وَلَا تُسْرِفُوا (تعميم)
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عِبَادَ اللهِ :مَنْهَجٌ رَبَانِيٌ وَقَاعِدَةٌ حَيَاتِيةٌ تَتَمَثّلُ فِي هَذهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ قالَ اللهُ تَعَالى: " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " كَثِيرًا مَا تُصَابُ النُّفُوسُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَالْغِنَى بِالطُّغْيَانِ وَالْإِسْرَافِ وَسُوءِ الْمَسَالِكِ، وَهُوَ تَوْجِيهٌ غَيْرُ سَوِيٍّ لِنِعْمَةِ الْمَالِ الَّتِي اسْتَوْدَعَهَا اللهُ الْإِنْسَانَ وَاسْتَخْلَفَهُ فِيهَا، وَاسْتِرْسَالٌ فِي الْمُتَعِ وَاللَّذَّاتِ، وَاسْتِغْرَاقٌ فِي الِانْحِدَارِ وَالشَّهَوَاتِ ، قُالَ اللهُ تَعَالَى وَاصِفًا عِبَادَ الرَّحْمَنِ:(وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا) وَقالَ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلّمَ : «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ» أَيْ: مَا يُشْبِعُ الوَاحِدَ فَهُوَ قُوتُ الاثْنَيْنِ، وَمَا يُشْبِعُ الاثْنَيْنِ فَهُوَ قُوتُ الأَرْبَعَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْوَلِيمَةُ مِنَ الْمَالِ الْحَلالِ الطَّيِّبِ لا الْخَبِيثِ، يَقُولُ تَعَالَى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ، وَيَقولُ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلّمَ:«إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًاً » ومِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنْ تَصْرِفَ بَعْضُ الأُسَرِ لَدَى إِقَامَةِ وَلائِمِ الأَعْرَاسِ الأَمْوَالَ الطَّائِلَةَ، وَتَبْذُلَ لَهَا مَا هُوَ زَائِدٌ عَنِ الحَاجَةِ ، وَتَشْتَرِطُ بَعْضُ الأُسَرِ عَلَى الزَّوْجِ شُرُوطًا مُجْحِفَةً مِثْلَ إِقَامَةِ وَلِيمَةِ العُرْسِ فِي أَرْقَى الفَنَادِقِ أَوِ الْقَاعَاتِ الْفَخْمَةِ، وَلا تَسَـلْ عَنْ أَنْوَاعِ الأَطْعِمَةِ وَالأَشْرِبَةِ الَّتِي يَتِمُّ التَّخَلُّصُ مِنْهَا فِي أَمَاكِنِ الْقُمَامَةِ، وَيَتِمُّ تَرَاسُلُ صُوَرِ الْبَذَخِ الزَّائِدِ وَالسَّرَفِ غَيْرِ الْمَسْبُوقِ، لِمَوَائِدِ الأَعْرَاسِ وَالْحَفَلاتِ، عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجتِمَاعِيَّةِ، لِيَتْبَعَ ذَلِكَ تَأَلُّمُ قُلُوبِ الْبُسَطَاءِ وَالْـفُقَرَاءِ، وَتَوَالِي الْحَسَرَاتِ وَالزَّفَرَاتِ. ».
عِبَادَ اللهِ: المُسلِمُ يَعْـلَمُ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَيَحْرِصُ عَلَى وَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ، حَتَّى لا يَقَعَ فِيمَنْ يُبَدِّلُ نِعْمَةَ اللهِ (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وَالمُسلِمُ مُوقِنٌ بِأَنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْـفَقَهُ؟! وَأَنَّهُ مَتَى مَا أَخَذَ المَالَ مِنْ حِلِّهِ فَوَضَعَهُ فِي مَحَلِّهِ بَارَكَ اللهُ تَعَالَى لَهُ فِي مَالِهِ فَنَمَا مَالُهُ وَكَثُرَ، وَأَنَّهُ مَتَى تَعَامَلَ مَعَ المَالِ بِخِلافِ ذَلِكَ فَقَدْ خَسِرَ، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) فَأَوْلَى بِالمَالِ الَّذِي يَذْهَبُ فِي الإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ أَنْ يَكُونَ فِي جَوْفِ مِسْـكِينٍ أَوْ فَقِيرٍ أَوْ فِي عَمَلٍ خَيِّرٍ مُفِيدٍ ، وَمِثْلُ هَذِهِ الأَعْمَالِ لا تَعُودُ إِلاَّ بِإِثْقَالِ كَاهِلِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَاتِ البَاهِظَةِ، وَلَرُبَّمَا استَدَانَ لأَجْـلِهَا، فَيَبْدَأُ مَشْرُوعَ زَوَاجِهِ بِالدُّيُونِ، فَتَكونُ عَلَيْهِ هَمًّا بِاللَّيْـلِ وَذُلاًّ بِالنَّهَارِ ، وَإِنَّ أَحْوَالَ التَّرَفِ الزَّائِدِ هَذَا فِي الْوَلائِمِ وَالْمَوَائِدِ مِمَّا يُسَبِّبُ إِحْجَامَ الشَّبَابِ عَنِ الإِقْبَالِ عَلَى الزَّوَاجِ، لِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ صُوَرِ الْبَذَخِ الزَّائِدِ فَوْقَ الْحَاجَةِ، الَّذِي يَتَبَاهَى بَعْضُ النَّاسِ بِفِعْـلِهِ مَعَ تَكَالِيفِهِ الْمُرْهِقَةِ، وَهُوَ دَلِيلُ عَدَمِ الْوَعْيِ بِمَآلاتِ مِثْلِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ المُسْتَنْكَرَةِ.
الخطبة الثانية
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ، لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَكْرَهُ إِضَاعَةَ الْمَالِ، وَالسَّرَفَ وَالْمَخِيلَةَ فِي الْإِنْفَاقِ، وَوَضْعَ النِّعْمَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا،قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ».
المرفقات
1744780952_الولائم.docx