أَرْسَلَكَ، {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَظُنُّونَ وَلا مَا تَعْتَقِدُونَ، {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}، قَالُوا {يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ، إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}، يَقُولُونَ مَا جِئْتَنَا بِخَارِقٍ يَشْهَدُ لَكَ بِصِدْقِ مَا جِئْتَ بِهِ، وَمَا نَحْنُ بِالذِينَ نَتْرُكُ عِبَادَةَ أَصْنَامِنَا عَنْ مُجَرَّدِ قَوْلِكَ؛ وَمَا نَظُنُّ إِلَّا أَنَّكَ مَجْنُونٌ فِيمَا تَزْعُمُهُ، وَعِنْدَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا أَصَابَكَ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ آلِهَتِنَا غَضِبَ عَلَيْكَ فَأَصَابَكَ فِي عَقْلِكَ فَاعْتَرَاكَ جُنُونٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَلَمَا طَالَ عِنَادُهُمْ وَاسْتَبْعَدَ إِيمَانَهُمْ، دَعَا رَبَّهُ فقَالَ {رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِي، قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}، فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ مَا ابْتَدَأَهُمُ الْعَذَابُ، أَنَّهُمْ كَانُوا مُمْحِلِينَ، فَطَلَبُوا السُّقْيَا فَرَأَوْا عَارِضًا فِي السَّمَاءِ وَظَنُّوهُ سُقْيَا رَحْمَةٍ، فَإِذَا هُوَ سُقْيَا عَذَابٍ، فَسَاقَ اللهُ عَلَيْهِمْ سَحَابَةً سَوْدَاءَ، حَتَّى طَلَعَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ وَادٍ يُقَالَ لَهُ الْمُغِيثُ، فَلَمَّا رَأَوْهَا اسْتَبْشَرُوا، وَقَالَوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا، فَيَقُولُ الله تَعَالَى {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}، أَيْ: تُهْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ أُمِرَتْ بِهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَبْصَرَ مَا فِيهَا وَعَرَفَ أَنَّهَا رِيحٌ فِيمَا يَذْكُرُونُ امْرَأَةٌ مِنْ عَادٍ يقَالَ لَهَا (مَهْد) فَلَمَّا تَبَيَّنَتْ مَا فِيهَا صَاحَتْ ثُمَّ صُعِقَتْ، فَلَمَّا أَفَاقَتْ قَالَوا: مَا رَأَيْتِ يَا مَهْدُ؟ قَالَتَ: رَأَيْتُ رِيحًا فِيهَا شِبْهُ النَّارِ أَمَامَهَا رِجَالٌ يَقُودُونَهَا، فَسَخَّرَهَا اللهُ عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا، وَالْحُسُومُ: الدَّائِمَةُ؛ فَلَمْ تَدَعْ مِنْ عَادٍ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ.

وَاعْتَزَلَ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَظِيرَةٍ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الريِّح ِإِلَّا مَا تَلِينُ عَلَيْهِ الْجُلُودُ، وَتَلَذُّ الْأَنْفُسُ، وَإِنَّهَا لَتَمُرُّ عَلَى عَادٍ بِالظَّعْنِ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَتَدْمَغُهُمْ بِالْحِجَارَةِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى فَي وَصْفِهِمْ بِعْدَ العُقُوبَةِ {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} شَبَّهَهُمْ بِأَعْجَازِ النَّخْلِ التِي لا رُؤُوسَ لَهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ تَجِيءُ إِلَى أَحَدِهِمْ فَتَحْمِلُهُ فَتَرْفَعُهُ فِي الْهَوَاءِ؛ ثُمَّ تُنَكِسُهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ فَتَشْدَخُهُ فَيَبْقَى جِثَّةً بِلا رَأَسٍ، ... وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ, قَالَتْ وَإِذَا تَخَيَّلَتْ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ, فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ, ا.ه.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا مُخْتَصَرٌ لِمَا ذَكَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَالِ هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَفِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ بِإِذْنِ اللهِ بَعْضُ الْحِكَمِ وَالْفَوَائِدِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَظِيمَةِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُصُّ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ أَحْسَنَ الْقَصَصِ لِنَعْتَبِرَ فَنَقْتَدِيَ بِأَهْلِ الْخَيْرِ وَنَحْذَرَ طَرِيقَ أَهْلِ الشَّرِّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {لَقدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ عِبَرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَعْذَرَ لِلْخَلْقِ فَبَعَثَ إِلَى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا يَدْعُوهُمْ لِعَبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ.

وَمِنَ الْعِبَرِ: خُطُورَةُ الشِّرْكِ وَأَنَّهُ يَعُودُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بَعْدَ مَرَّةٍ، فَيَظْهَرُ فِي النَّاسِ، فَتَأَمَّلُوا كَيْفَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلَكَ الْمُشْرِكِينَ فِي عَهْدِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَمِيعًا، وَلَمْ يَنْجُ فِي السَّفِينَةِ إِلَّا الْمُؤْمِنونَ، وَمَعَ ذَلِكَ خَرَجَ الشِّرْكُ مَرَّةً ثَانِيَةً فَبَعَثَ اللهُ هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُو النَّاسَ لِعِبَادَةِ اللهِ فَسَخِرُوا مِنْهُ، فَأَهْلَكُهَمُ الْعَظِيمُ عَزَّ وَجَلَّ.

وَمِنَ الْعِبَرِ: أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْغَالِبُ وَأَنَّ الْكُفَّارَ مَهْمَا كَانَتْ قُوَّتُهُمْ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْهَرُهُمْ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ نَكُونَ مُؤْمِنِينَ حَقًّا، صَادِقِينَ فِي تَوْحِيدِنَا وَاتِّبَاعِنَا لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 وَمِنَ الفَوَائِدِ الجَمِيلَةِ: أَهَمَّيَةُ الاسْتِغْفَارِ, فَهَذَا هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْمُرُ قَوْمَهُ بِالاسْتِغْفَارِ ويقول {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا, وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِين}, قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ الَّذِي فِيهِ تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ السَّالِفَةِ، وَبِالتَّوْبَةِ عَمَّا يَسْتَقْبِلُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ السَّابِقَةِ وَمَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، وَسَهَّلَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَحَفِظَ عَلَيْهِ شَأْنَهُ وَقُوَّتَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}، وكَمَا جَاءَ وَفِي الْحَدِيثِ (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَنْ كُلِّ هَم فَرَجًا، وَمَنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) ا.ه.

فاللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار, وَوَالِدِينَا وَجَمِيعِ المسْلِمِينَ, الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالميتِينَ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلًا صَالِحًَا اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا, اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا وَلَا تُهنا, اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا, اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ يَا رَبَّ العَالمَينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

المرفقات

1761743283_هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ

قِصَّةٌ وَعِبَرٌ 9 جُمَادَى الأُولَى 1447هـ.pdf

المشاهدات 240 | التعليقات 0