عناصر الخطبة
1/فضل الصحابة الكرام 2/أفضل الصحابة العشرة المبشرون بالجنة 2/فضائل عبد الرحمن بن عوف 4/ثناء الصحابة عليه 5/أغنياء الصحابة 6/إنفاق عبد الرحمن بن عوف في سبيل الله.اقتباس
سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.. تصدَّق بشطر ماله على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأوصى لمن شهد بدرًا بأربعمائة دينار، فكانوا مائة حين أهداهم؛ مع أن الغزوة حينها كانت قبل ثلاثين عامًا، وأعتق ثلاثين ألف نسمة...
الخطبةُ الأولَى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: أيها المسلمون: الصحابة -رضي الله عنهم- نالوا شرف الصحبة، وعاصروا تنزُّل الوحي؛ فلهم -رضي الله عنهم- سابقُ إيمانٍ وتصديقٍ، ونصرةٍ وبذلٍ وتضحيةٍ، وتعلمٍ وتعليمٍ، ودعوةٍ وجهاد، وقد جاءت آيات كثيرة في فضلهم -رضي الله عنهم-؛ قال -تعالى-: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)[الفتح: 18].
وفي فضلهم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"(رواه البخاري)، وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "فكل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة من الإيمان والإسلام، والقرآن والعلم، والمعارف والعبادات، ودخول الجنة، والنجاة من النار، وانتصارهم على الكفار، وعلو كلمة الله، فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة، الذين بلَّغوا الدين، وجاهدوا في سبيل الله، وكل مؤمن آمن بالله فللصحابة -رضي الله عنهم- عليه فضل إلى يوم القيامة".
وأفضل الصحابة وخيرُ هذه الأمة: صاحبُه الأخصُّ أبو بكر، ثم عمرُ الفاروق، ثم عثمانُ ذو النورين، ثم عليٌّ -رضي الله عنهم-، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر وأحد، وأفضل الصحابة -رضي الله عنهم- إجمالاً المهاجرون، فالله قدَّم ذِكْرهم على الأنصار في كتابه الكريم، وكان منهم الخلفاءُ الراشدون، والعشرة المبشرون بالجنة.
ومن هؤلاء العشرة: عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، واسمه: عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي، وُلِدَ بعد عام الفيل بعشر سنوات، وكان اسمه عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة؛ فلما أسلم سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- عبدالرحمن، وهو أحد الستة أصحاب الشورى، الذي أخبر عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي وهو راضٍ عنهم.
أسلم عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قديمًا على يد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، ويعد أحد الثمانية الذين سبقوا بالإسلام، مروياته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرابة الستين حديثًا، أسلم قديمًا وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا والمشاهد، وجُرح في غزوة أحد واحدًا وعشرين جرحًا، بعضها في رجله حتى صار به من أثرها عَرج.
ذو رأي سديد ومما قال فيه عمر: "فإن تباينت الآراء في أهل الشورى فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف"، وقال عند قرب أجله واختيار أهل الشورى من يخلفه في الخلافة: "ونعم ذو الرأي عبدالرحمن بن عوف، مُسدَّد رشيد، له من اللّه حافظ، فاسمعوا منه"، وقال عنه أيضًا: "عبدالرحمن سيد من سادات المسلمين"، واستخلفه عمر -رضي الله عنه- على الحج سنة توليه الخلافة سنة 23هـ.
وصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- خلفه في سفره ركعة من صلاة الصبح في تبوك، وأخذ عمر بقوله حين أرجع الناس ولم يدخل الشام من أجل الطاعون، وأخذ الجزية من المجوس.
آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع، وقال مقولته الشهيرة: "دلوني على السوق"، فدلّوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثم تتابع الغدو، وجاء يومًا كما في البخاري وبه أثر صفرة -عطر-؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- مهيم؟ قال: تزوجت. قال: "كم سقت إليها؟" قال: نواة من ذهب، أو وزن نواة من ذهب"، وفي رواية للصحيحين قال: "فبارك الله لك، أَوْلِمْ ولو بشاة".
وفّقنا الله وإياكم لفعل الطاعات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
عباد الله: أغنياء الصحابة -رضي الله عنهم- ثلاثة، وكلهم مهاجرون: أبو بكر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنهم-؛ قال عبد الرحمن عن نفسه: "فلقد رأيتني ولو رفعت حجرًا رجوت أن أصيب تحته ذهبًا أو فضةً".
وكانوا يقولون: "أهل المدينة عيالٌ على عبدالرحمن بن عوف: ثلث يُقرضهم ماله، وثلث يَقضي دَيْنهم، ويصل ثلاثًا، كان -رضي الله عنه- ينفق على أمهات المؤمنين بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانت عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- تقولان: "اللهم اسق عبدالرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة".
وأوصى لهن بحديقة بيعت بأربع مائة ألف، وكان يحرسهن في الحج، وينزل بهن في الشعب الذي ليس له منفذ؛ قال الزبير بن بكار: "كَان عبدالرحمن بن عَوْف أَمِينَ رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- على نسائه"؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- "لا يحنو عليكن من بعدي إلا الصابرون"، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
تصدَّق بشطر ماله على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأوصى لمن شهد بدرًا بأربعمائة دينار، فكانوا مائة حين أهداهم؛ مع أن الغزوة حينها كانت قبل ثلاثين عامًا، وأعتق ثلاثين ألف نسمة؛ قاله الإمام الذهبي -رحمه الله-.
ومن أفضل أعمال عبد الرحمن: عزله نفسه من الأمر وقت الشورى، واختياره للأمة من أشار به أهل الحلّ والعقد؛ فنهض في ذلك أتمَّ نهوض على جمع الأمَّة على عثمان، ولو كان محابيًا فيها، لأخذها لنفسه، أو لولاها ابن عمّه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص.
توفي -رضي الله عنه- في المدينة عام 32 هـ، ودفن في البقيع وعمره 75 عامًا.
هذه مقتطفات من حياته -رضي الله عنه-، ليس المراد منها سرد أحداثها فقط، وإنما لأخذ العبرة والفائدة منها.
رزقنا الله وإياكم محبتهم، والتأسي بسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-
صلوا وسلموا على البشير النذير...
التعليقات