وَقَفَاتٌ (موافقة للتعميم) بَعْدَ الْحَجِّ 17 ذِي الحِجَّةِ 1446 هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1446/12/15 - 2025/06/11 16:46PM

الحمدُ للهِ الحيِّ الذِي لا يموتُ، تَفَرَّدَ بالعِزَّةِ والكِبْرِياءِ، وطَوَّقَ عبادَه بِطَوْقِ الفَناءِ، وفَرَّقَهمْ إلى سُعداءَ وأَشْقياءَ، نحمدُه سُبحانَه ونَستَعِينُهُ ونَسْتَغفِرُهُ ونَتُوبُ إِليه، ونَعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفِسِنَا، ومِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالنِا، وأَشْهدُ أن لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهدُ أَنَّ نَبِيَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وسَلَمَ وبَارَكَ عليه وعلى آلِهِ وأَصْحَابِهِ والتَّابِعِينَ ومِنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إَلَى يَوْمِ الدَّيْنِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ واعْلَمُوا أَنَّكُم على دِينٍ عَظِيمٍ امْتَنّ اللهُ بهِ عَلَيكُمْ وَهَدَاكُمْ لَهُ وَقَدْ أَضَلَّ عنه كثيرًا من الناسِ، ثُمَّ هَذِهِ وَقَفَاتٌ بَعْدَ نِهَايَةِ مَوْسِمِ الحجِّ، والذي انْقَضَتْ قَبْلَهُ خَيْرُ أَيَّامِ العَامِ.

الْوَقْفَةُ الأُولَى: تأمَّلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي مُرُورِ الأَيَّامِ وَفِي تَعَاقُبِ الدُّهورِ والأَعْوامِ، فَمَا إِنْ تَبْدَأْ سَنَةٌ حَتَى تَنْتَهِي، وَمَا يَهِلُ هِلَالُ شَهْرٍ حَتَى يَنْقَضِي، وَمَا إِنْ تَطْلُعْ شَمْسُ يَوْمٍ حَتَى تَغيِبَ، وَمَا يُولَدُ مَوْلُودٌ حَتَى يَكْبُرَ ويَشِيب، وَفِي هَذِهِ عِبْرَةٌ لَنَا بِانْقِضَاءِ آجَالِنَا وَانْتِهَاءِ أَعْمَارِنَا، فَاسْتَعِدَّ يَا مُسْلِمُ لِلِقَاءِ اللهِ، وَمُوَاجَهَةِ مَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ، وَتَجَهَزْ لِمُفَارِقَةِ الأَصْدِقَاءِ وَالأَصْحَاب، وَالبُعْدِ عَن ِالأَهْلِ وَالأَحْبَاب، قَالَ اللهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

الوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: إِنَّ الطَّاعَاتِ لَهَا مَوَاسِمُ وَأَوْقَاتٌ تَشْرُفُ فِيْهَا ويَعْظُمُ أَجْرُهَا، وَقَدْ مَرَّتِ العَشْرُ وَبَعْدَهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقُ، فَمَنْ كَانَ اسْتَغَلَّهَا غَنِمَ وفَرِحَ ومَنْ أهملَهَا وَسَوَّفَ فَاتَتْهُ وَلَمْ يَرْبَحْ، وَرُبَّمَا تَمَنَّى رُجُوعَهَا لِيَسْتَغِلَّها وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، فَمَنْ يَدْرِي؟ فَرُبَّمَا لَا تَعُودُ إِلَّا وَقَدْ وُسِّدَّ التُّرَابَ، أَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ، أَوْ ابْتُلِيَ بِأَمْرٍ يَصْرفُهُ عَنِ العِبَادَاتِ، ويَشْغَلُه عَنِ الْمُسَارَعَةِ لِلْخَيْرَاتِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِك) رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالأَلْبَانِي.

الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ: إِنَّ العِبَادَةَ لَها أثرٌ فِي القَلْبِ بِالارْتِيَاحِ، وَأَثرٌ فِي النَّفْسِ بِالانْشِرَاحِ، وَنُورٌ فِي الصَّدْرِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: وَاللهِ لَوْلَا اللَّيْلُ مَا أَحْبَبْتُ الحَيَاة, يَعْنِي بِذَلِكَ: أنَّهُ يَخْلُو بِرَبِّه فَيُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، فَيَأْنَسُ باللهِ ويَجِدُ طَعْمًا لِلْحَيَاةِ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، فَيَا مَنْ غَابَتْ عَنْهُ الأَفْرَاح، وفَارَقَهُ الهناءُ وخَسِرَ الأَرْبَاح، تَعالَ إلى لَذَّةِ الدُّنْيَا وَسَعَادَتِها، تَعَالَ إِلَى العَمَلِ الصَّالِحِ، تَعَالِ لِلَذَّةِ الصَّلاةِ, قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا بِلَالُ أَقِمْ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوودَ وَصَحْحَهُ الأَلْبَانِي.

الْوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ : انْظُروا أَيُّهَا النَّاسُ فِي هَؤُلَاءِ الحَجِيجِ الذِينَ جَاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق، مِنْ أقطَارِ الدُّنْيَا وَأَطْرَافِ الأَرْض، جَاءُوا مُلَبِينَ مُكَبْرِينَ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ ...، فَوَ اللهِ لَوْ دَعَاهُمْ مَلِكٌ أَوْ وَزِير أَوْ غَنِيٌّ أَوْ أَمِير، لَمَا جَاءُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الأَعْدَادِ وبِمِثْلِ هَذَا الإِقْبَال، وبِمِثْلِ هَذِهِ التَضْحِيَة، إِنَّهُمْ أَتَوْا لِهَذِهِ الدِّيارِ وَقَدْ بَذَلُوا الغَالِيَ وَالنَّفِيس، جَاءُوا بِقُلُوبٍ يَمْلَؤُهَا الشَّوْق، وَعُيُونٍ اغْرَوْرَقَتْ بِالدُّمُوعِ، فَمَا الذِي حَمَلَهُم عَلَى مَا يَفْعَلُونَ، ومَنِ الذِي دَعاَهُمْ لِمَا يَعْمَلُون؟ إِنَّهُ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ، {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، فَيَا مَنْ ابْتَعَدَّتَ عَنِ اللهِ، وَيَا مَنْ هَرَبَ مِنْ مَوَلاه، أَطِعْ رَبَّكَ وَإِلَّا فَوَ اللهِ لَنْ تَجِدَ لَكَ مَكَانًا مَعَ عِبَادِ اللهِ، فَاللهُ غَنِيٌّ عَنَّا، فَكَثِيرونَ مُقْبِلُونَ عَلَيْهِ، كَثِيرونَ يُطِيعُونَهُ فَيَمْتَثِلُونَ أَمْرَهُ وَيَجْتَنِبُونَ نَهْيَهُ وَهُمْ فَرِحِونَ مَسْرُورِونَ.

الْوَقْفَةُ الْخَامِسَةُ: اعْتَادَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْجِدِّ فِي مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ ثُمَّ الدَّعَةِ والْخُمُولِ بَعْدَ ذَلِكَ، بَلْ رُبَّمَا قَارَفَ بَعْضَ الْمَعَاصِي بِحُجِّةِ أَنَّهُ قَدَّمَ وَقَدَّمَ ، وَهَذَا أَمْرٌ لا يَنْبَغِي، بَل الْمُؤْمِنُ لا يَزَالُ مُسْتَمِرًا فِي طَاعِةِ اللهِ حَتَّى يَكَونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ إِنَّ الأَعْمَالَ بِالخَوَاتِيمِ، فَاحْذَرْ تَسْلَمْ، وَجِدَّ تَغْنَمْ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) مُتَّفَقٌ عَلِيْهِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرِّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ وَإِمَامِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيِّنَا مَحَمِّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْوَقْفَةَ السَّادِسَةَ: مَعَ تِلْكَ الْأَقْلَامِ الْمَأْجُورَةِ وَالْأَصْوَاتِ الْمَوْتُورَةِ الذِينَ لا يَزَالُونَ يُشَغِّبُونَ عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ حُكَّامًا وَمَحْكُومِينَ، حَتَّى صَارُوا يُرَدِّدُونَ عِبَارَةً يَتَعَجَّبُ الْعَاقِلُ مِنْهَا، فَيَقُولُونَ: أَيْنَ أَمْوَالُ الْحَجِّ يَا حُكُومَةَ السُّعُودِيَّة؟ وَهَؤُلاءِ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ مَقَولَةُ: الذِي يَهْذِي بِمَا لا يَدْرِي أَوِ الذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ.

وَأَقُولُ (أَوَّلًا) لَنْ نُخَاطِبَ أُولَئِكَ، لِأَنَّهُمْ حَاقِدُونَ مُغْرِضُونَ أَوْ جَهَلَةٌ مُعَانِدُونَ، وَإِنَّمَا نُخَاطِبُ الْعُقَلاءَ الذِينَ يَنْظُرُونَ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ، وَ(ثَانِيًا) نَرُدُّ عَلَيْهِمْ بِعِبَارَتَيْنِ، الأُولَى مُجْمَلَةٌ وَالثَّانِيَةُ مُفَصَّلَةٌ، فَأَمَّا الْمُجْمَلَةُ: فَوَ اللهِ لَوْ أَحْصَيْنَا مَا تُنْفِقُهُ الْمَمْلَكَةُ وَتَبْذُلُهُ لِخِدْمَةِ الْحَجِيجِ فَلَنْ يُسَاوِي وَاحِدًا بِالْمِائَةِ مِمَّا تَأْخَذُهُ مِنْهُمْ.

وَأَمَّا الْمُفَصَّلَةُ: فَلَوْ نَظَرْنَا إِلَى الْخَدَمَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ وَالتَّجْهِيزَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ الْمُتَطَوِّرَةِ لَرَأَيْنَا شَيْئًا يَدُعُو لِلْفَخْرِ وَالْإِعْجَابِ، وَلا يَمْلِكُ الْمَرْءُ حِيَالَهُ إِلَّا الدُّعَاءَ لِحُكَّامِ هَذِهِ الْبِلَادِ عَلَى مَا يَبْذُلُونَهُ لِخِدْمَةِ الْحُجَّاجِ وَالْعُمَّارِ وَالزُّوَّارِ لِبَيْتِ اللهِ الْعَتِيقِ, وَلِمَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ لا يُمْكِنُ أَنْ تَفِي بِتِلْكَ الْجَوَانِبِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَلا حَتَّى نَصْفَهَا، فَهَلْ نَتَكَلَّمُ عَنِ الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ أَوْ خَدَمَاتِ النَّقْلِ أَمِ الْخَدَمَاتِ الْإِرْشَادِيَّةِ أَوِ التَّوْعِيَةِ الْعِلْمِيَّةِ لِمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْفَتَاوَى الشَّرْعِيَّةِ؟ فَلَوْ تَكَلَّمْنَا عَنِ الْأَمْنِ الذِي يَتَلَقَّاهُ الْحَاجُّ مِنْذُ قُدُومِهِ حَتَّى مُغَادَرَتِهِ، فَالدَّوْلَةُ تَسْتَنْفِرُ جَمِيعَ أَجْهِزَتِهَا مِنْ رِجَالاتِ الشُّرْطَةِ وَالْمُرُورِ وَالْقُوَّاتِ الْخَاصَّةِ وَقُوَّاتِ الطَّوَارِئِ وَالدِّفَاعِ الْمَدَنِيِّ، وَتَوْظِيفِ السَّيَّارَاتِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، بَلْ وَطَائِرَاتِ الِْهيلِكُوبْتَرِ، وَالدُّرُونِ، وَغَيْرِهَا، لِأَجْلِ أَمْنِ الْحُجَّاجِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُبْذَلُ فِي سَبِيلِهِ الْمَلايِين، فَمَنْ الذِي يَدْفَعُهَا؟

أَيُّها الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا خَدَمَاتُ الرِّعَايَةِ الصِّحِيَّةِ فَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُحْصَى عَلَى وَجْهِ الدِّقَّةِ، لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ فَفِي عَامِ 1445 هِجْرِيَة فَقَدْ بَيَّنَتْ الْإِحْصَاءَاتُ أَنَّ هُنَاكَ 183 مُنْشَأَةً صِحِّيَّةً؛ مِنْهَا 32 مُسْتَشْفَى، و151 مَرْكَزًا صِحِّيًّا، و6 عِيَادَاتٍ مُتَنَقِّلَةً، مُوَزَعٌ عَلَيْهَا (32,000) كَادَرٍ طِبِّيٍّ وَإِدَارِيٍّ، مِنْ بَيْنِهِمْ 5000 طَبِيبٍ مِنْ مُخْتَلَفِ التَّخَصُّصَاتِ، يَعْمَلُونَ فِي إِطَارِ مَنْظُومَةٍ مُتَكَامِلَةٍ تَهْدِفُ إِلَى تَقْدِيمِ الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ الْفَوْرِيَّةِ وَالْفَعَّالَةِ لِلْحُجَّاجِ، وَالاسْتِجَابَةِ السَّرِيعَةِ لِأَيِّ طَارِئٍ عَلَى مَدَارِ السَّاعَةِ طِيلَةَ أَيَّامِ الْحَجِّ، وَالْغَالِبُ عَلَى الْحُجِّاجِ وَخَاصَةً مِنْ خَارِجِ السُّعُودِيَّةِ أَنَّهُمْ كِبَارُ سِنٍّ، وَمِثْلُ هَؤَلاءِ يَحْتَاجُونَ إِلَى رِعَايَةٍ صِحِّيَّةِ فِي الظُّرُوفِ الْعَادِيَّةِ، فَكَيْفَ بِظُرُوفِ الْحَجِّ مِنَ التَّعَبِ وَحَرَارَةِ الشَّمْسِ وَالتَّنَقُّلِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ مُنْذُ قُدُومِهِ حَتَّى مُغَادَرَتِهِ وَهُوَ تَحْتَ الرِّعَايَّةِ الصِّحِيَّةِ، بَلْ قَدْ وَفَّرَتِ الدَّوْلَةُ - أَيَّدَهَا اللهُ - سَيَّارَاتٍ لِنَقْلِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْحُجَّاجِ بَيْنَ الْمَشَاعِرِ لِئَلَّا يَفُوتَهُ الْحَجُّ، فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ عَاقِلٌ: أَيْنَ أَمْوَالِ الْحَجِّ؟

وَلَوْ نَظَرْنَا إِلَى الْخَدَمَاتِ فِي جَانِبِ الْمِيَاهِ لَرَأَيْنَا الْعَجَبَ، فَالْمَاءُ الْبَارِدُ مُوَفَّرٌ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ التِي يَمُرُّ بِهَا الْحَجِيجُ، فَمِنَى وَمُزْدَلِفَةُ وَعَرَفَاتٌ، مَمْلُوءَةٌ بِبَرَّادَاتِ الْمِيَاهِ التِي تَحْوِي الْمَاءَ الْمُحَلَّى الْمُعَقَّمَ، بَلْ وَالْبَخَّاخَاتِ تَرَاهَا مِنْ حَوْلِكَ تَرُشُّ رَذَاذَ الْمَاءِ الْبَارِدِ مِمَّا يُلَطِّفُ الْجَوَّ وَيَكْسِرُ حَرَارَةَ الشَّمْسِ عَلَى حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ، فَضْلًا عَنْ دَوْرَاتِ الْمِيَاهِ التِي بِالْمِئَاتِ حَوْلَ الْمَشَاعِرِ الْمُقَدَّسَةِ، وَالتِي فِيهَا الْمَاءُ النَّظِيفُ مُوَفَّرٌ بِشَكْلٍ دَائِمٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ لِتَأْسِيسٍ وَصِيَانَةٍ وَرِعَايَةٍ، وَبَعْضُهَا كَ(عَرَفَات) إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ يَوْمًا وَاحِدًا فِي الْعَامِ، وَمَعَ ذَلِكَ تَكُونُ لَهُ صِيانَةٌ دَوْرِيَّةٌ كُلَّ عَامٍ بِأَرْقَى أَنْوَاعِ الْأَدَوَاتِ الصِّحِّيَّةِ.

وَلِذَلِكَ لا نَمْلِكُ إِلَّا الدَّعَاءَ لِرَجَالاتِ الدَّوْلَةِ، فَأَجْرُهُمْ عَلَى اللهِ، وَجَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَنَسْأَلُ اللهُ أَنْ يَحْفَظَ أَمْنَ بِلادِنَا وَأَنْ يُسَلِّمَ وُلاةَ أَمْرِنَا وَأَنْ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، كَمَا نَسْأَلُهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرُدَّ كَيْدَ الْحَاقِدِينِ وَدَسَائِسَ الْخَائِنِينَ وَأَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّهُمْ وَأَنْ يَزِيدَ بِلَادَنَا مِنْ فَضْلِهِ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي فِيهَا مَعَادُنا، وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اَللَّهُمَّ اِنْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عنَّا الغَلَا والوَبَا وجَنِّبْنَا الرِّبَا والزِّنَا والزَّلَازِلَ والفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْها  وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى عبدِكَ وَرَسولِكَ محمدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ، وَالحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

المرفقات

1749649612_وَقَفَاتٌ سِتٌ بَعْدَ الْحَجِّ 17 ذِي الحِجَّةِ 1446 هـ.pdf

المشاهدات 991 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا