وجوب عداوة الكفار, وبيانُ أشدّهم عداوة لنا. 20/3/1447
أحمد بن ناصر الطيار
الحمد لله رب العالمين، وليِّ المتقين, وعدوِّ الكافرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قاصمُ ظهر الماكرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيدُ ولدِ آدمَ أجمعين.
صَلّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا أيها المؤمنون, واعلموا أنّ الله تعالى أخبرنا بأخبارٍ صادقة, وقعَ كثيرٌ منها, وبعضها سيقع حتمًا.
وإنّ العاقل حينما يرى وعْد الله وخبرَه قد تحقّق ووقع, فإنه يزْدادُ إيمانًا ويقينًا وثباتًا.
ومما أخبرنا به ربُّنا سبحانه: أنّ عداوة الكفار لنا وحربَهم علينا لن تقلّ ولن تزول, مهما داهَنّاهُم وواليناهم, كما جل وعلا: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}، فليس للمشركين همٌّ ولا شغل إلا أن يردّوا المسلمين عن دينهم، وهم يبذلون في سبيل ذلك الأموال الطائلة, ولكن {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}.
وأخبرنا تعالى عمّا تكنّه صدروهم من بغضنا وعداوتنا, ولو قالوا بألسنتهم خلاف ذلك: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} , {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.
ومن المعلوم أنّ حبَّ الشيء وإرادتَه, يستلزم بغْضَ ضدّه وكراهتَه؛ ولهذا قال تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} [المجادلة: 22].
والْمُوادّةُ من أعمال القلوب، فإنّ الإيمانَ بالله يستلزم مودّته ومودَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك يناقض مُوادّة ومحبّة من حادّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فالإنسان لا يستقيم له إسلام، ولو قال بالتوحيد ونفى الشرك عن نفسه، إلا بعداوة المشركين وموالاة المؤمنين.
أَتُحِبُّ أَعْدَاءَ الحَبِيبِ وَتَدَّعِي … حُبًّا لَهُ مَا ذَاكَ فِي إمْكَانِ
فليتنبّه لهذا من يُتابع المباريات وغيرها، ويجد في قلبه حبًّا لأحد الكفار، بسبب جودة لعبه، أو جمال مظهره، أو حسن تعامله، فهذه المودة تُنافي الإيمان، وقد تكون سببًا في الكفر والعياذ بالله.
فالكافر من أيّ بلد وجنس لا تجوز مودّته ومحبّته، ويجب على المؤمن كرْهُه في الله، ولكن ينبغي علينا معاملةَ من لا يُظْهر عداوته بالحسنى، كما قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
وقَدْ ثَبتَ فِي الصَّحيحِ أنَّ أسْماءَ بِنتَ أبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قالَتْ: «قَدِمتْ علَيَّ أمِّي وهِيَ مُشْرِكةٌ, فاسْتفْتَيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقُلت: أفأَصِلُ أُمِّي، قالَ: نَعَم صلِي أُمَّك.
معاشر المؤمنين: إنّ عداوة الكفار لنا تتفاوت, وأعظمهم عداوة لنا اليهود, قال عز وجل: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}.
أخبرنا الله تعالى أنّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لنا هم الْيَهُود, وهل هناك أحدٌ يشك اليوم أنهم أشدّ الناس عداوة وبغضًا لنا منهم؟
ولقد مكّن الله لهم في الأرض يعيثون فسادًا, ليُظهر للناس صدْق خبره سبحانه.
{ومن أصدق من قيلا}, {ومن أصدق من الله حديثًا}.
ومما أخبرنا به رسولُه صلى الله عليه وسلم: أننا سنقاتل اليهود في آخر الزمان, ومن المعلوم أن اليهود منذ قرون كثيرة, كانوا متفرّقين في الأرض, وإذا كانوا متفرّقين فلن نتمكّن من قتالهم, فقدّر الله أنْ يجتمعوا اليوم في مكان واحد, وجاؤوا من كلّ حدَب وصوب, ليتحقّق وعد الله.
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «تقاتلكم اليهود، فتُسَلّطون عليهم، حتى يقول الحجر: يا مسلم! هذا يهوديٌّ ورائي فاقتله.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي؛ فتعال فاقتله؛ إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود".
والغرقد: نوعٌ من شجر الشوك، معروف ببلاد بيت المقدس، وهناك يكون قتل الدجال واليهود.
فالحديث صريح في أنه سيكون في أرض فلسطين أرْذل خلق الله, وسيعيثُون في الأرض فسادًا.
وفي الحديث دليلٌ على ظهور الآيات عند قرْب قيام الساعة؛ من كلام الجماد من شجر وحجر، وظاهرُه أنّ ذلك ينْطق حقيقة.
نسأل الله تعالى أن يمكّن للإسلام والمسلمين, وأن يُذِلّ الشّرك والمشركين, إنه على كل شيء قدير.
***************
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: معاشر المسلمين: وإنّ مما أخبرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم: رجوعَ الشام لأهل الإسلام, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس, ألا إنّ عقر دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".
فاثبتوا أيها المسلمون على دينكم, فإنه الحق, وإنّ وعد الله حقّ, واحمَدوا الله على هذه النعم التي حبَاكم بها, ومنها: نعمةُ الأمن والإيمان في هذه البلاد المباركة.
نسأل الله تعالى أن يحفظنا بحفظه, وأنّ يكفينا شرّ أعدائنا, إنه سميع قريب مجيب.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.