عناصر الخطبة
1/الاستعاذة بالله من عوارض الدنيا 2/الشر المستعاذ منه نوعان 3/النهي عن الحزن 4/الاستعاذة من العجز والكسل 5/أشياء استعاذ منها رسول الله.اقتباس
استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن عن المكارم والبخل لما فيه من إمساك المال، وضلع الدين وغلبة الرجال، ومجموعها يؤدي إلى الهموم والأحزان وضعف القلب والكسل عن الطَّاعات والخيرات والأعمال الصالحة، فتحصل له الخسارة في عمره وعمله.
الخطبةُ الأولَى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]؛ أما بعد:
أيها الإخوة: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من عوارض الدنيا؛ كالأمراض والأسقام؛ فقال: "اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام، ومن سيئ الأسقام"(رواه أبو داود)، ويستعيذ بالله من أحوال بعد الموت؛ كفتنة القبر ومن النار.
والشر المستعاذ منه نوعان؛ قال ابن القيم -رحمه الله- في بيانها: "أحدهما موجود يطلب رفعه، والثاني: معدوم يطلب بقاؤه على العدم وألا يوجد، كما أن الخير المطلق نوعان: أحدهما موجود فيطلب دوامه وثباته وأن لا يسلبه، والثاني: معدوم فيطلب وجوده وحصوله".
والمسلم يسأل الله ويرغب فيما عنده في كل ما ينزل به من حاجاته، وكان من جملة ما يستعيذ بالله منه أحوال تحصل للعبد؛ قال أنس -رضي الله عنه-: كنت أسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدَّين، وغلبة الرِّجال"(رواه البخاري).
ومعنى الاستعاذة: أي: يا الله، التجئ إليك مما أخافه وأحاذره؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، ومعنى: الحزنَ هو الغمّ على الفائت، والهمَّ يكون لأمرٍ مُستقبلٍ، فاستعاذ من الهمِّ والحزن، وهذا يدلّ على أنَّ ذلك شديد، وأنَّ المؤمن ينبغي أن يتوقَّاه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وأما الحزن فلم يأمر الله به ولا رسوله؛ بل قد نهى عنه في مواضع وإن تعلق بأمر الدين؛ كقوله -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 139]، وقوله: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)[النحل: 127]، وقوله: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التوبة: 40]، وقوله: (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ)[يونس: 65]، وقوله: (لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)[الحديد: 23]".
وأمثال ذلك كثير -عباد الله- وذلك لأنه لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة فلا فائدة فيه وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به.
قال ابنُ القيم -رحمه الله-: "والمقصود أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-جعل الحزنَ مما يُستعاذ منه؛ وذلك لأنَّ الحزنَ يُضعف القلب، ويُوهِن العزم، ويضرّ الإرادة، ولا شيء أحبّ إلى الشيطان من حزن المؤمن فتتكدر عليه حياته، ولذلك نفى الله -تبارك وتعالى- عن أهل الجنة الحزنَ؛ فإذا دخلوها قالوا: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)[فاطر: 34]".
والهم والحزن يخل بصحة البدن الظاهرة والباطنة، ولذا قال الله عن يعقوب -عليه السلام-: (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)[يوسف: 84]، والعاقلَ ينبغي عليه أن يطرح الفائت، وأن يدع المستقبل لله؛ فقد يقع، وقد لا يقع، وقد يُدرك، وقد لا يُدرك.
ومما استعاذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم- "العجز والكسل"؛ فالعجز: هو عدم القُدرة على الخير، وهو ترك ما أمر به، وأمَّا الكسل فهو التثاقل عن أداء الخير، وقلّة الرغبة فيه، مع القدرة عليه؛ فالكسل يثنيه عن أداء العمل؛ قال الله عن المنافقين: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى)[النساء: 142].
واستعاذ منهما النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنهما يمنعان من أداء الحقوق والمسارعة إلى الخيرات؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: "العجز والكسل قرينان؛ وهما من أسباب الألم لأنهما يستلزمان فوات المحبوب؛ فالعجز يستلزم عدم القدرة والكسل يستلزم عدم إرادته؛ فتتألم الروح لفواته بحسب تعلقها به والتذاذها بإدراكه لو حصل".
ومما استعاذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "البُخل والجبن"، استعاذ النبي منهما لأنهما صفتان ذميمتان؛ فالبخل منع ما يجب على المرء أداؤه، والجبن التهيب من الأشياء والتأخر عن فعلها، وضد البخل الكرم، وهو باعث للإنفاق والبذل ومكارم الأخلاق، وضد الجبن الشجاعة، وهي قولية وفعلية، فبها تقوم العبادات وينصر بها المظلوم؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: "والجبن والبخل قرينان، لأنهما عدم النفع بالمال والبدن، وهما من أسباب الألم لأن الجبان تفوته محبوبات ومفرحات وملذات عظيمة لا تنال إلا بالبذل والشجاعة، والبخل يحول دونها -أيضًا-؛ فهذان الخلقان من أعظم أسباب الآلام".
ومما استعاذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ضلع الدَّين، وغلبة الرِّجال"؛ الضّلع بمعنى: ثقل الدَّين وشدّته؛ وذلك حين لا يجد ما يُوفي به الغُرماء، وأصل الضّلع: الاعوجاج والميل، فكأنَّه يُثقله حتى يمشي ثقيلاً.
"وغلبة الرِّجال" يعني: قهر الرِّجال، وشدّة تسلط الرِّجال عليه، والمقصود هنا على سبيل الظلم والعدوان، وأنَّ غلبةَ الرجال ممن لهم حقٌّ في دَينٍ، ونحوه؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: "ضلع الدين وقهر الرجال قرينان، وهما مؤلمان للنفس معذبان لها؛ أحدهما: قهر بحق وهو ضلع الدين، والثاني: قهر بباطل وهو غلبة الرجال، وأيضًا فضلع الدين قهر بسبب من العبد، وغلبة الرجال قهر بغير اختياره".
وفقنا الله وإياكم لفعل الطاعات
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
أيها المؤمنون: استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن عن المكارم والبخل لما فيه من إمساك المال، وضلع الدين وغلبة الرجال، ومجموعها يؤدي إلى الهموم والأحزان وضعف القلب والكسل عن الطَّاعات والخيرات والأعمال الصالحة، فتحصل له الخسارة في عمره وعمله.
فيجب على المسلم أن يجتنب هذه الأفعال الذميمة، ويتحلى بكريم الأخلاق، ويكثر من الأعمال الصالحة والتقرب إلى الله بالنوافل؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: "المعاصي والفسادَ تُوجب الهَمَّ والغَمَّ، والخوفَ والحُزن، وضيقَ الصدر، وأمراض القلب".
وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات