أهمية صلاة الجماعة

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-04-22 - 1446/10/24
عناصر الخطبة
1/أهمية أداء الصلوات الخمس في جماعة 2/فضائل صلاة الجماعة 3/خطورة ترك صلاة الجماعة 4/ حكم تارك الصلاة عمدًا 5/تعظيم قدر الصلاة.

اقتباس

فكلُّ مستخفٍّ بالصلاة مستهينٍ بها، فهو مستخفّ بالإسلام مستهينٌ به، وإنما حظهم في الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتُهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة"، فاعرف نفسك يا عبد الله، واعلم أن حظك من الإسلام، وقدْرَ الإسلام عندك بقدر حظك من الصلاة وقدْرِها...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الذي أعدَّ جنته لعباده المتقين، تفضلاً منه وكرمًا، وأعدّ ناره للمنافقين والكافرين جزاء وعدلاً، أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى، حافظوا على أداء الصلوات الخمس مع الجماعة في المساجد، فقد اتفق المسلمون: على أن الصلوات الخمس في المساجد جماعةً من آكد العبادات وأجل الطاعات، وأعظم القربات، بل وأعظمِ شعائر الإسلام، وأن تركها عمدًا من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وتارك الجماعة آثم ومتهم بالنفاق، قال -تعالى-: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)[القلم: ٤٢ – ٤٣]، ذكر -تعالى- هذا في معرض التفصيل عن أحوال المسلمين والمجرمين.

 

فالمجرمون تصير ظهورهم طبقًا واحدًا يوم القيامة، حين يُدْعَوْن إلى السجود، أما المسلمون فتلين ظهورهم بالسجود له -تعالى-، وذلك لما كانوا عليه في الدنيا من الانقياد له والطاعة، وقال -تعالى-: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)[المدثر: ٣٨ – ٤٣]؛ فمن صفات المجرمين التي ينالون بها العقوبة بدخول سقر: أنهم لم يكونوا من المصلين.

 

وقال ابن القيم -رحمه الله- في حكم تارك الصلاة عمدًا: "لا يختلف المسلمون: أن ترك الصلاة المفروضة عمدًا من أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله: أعظم من إثم قتل النفس، وأخذِ الأموال، ومن إثمِ الزنى والسرقة وشربِ الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه، وخزيه في الدنيا والآخرة".

 

وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "وقد جاء في الحديث: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، وقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يكتب إلى الآفاق: "إن من أَهمِّ أُمورِكم عندي الصلاة، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة".

 

قال الإمام أحمد: "فكلُّ مستخفٍّ بالصلاة مستهينٍ بها، فهو مستخفٌّ بالإسلام مستهينٌ به، وإنما حظهم في الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتُهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة"، فاعرف نفسك يا عبد الله، واعلم أن حظك من الإسلام، وقدْرَ الإسلام عندك بقدر حظك من الصلاة وقدْرِها عندك، واحذر أن تلقى الله ولا قدر للإسلام عندك.

 

عباد الله: عظِّموا هذه الشعيرة في الإسلام، وأدُّوها مع الجماعة في المساجد بخشوع وطمأنينة، واعلموا -رحمكم الله- أن المتخلف بدون عذر آثم ومتَّهم بالنفاق، ففي السنن أن ابن أُمِّ مكتوم -رضي الله عنه-، قال: يا رسول الله: إني رجلٌ شاسعُ الدار، وإن المدينة كثيرةُ الهوام ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال: "هل تسمع النداء؟" قال: نعم، قال: "لا أجد لك رخصة".

 

 وعن ابن مسعود -رضي الله عنه-، قال: "من سرّه أن يلقَ الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهنّ، فإن الله -تعالى- شرع لنبيكم -صلى الله عليه وسلم- سُنَنَ الهدى، وإنهنّ من سُنَنِ الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضَلَلْتُم، وما من رجلٍ يتطهر فيحسن الطُّهُورَ، ثم يعمد إلى مسجدٍ من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خُطْوةٍ يخطوها حسنةً، ويَرفَعُه بها درجة، ويحطُّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف".

 

وفي رواية "لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض، إن كان الرجل يمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة"، وقال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علّمنا سُنَنَ الهدى، وإن من سُنّنِ الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه".

 

معشر المسلمين: وحيث إن التخلف خطر عظيم، فبادروا -رحمكم الله- بالحضور إلى الصلاة مع الجماعة في جميع الأوقات، برغبة ومحبةٍ لطاعة الله، ورجاءٍ لثوابه وخوفٍ من عقابه، فإنكم إذا كنتم كذلك فستكون سهلة عليكم وميسرة، وأحرى للقبول، قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة: ٤٥ – ٤٦].

 

اللهم اجعلنا من الخاشعين في صلاتهم، المحافظين عليها، الموقنين للقاء الله وثوابه، الخائفين من عقابه، ولا تجعلنا من المضيعين لها المتبعين لشهواتهم وأهوائهم، فقد توعدهم -تعالى- بالغي، الذي هو الخسران، وقيل وادٍ في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)[مريم: ٥٩ – ٦٠]، بارك الله...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الكريم المنان، يمن على من يشاء بالهداية للإيمان، ويضل الظالمين بسبب ما يقترفونه من الكبر والظلم والطغيان، قال -تعالى-: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)[الصف: ٥]، عدلاً منه وعرفان.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المستحق للخضوع والذل بين يديه، فما أكثر ما يمن به علينا من فضل وإحسان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فإن من المؤلم والمؤسف أن تحصل مخالفةٌ ظاهرةٌ ممن ينتسب إلى الإسلام، يعلمها المرتادون المساجد، ويعلمها الأهل والجيران، ألا يؤلمنا من هو بين أظهرنا متلبسًا بما توعد الله عليه بالنيران؟ ألا يؤلمنا من يجر علينا العقوبة والفضيحة بالتخلف، والعصيان؟

 

أين من كان يشهد صلاة العشاء والفجر في رمضان، بل وغيرهما من الصلوات؟ أيخشى من البرد؟ فبرد زمهرير أشد، أم يحب النوم؟ فالجنة لا ينام طالبها، والنار لا ينام هاربها، أيرضى لنفسه أن يكون ممن ثقلت عليهم الصلاة؟ ألا يطمع في فضل الصف الأول فيسابق إليه، وفي فضل الصلاة مع الجماعة فيبادر إليها؟

 

عن أبي بن كعب -رضي الله عنه-، قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا صلاة الصبح فقال: "أشاهد فلان؟" قالوا: لا، قال: "أشاهد فلان؟"، قالوا: لا، قال: "إن هاتين الصلاتين: أثقل الصلوات على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل: أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وكلًّ ما كثر فهو أحب إلى الله -عز وجل-".

 

معشر المسلمين: ماذا يبقى من دين المسلم إذا ترك صلاته؟! وماذا ينال من مذمة إذا تخلف عن الجماعة؟! وماذا ينفعه إذا تبع هواه وشيطانه؟! وماذا علينا في ترك إعانته على تقوى الله، وابتغاء مرضاته وجنته، وهل نحن سالمون منه؟ وما ألمنا حين ينتقل إلى ما هو متوعد به من عذاب الله ونقمته.

 

اللهم اشرح صدورنا للإسلام، واجعلنا من المتعاونين على طاعتك ابتغاء رضوانك وجنتك، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life