عناصر الخطبة
1/حاجات المراهق وارتباطها بالجانب الفطري 2/الحاجات الإيمانية والعقلية والعلمية والدعوية للمراهقين 3/ثمار تلبية احتياجات المراهق وأضرار التقصير فيها 4/حث المربين على تلبية حاجات المراهقيناقتباس
إِنَّ التَّفْرِيطَ فِي تَلْبِيَةِ حَاجَاتِ الشَّبَابِ يَنْتُجُ عَنْهُ أَضْرَارٌ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الشَّبَابُ صَيْدًا سَهْلًا لِأَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ، تَجُرُّهُ الشُّبُهَاتُ، وَيَنْحَرِفُ مَعَ الشَّهَوَاتِ، وَيَغْرَقُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَيَتَأَذَّى مِنْهُ أَهْلُهُ وَمُجْتَمَعُهُ، وَيُصْبِحُ عَالَةً عَلَى غَيْرِهِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
مَعْشَرَ الْمُرَبِّينَ: إِنَّ مِنْ مَرَاحِلِ الْعُمُرِ الَّتِي يَنْبَغِي شِدَّةُ الِاهْتِمَامِ بِهَا مَرْحَلَةَ الْمُرَاهَقَةِ؛ حَيْثُ تَتَطَلَّبُ عِنَايَةً خَاصَّةً مِنَ الْمُرَبِّينَ؛ نَظَرًا لِمَا يَتَطَلَّبُهُ الْمُرَاهِقُ مِنْ حَاجَاتٍ يَسْعَى إِلَى تَحْقِيقِهَا، إِشْبَاعًا لِلتَّغَيُّرَاتِ الَّتِي تَطْرَأُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الْعُمْرِيَّةِ، وَالَّتِي تُعَدُّ مِنْ أَخْطَرِ مَرَاحِلِ الْعُمُرِ، وَمِنَ الْمُهِمِّ أَنْ يُحْسِنَ الْمُرَبُّونَ التَّوَاصُلَ مَعَ الْمُرَاهِقِينَ، وَالتَّوْجِيهَ الْإِيجَابِيَّ لَهُمْ فِيمَا يَحْتَاجُونَهُ مِنْ مُتَطَلَّبَاتٍ تَقْتَضِيهَا هَذِهِ الْفَتْرَةُ الْعُمْرِيَّةُ، تَنْسَجِمُ مَعَ تَكْوِينِهِمُ الْجَسَدِيِّ وَالْفِطْرِيِّ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ -تَعَالَى- حَيَاةَ الْإِنْسَانِ عَلَى مَرَاحِلَ؛ (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)[الرُّومِ: 54]، وَكُلُّ مَرْحَلَةٍ لَهَا حَاجَاتُهَا وَمُتَطَلَّبَاتُهَا الَّتِي تُنَاسِبُهَا.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ الْحَاجَاتِ الْفِطْرِيَّةِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الْإِنْسَانُ فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ حَيَاتِهِ وَلَاسِيَّمَا مَرْحَلَةُ الْمُرَاهَقَةِ، حَاجَتُهُ الْإِيمَانِيَّةُ؛ فَغِذَاءُ الرُّوحِ الْإِيمَانُ، وَشَبَابٌ بِلَا إِيمَانٍ أَجْسَادٌ بِلَا أَرْوَاحٍ، شَرُّهُمْ كَثِيرٌ، وَخَيْرُهُمْ قَلِيلٌ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي يُسَبِّبُهَا الشَّبَابُ وَتُعَانِي مِنْهَا الْمُجْتَمَعَاتُ سَبَبُهَا ضَعْفُ الْإِيمَانِ فِي نُفُوسِهِمْ.
وَإِنَّ مِنْ أُولَى مُهِمَّاتِ الْمُرَبِّينَ التَّرْبِيَةَ الْإِيمَانِيَّةَ لِلْمُرَاهِقِينَ، أَنْ نَرْبُطَهُمْ بِاللَّهِ -تَعَالَى-، وَنَغْرِسَ فِي نُفُوسِهِمْ مَحَبَّتَهُ وَالْخَوْفَ مِنْهُ وَمُرَاقَبَتَهُ، وَنَتَعَاهَدَهُمْ بِمَا يُقَوِّي الْإِيمَانَ فِي نُفُوسِهِمْ، خَاصَّةً فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي نَعِيشُهَا، وَالَّتِي تَشْهَدُ انْفِتَاحًا إِعْلَامِيًّا كَبِيرًا، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الْإِيمَانَ يَخْلَقُ فِي الْقُلُوبِ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ؛ فَجَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَمِنَ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي تَلْبِيَتُهَا لِلْمُرَاهِقِينَ الْحَاجَةُ الْعَقْلِيَّةُ؛ فَإِنَّ مِمَّا تَتَمَيَّزُ بِهِ فَتْرَةُ الْمُرَاهَقَةِ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ وَالِاسْتِدْلَالَ وَحُبَّ الِانْفِرَادِ بِالرَّأْيِ، حَيْثُ يَبْدَأُ الْمُرَاهِقُونَ فِي طَرْحِ الْأَسْئِلَةِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ وَالْبَحْثِ عَنْهَا، وَمَعَ الِانْفِتَاحِ الْإِعْلَامِيِّ الَّذِي نَعِيشُهُ، وَمَا يَبُثُّهُ أَعْدَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ سُمُومٍ وَشُبُهَاتٍ فِكْرِيَّةٍ تَسْتَهْدِفُ عُقُولَ النَّاشِئَةِ، يَتَحَتَّمُ عَلَيْنَا تَحْصِينُ شَبَابِنَا مِنْ لَوْثَاتِ الْأَفْكَارِ الْمُنْحَرِفَةِ وَالْإِلْحَادِ، وَالتَّمَرُّدِ عَلَى شَرِيعَةِ اللَّهِ، وَالتَّشْكِيكِ فِي ثَوَابِتِ الدِّينِ وَأُصُولِهِ.
وَمِنَ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَتَطَلَّبُهَا الْمُرَاهِقُونَ فِي هَذِهِ السِّنِّ الْحَاجَةُ الْعِلْمِيَّةُ؛ فَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ فَرَاغٌ يَنْبَغِي مَلْؤُهُ بِمَا يَنْفَعُ وَيُفِيدُ، وَيَحْسُنُ بِنَا أَنْ نُوَجِّهَ شَبَابَنَا فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ إِلَى الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، فَلَيْسَ أَضَرَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَهْلِ بِدِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، قَالَ -تَعَالَى-: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الزُّمَرِ: 9].
وَإِنَّ أَهَمَّ الْعُلُومِ الْعِلْمُ بِالشَّرِيعَةِ؛ لِيَعْرِفَ الشَّابُّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ، فَـ"طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).
وَبِالْعِلْمِ يَعْرِفُ الْمَرْءُ حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ وَحَقَّ وَالِدَيْهِ وَحَقَّ الْآخَرِينَ وَوَاجِبَاتِهِ تُجَاهَ وَطَنِهِ وَمُجْتَمَعِهِ، وَتَحْصُلُ بِهِ السَّعَادَةُ فِي الدَّارَيْنِ، يَقُولُ الْغَزَالِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَالصَّبِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ، فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ، وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إِهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ، وَصِيَانَتُهُ بِأَنْ يُؤَدِّبَهُ وَيُهَذِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ".
وَكَفَى فَخْرًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّهَ رَفَعَ قَدْرَهُمْ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[الْمُجَادَلَةِ: 11]، قَالَ رَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ؛ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْخَيْرَ"(صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ).
عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنَ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الشَّبَابُ الْحَاجَةُ الدَّعَوِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ سَمَاعَ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ مُؤَثِّرَةٍ، تَخْرُجُ مِنْ قَلْبٍ مُشْفِقٍ فَتَصِلُ إِلَى قُلُوبِهِمْ، يَحْتَاجُونَ مَنْ يَأْخُذُ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- وَيَدُلُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ، وَيُخْرِجُ كَثِيرًا مِنْهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ شَقَاءِ الشَّهَوَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، يَحْتَاجُونَ نِدَاءً أَبَوِيًّا حَانِيًا: (يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا)[هُودٍ: 42]، فَلَا يُتْرَكُونَ فِي أَوْدِيَةِ الضَّلَالِ يَتِيهُونَ، وَفِي مُسْتَنْقَعِ الْبَاطِلِ يَغْرَقُونَ، لَا بُدَّ أَنْ نَمُدَّ لَهُمْ يَدَ الْعَوْنِ وَحَبْلَ النَّجَاةِ، وَفِي شَبَابِنَا خَيْرٌ كَثِيرٌ يَنْتَظِرُ نِدَاءً إِيمَانِيًّا لِيَسْتَجِيبَ لَهُ فَيَسْلُكَ سَبِيلَ الْمُهْتَدِينَ.
إِنَّ الشَّبَابَ وَإِنْ أَشْفَوْا عَلَى خَطَرٍ *** فَإِنَّهُمْ لِنِدَاءِ الْخَيْرِ سُرْعَانُ
لَهُمْ قُلُوبٌ إِذَا مَا النُّصْحُ لَامَسَهَا *** رَقِيقَةٌ، وَبِهَا لِلْحَقِّ إِذْعَانُ
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِاسْتِجَابَةِ الْمُرَبِّينَ فِي تَلْبِيَةِ حَاجَاتِ الْمُرَاهِقِينَ مَنَافِعَ كَثِيرَةً، يَنْتَفِعُونَ بِهَا، وَيَسْتَظِلُّونَ فِي ظِلَالِهَا، وَمِنْهَا:
أَنَّ فِي صَلَاحِ الشَّبَابِ صَلَاحًا لِلْمُجْتَمَعَاتِ؛ فَأَطْوَلُ مَرْحَلَةٍ عُمْرِيَّةٍ هِيَ مَرْحَلَةُ الشَّبَابِ، تَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ عُمْرِ الْإِنْسَانِ تَقْرِيبًا، نَاهِيكَ أَنَّ تَرْكِيزَ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ لِإِفْسَادِهِمْ، فَإِذَا صَلُحُوا كَثُرَ خَيْرُهُمْ وَقَلَّ شَرُّهُمْ، وَكَانُوا نَفْعًا لِأَنْفُسِهِمْ وَلِأَوْطَانِهِمْ وَلِمُجْتَمَعَاتِهِمْ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ..."(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ تِلْكَ الثَّمَرَاتِ: أَنَّهُ مَتَى تَسَلَّحَ الشَّبَابُ بِالْعِلْمِ عَرَفُوا وَاجِبَاتِهِمْ وَأَصْبَحُوا أَكْثَرَ وَعْيًا بِمَا يُحَاكُ ضِدَّهُمْ؛ لِإِفْسَادِ أَخْلَاقِهِمْ وَتَشْكِيكِهِمْ فِي دِينِهِمْ، وَأَصْبَحَتْ لَدَيْهِمْ حَصَانَةٌ تَقِيهِمْ شَرَّ الْأَفْكَارِ الْمُنْحَرِفَةِ، وَالتَّيَّارَاتِ الضَّالَّةِ، وَانْصَرَفُوا إِلَى مَا يَنْفَعُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ التَّفْرِيطَ فِي تَلْبِيَةِ حَاجَاتِ الشَّبَابِ يَنْتُجُ عَنْهُ أَضْرَارٌ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الشَّبَابُ صَيْدًا سَهْلًا لِأَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ، تَجُرُّهُ الشُّبُهَاتُ، وَيَنْحَرِفُ مَعَ الشَّهَوَاتِ، وَيَغْرَقُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَيَتَأَذَّى مِنْهُ أَهْلُهُ وَمُجْتَمَعُهُ، وَيُصْبِحُ عَالَةً عَلَى غَيْرِهِ.
إِنَّ خَاوِيَ الْإِيمَانِ جَسَدٌ بِلَا رُوحٍ؛ (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)[الْأَنْعَامِ: 122]، لَا يَرْدَعُهُ رَادِعٌ وَلَا يَنْزَجِرُ لِزَاجِرٍ؛ "لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ".
وَمِنْ أَضْرَارِ التَّفْرِيطِ فِي تَلْبِيَةِ حَاجَاتِ الْمُرَاهِقِينَ: اسْتِيلَاءُ الْفَرَاغِ الْقَاتِلِ عَلَيْهِمْ؛ فَالْفَرَاغُ فِي هَذَا السِّنِّ مُضِرٌّ، فَمِنَ الْفَرَاغِ تَتَوَلَّدُ الْأَفْكَارُ السَّيِّئَةُ، وَتَنْتُجُ عَنْهُ الشُّرُورُ الْكَثِيرَةُ، فَالْوَقْتُ إِنْ لَمْ يُشْغَلْ بِالْخَيْرِ يُشْغَلْ بِالْبَاطِلِ، وَمَا أَكْثَرَ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تَضِيعُ فِي التَّفَاهَاتِ وَالسَّفَاهَاتِ!.
إِنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَةْ *** مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَةْ
أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: مَا شَكَاوَى الْآبَاءِ مِنْ أَذِيَّةِ أَبْنَائِهِمُ الْمُرَاهِقِينَ وَانْتِشَارِ الْعُقُوقِ، وَكَثْرَةِ مَظَاهِرِ الِانْحِرَافِ فِي هَذَا السِّنِّ إِلَّا صُورَةٌ لِلتَّفْرِيطِ فِي تَلْبِيَةِ حَاجَاتِهِمْ بِالطُّرُقِ الْمَشْرُوعَةِ، وَعَدَمِ التَّوْجِيهِ الصَّحِيحِ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الْعُمْرِيَّةِ، فَلَا تَنْسَوْا -مَعْشَرَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْمُعَلِّمِينَ وَالْمُعَلِّمَاتِ وَالْمُرَبِّينَ- حَاجَاتِ أَبْنَائِكُمُ الْمُرَاهِقِينَ وَلَا تُهْمِلُوهَا.
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِي صَلَاحِهِمْ نَفْعًا لَهُمْ وَلَكُمْ، وَخَرَابُهُمْ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْكُمْ، فَأَعِينُوهُمْ يَكُونُوا لَكُمْ ذُخْرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّ سَعَادَةَ الْمَرْءِ فِي سَعَادَةِ أَبْنَائِهِ؛ وَعَلَيْكُمْ أَنْ تَلْزَمُوا دُعَاءَ: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الْفُرْقَانِ: 74].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات