ولكن التوحيد لا بواكي له
الشيخ د طلال بن فواز الحسان
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الَّذي أرسلَ رسولَهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ ليُظهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ، وكفى باللهِ شهيدًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، إقرارًا بهِ وتوحيدًا، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا مزيدًا.
أمّا بعدُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
أيُّها المسلمونَ: خلقَ اللهُ الخلقَ لغايةٍ واحدةٍ بيَّنها في كتابِهِ فقالَ سبحانهُ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. فالتوحيدُ وإفرادُ اللهِ بالعبادةِ هو جوهرُ دينِ الإسلامِ ولبُّ الشريعةِ، وأصلُ الدِّينِ وأساسُهُ وأوَّلُ أركانِهِ، وهو جِماعُ الخيرِ، ولا تُقبَلُ حسنةٌ إلّا بهِ، والتوحيدُ هو أوّلُ دعوةِ الرُّسلِ وخُلاصتُها، ومن أجلِهِ بُعثوا، قالَ اللهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾.
وكلُّ آيةٍ في كتابِ اللهِ صريحةٌ فيهِ أو دالَّةٌ عليهِ، أو في واجباتِهِ أو ثوابِهِ أو في ضدِّهِ، وأوّلُ أمرٍ في القرآنِ الكريمِ الأمرُ بهِ، قالَ سبحانهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾، وهو حقُّ اللهِ على عبادِهِ، وأوّلُ واجبٍ عليهم، قالَ ﷺ لمُعاذٍ رضيَ اللهُ عنهُ: «فليكُن أوَّلَ ما تدعوهم إليه عبادةُ اللهِ». وأوّلُ ما يُسألُ عنهُ العبدُ في قبرِهِ: «من ربُّك؟» أي: من معبودُك؟ ولأهميَّتِهِ، ولكونِهِ لا طريقَ لرضا الربِّ إلّا بهِ، دعا إمامُ الحُنفاءِ لنفسِهِ ولذرِّيَّتِهِ بالثَّباتِ على التوحيدِ فقالَ: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾.
ودعا يوسفُ عليهِ السَّلامُ ربَّهُ فقالَ: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾. وهو وصيَّةُ المُرسَلينَ لذراريهِم ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
قالَ الشيخُ السَّعديُّ رحمهُ اللهُ مُبيِّنًا مكانةَ هذا التوحيدِ وعمقَ أثرِهِ: «وهو الَّذي خلقَ اللهُ الخلقَ لأجلِهِ، وشرعَ الجهادَ لإقامَتِهِ، وجعلَ الثَّوابَ الدُّنيويَّ والأخرويَّ لمن قامَ بهِ وحقَّقَهُ، والعقابَ لمن تركَهُ، وبهِ يحصلُ الفرقُ بينَ أهلِ السَّعادةِ القائمينَ بهِ وأهلِ الشَّقاوةِ التاركينَ لهُ، فعلى العبدِ أن يبذلَ جهدَهُ في معرفتِهِ وتحقيقِهِ والتَّحقُّقِ بهِ، ويعرِفَ حدَّهُ وتفسيرَهُ، ويعرِفَ حكمَهُ ومرتبتَهُ، ويعرِفَ آثارَهُ ومقتضياتِهِ، وشواهدهُ وأدلَّتَهُ، وما يقوِّيهِ وينمِّيهِ، وما ينقضُهُ ويُنقِصُهُ؛ لأنَّهُ الأصلُ الأصيلُ، لا تصحُّ الأصولُ إلّا بهِ، فكيفَ بالفروعِ؟». العملُ القليلُ معَ التوحيدِ مُضاعَفٌ، وبدونِهِ الأعمالُ الصَّالحةُ حابطةٌ وإن كانتْ أمثالَ الجبالِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. ولقد كانتْ حياةُ نبيِّنا ﷺ كلُّها نداءً للتوحيدِ، وصراعًا معَ الشركِ، وتحذيرًا من مسالكِهِ ودقائِقِهِ، فما من موقفٍ إلّا وشعَّ فيهِ نورُ «لا إلهَ إلّا اللهُ»، وما من تعليمٍ إلّا وكانَ غايتُهُ تنقيةُ القلبِ من شوائبِ التعلُّقِ بغيرِ اللهِ.
جاءَ شيخٌ أعرابيٌّ اسمُهُ الحُصينُ إلى النَّبيِّ ﷺ، فسألهُ النَّبيُّ: يا حُصينُ، كم إلهًا تعبُدُ؟ قالَ: سبعةٌ في الأرضِ وإلهٌ في السَّماءِ. قالَ: فإذا أصابكَ ضرٌّ من تدعو؟ قالَ: الَّذي في السَّماءِ. قالَ: فإذا هلكَ المالُ من تدعو؟ قالَ: الَّذي في السَّماءِ. قالَ: فيستجيبُ لكَ وحدَهُ وتُشرِكُهم معهُ؟ فاتركِ الَّذينَ في الأرضِ واعبُدِ الَّذي في السَّماءِ. فأسلمَ الحُصينُ. وكانَ نبيُّنا ﷺ غيورًا على حِمى التوحيدِ، حفيًّا بحفظِ حدودِهِ، دقيقَ النَّظرِ في الألفاظِ والنِّيَّاتِ، فلا يتركُ مجالًا للشركِ أن يتسلَّلَ إلى القلوبِ، ولا بابًا للرِّياءِ أن يُفتَحَ على النّاسِ. سمعَ النَّبيُّ ﷺ رجلًا يقولُ: ما شاءَ اللهُ وشِئتَ، فقالَ لهُ ﷺ: «أجعلتَني للهِ ندًّا؟ بل ما شاءَ اللهُ وحدَهُ». نعم، تلكَ دقَّةُ النَّبيِّ ﷺ في توجيهِ الأمَّةِ؛ ليبقى التوحيدُ صافيًا من كلِّ كدرٍ، والعبوديَّةُ خالصةً لا يشوبُها شائبةٌ. وسارَ الصَّحابةُ رضيَ اللهُ عنهم من بعدِهِ على هذا النَّهجِ المباركِ، يحمونَ حِمى التوحيدِ ويذودونَ عنهُ. فهذا الفاروقُ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ لمَّا استلمَ الحجرَ الأسودَ قالَ: «إنِّي لأعلمُ أنَّكَ حجرٌ لا تنفعُ ولا تضرُّ، ولولا أنَّي رأيتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقبِّلُكَ ما قبَّلتُكَ». وقالَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ لأبي الهيَّاجِ الأسديِّ: «ألا أبعثُكَ على ما بعثني عليهِ رسولُ اللهِ ﷺ؟ أن لا تدعَ تمثالًا إلّا طمستَهُ، ولا قبرًا مُشرِفًا إلّا سوَّيتَهُ». ثمَّ طالَ الأمدُ على من بعدَهم، وتتابعتِ الفتنُ، وعمَّ الجهلُ بالتوحيدِ وطمَّ، حتّى عادتِ الجاهليَّةُ الأولى في ثوبٍ جديدٍ؛ فتنةُ تعظيمِ القبورِ، والدُّعاءِ عندَها، والطَّوافِ بها، بل ودُعاءِ أصحابِها والاستغاثةِ بهم من دونِ اللهِ، وسؤالِهم كشفَ الكرباتِ وتحقيقَ الرَّغباتِ.
فقولوا لي بربِّكم: ماذا بقيَ للهِ؟ نعم، ولكنَّ التوحيدَ لا بواكيَ لهُ! أينَ الغيرةُ على جنابِ التوحيدِ وهو يُنتَهَكُ؟ أينَ الغيرةُ على حقِّ اللهِ العظيمِ وهو يُضاعُ؟ أينَ الغيرةُ ونحنُ نرى بعضَ مَن ينتسبونَ إلى الإسلامِ يطلبونَ الحاجاتِ من الموتى ويستغيثونَ بالقبورِ وأصحابِها؟ ويحَ النُّفوسِ الَّتي غفلتْ عن جوهرِ دينِها، وأنساها الشَّيطانُ أصلَ ملَّتِها، ونسيتْ أنَّ النَّجاةَ في التوحيدِ وإفرادِ العبادةِ للهِ وحدَهُ.
أقولُ قولي هذا ونحنُ نرى في هذهِ الأيّامِ أقوامًا يجاهرونَ ببدعِهم وشركيّاتِهم؛ يطوفونَ بالقبورِ، ويستغيثونَ بالأمواتِ، ويدعونَهم من دونِ اللهِ، ويهتفونَ بأسماءِ مَن لا يملكُ لهم ضرًّا ولا نفعًا، بل ويدافعونَ عن ضلالِهم، ويبرّرونَ شركيّاتِهم بشبهاتٍ باليةٍ وأقوالٍ باطلةٍ، ويتطاولونَ على دعاةِ التوحيدِ والسُّنَّةِ ويسخرونَ منهم. حينَ
ترى هذا المشهدَ الموجعَ تحزنْ أشدَّ الحزنِ، ويعتصرْ قلبُكَ ألمًا على هذهِ المناظرِ في بلادِ الإسلامِ. عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالتْ: «لمَّا نزلَ برسولِ اللهِ ﷺ طَفِقَ يطرحُ خميصَةً على وجهِهِ، فإذا اغتمَّ كشفَها، فقالَ وهو كذلكَ: لَعنةُ اللهِ على اليهودِ والنصارى؛ اتَّخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ، يُحذِّرُ ما صنعوا». وقالَ جُندبُ بنُ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهُ: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «ألا وإنَّ مَن كانَ قبلَكم كانوا يتَّخذونَ قبورَ أنبيائِهم وصالحيهم مساجدَ، ألا فلا تتَّخذوا القبورَ مساجدَ، إنِّي أنهاكم عن ذلك».
ومن المعلومِ أنَّ قبرَهُ ﷺ أفضلُ قبرٍ على وجهِ الأرضِ، وقد نهى عن اتّخاذِهِ عيدًا أو مسجدًا، فقبرُ غيرِهِ أولى بالنَّهي كائنًا مَن كانَ. وما أشبهَ الليلةَ بالبارحةِ! فها هم أقوامٌ يبعثونَ من رُكامِ القرونِ صدى الوثنيَّةِ البائدةِ، ويرفعونَ راياتِ الشِّركِ على أعتابِ القبورِ، ويهتفونَ بتلكَ الشُّبهةِ الَّتي نفثَها المشركونَ الأوَّلونَ: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾. فكأنَّكَ تسمعُ الأصواتَ نفسَها وإنْ تغيَّرتِ الألسنُ، وترى الطُّقوسَ ذاتَها وإنِ اختلفتِ الأزياءُ. لقد لُبِّسَ الباطلُ اليومَ أثوابًا جديدةً، وتجمَّلَ بألوانٍ براقةٍ، وتدثَّرَ بشعاراتٍ خادعةٍ، وما هو إلّا سرابٌ يخدعُ الأبصارَ! تتوجَّعُ القلوبُ لا لحالِ أولئكَ وحدَهم، بل لحالِنا نحنُ أيضًا، إذْ تركنا ميدانَ البلاغِ والدَّعوةِ، واشتغلنا بصغائرِ الأمورِ عن أعظمِ الواجباتِ. فواحسرتاهْ! أضاعَ قومٌ التوحيدَ الَّذي بهِ قامتِ السَّماواتُ والأرضُ، وأضاعَ آخرونَ الغيرةَ عليهِ والدِّفاعَ عنهُ، فهُجِرَتِ المحاريبُ الَّتي تُنكرُ الشِّركَ، وسكَتتِ المنابرُ الَّتي تذبُّ عن جنابِ التوحيدِ، فكانَ منَّا التَّفريطُ، ومنهمُ الغلوُّ، وضاعَ بينَ الطَّرفينِ صراطُ الحقِّ المستقيمِ.
أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ: ﵟوَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ 163 ﵞ.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ. أقولُ ما سمعتم، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشُّكرُ لهُ على توفيقِهِ وامتنانِهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمّا بعدُ:
عبادَ اللهِ، إنَّ أعظمَ ما أمرَ اللهُ بهِ التوحيدُ، وأعظمَ ما نهى عنهُ الشِّركُ، قالَ تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، وقالَ سبحانهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.
فيا أخي الغالي، توحيدُكَ هو أعزُّ ما تملكُ، ورأسُ مالِكَ الَّذي بهِ سعادتُكَ ونجاتُكَ، فلا تُغامِرْ بهِ لأجلِ شيخٍ أو طريقةٍ أو عادةٍ، ومن هداهُ اللهُ إلى التوحيدِ فليعضَّ عليهِ بالنَّواجذِ، وعليهِ أن يصونَ توحيدَهُ ممّا يُناقضُهُ أو يقدحُ فيهِ أو يُنقِصُهُ. ومن دعا غيرَ اللهِ، أو طافَ على قبرٍ، أو ذبَحَ لهُ، فقد خسِرَ أنوارَ التوحيدِ وفضائلَهُ، ولم تُقبَلْ لهُ طاعةٌ، وتعرَّضَ لنصوصِ الوعيدِ بالخُلودِ في النّارِ، ووقعَ في أعظمِ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ بهِ، ألا وهو الشِّركُ باللهِ. سُئلَ النَّبيُّ ﷺ: أيُّ الذَّنبِ أعظمُ؟ قالَ: «أن تجعلَ للهِ ندًّا وهو خلقَكَ». والتوحيدُ منَّةٌ منَ اللهِ عظيمةٌ، يهبُها لمن يشاءُ من عبادِهِ، وعلى المسلمِ أن يسعى لتحقيقِهِ في نفسِهِ وذرِّيَّتِهِ والأقربينَ من أهلِهِ ومن جميعِ النّاسِ. فقد كانَ من نهجِ الرُّسُلِ تعليمُهُ لأولادِهم وسؤالُهم عنهُ وهم في سكراتِ الموتِ، قالَ تعالى: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.
وكانَ النَّبيُّ ﷺ يُعلِّمُ غلمانَ الصَّحابةِ التعلُّقَ باللهِ وحدَهُ دونَ ما سواهُ، قالَ لابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُما: «يا غلامُ، إنِّي أُعلِّمُكَ كلماتٍ: احفظِ اللهَ يحفظكَ، احفظِ اللهَ تجدْهُ تُجاهكَ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِنْ باللهِ». ومن شكرِ نعمةِ التوحيدِ: دعوةُ الخلقِ إليهِ، والتحذيرُ من كلِّ آفةٍ تُنافي أصلَهُ أو كمالَهُ. ومن وسائلِ الثَّباتِ عليهِ: دعاءُ اللهِ بالثَّباتِ، وكانَ من دعاءِ الخليلِ عليهِ السَّلامُ: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾، وكانَ من دعاءِ نبيِّنا ﷺ: «اللهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ أن أُشركَ بكَ وأنا أعلمُ، وأستغفِرُكَ لما لا أعلمُ». أيُّها المسلمونَ: إنَّ عزَّ هذهِ الأمَّةِ لن يكونَ إلّا بالتوحيدِ، والأمَّةُ لن تُرفعَ إلّا بهِ، ولن تُنصرَ إلّا بهِ. قالَ تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾، ونصرُ اللهِ لا يكونُ إلّا بنصرةِ دينِهِ وتوحيدِهِ.
ألا وإنَّ من أشرفِ ما يتفضَّلُ اللهُ بهِ على عبدٍ من عبادِهِ، أن يجعلَهُ جنديًّا من جنودِ التوحيدِ، ولسانًا يصدعُ بالحقِّ في وجهِ الباطلِ، وقلمًا يخطُّ نورَ الهدايةِ في صحائفِ الظَّلامِ.
وإنَّ أكرمَ ميادينِ الحياةِ أن تُساقَ فيها إلى الدَّعوةِ إلى اللهِ، تُذكِّرُ الغافلينَ، وتوقظُ النّائمينَ، وتذبُّ عن جنابِ التوحيدِ الَّذي لأجلِهِ خُلِقَتِ الخليقةُ، وبُعثتِ الرُّسُلُ، وأُنزلتِ الكُتُبُ.
فما أعظمَها من منزلةٍ، وما أزكاها من مهمَّةٍ، ولو لم تكنْ إلّا بكلمةٍ تُقالُ بإخلاصٍ، أو رسالةٍ تُرسلُ بصدقٍ، أو دلالةٍ على علمٍ نافعٍ، أو درسٍ مسموعٍ، فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المحسنينَ.
فلا تزهدنَّ في معروفٍ تراهُ صغيرًا، فكم من كلمةٍ نزلتْ على قلبٍ ميّتٍ فأحياهُ اللهُ بها، وكم من تذكرةٍ خرجتْ من قلبٍ صادقٍ فهزَّتْ أمَّةً من سباتِها، وبدَّلتْ غفلةَ الليلِ فجرًا منَ الوعيِ والإيمانِ.
ثمَّ اعلموا أنَّ اللهَ أمرَكم بالصَّلاةِ والسَّلامِ على نبيِّهِ، فقالَ في مُحكَمِ التَّنزيلِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
المرفقات
1761225143_��ولكن التوحيد لا بواكي له�.docx
1761225144_��ولكن التوحيد لا بواكي له�.pdf