عناصر الخطبة
1/أهمية المحافظة على آداب الدين 2/وجوب كفّ اللسان عن الإثم والأذى 3/خطورة إطلاق اللسان في تتبع عورات الناس 4/خطورة رمي المسلم بما هو منه بريء 5/قول الخير أو الصمت.اقتباس
إن في الناس من لا يردعه دينه أو ورعه عن أن يطلق للسان العنان فيسرف في التجني على عباد الله بالسخرية واللمز، فهذا طويل وذاك قصير، وهذا أحمق وذاك أرعن، وهذا سخيف وذاك فظيع، وكأنه وُكِّل إليه تشريح عباد الله وتجريحهم وتسقطهم وتتبُّع عوراتهم
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله فتح لأرباب البصائر أنوار الهدى، ووعد المحسنين خير الجزاء، أحمده -سبحانه-؛ تنزه عن كل نقص، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فالق الحب والنوى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أدبه ربه فأحسن تأديبه، اللهم صلِّ وسلِّم على نبيك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيا عباد الله: إن أعظم وسيلة تحفظ التوازن بين الجماعة الإسلامية هي آداب الدين، إنها تصقل النفوس وترتفع بها إلى درجات الصالحين، وإنها لتجمع للمتأدب ما بين سعادتي الدنيا والدين.
وإن من آداب الدين كف اللسان عن الإثم والأذى، وعن الانطلاق في أعراض الناس، وعن السخرية بهم أو لَمْزهم وتنقُّص أحوالهم أو رميهم بما هم منه بريئون؛ إذ إن ذلك -يا عباد الله- مما يقطع الألفة بين المسلمين، ويهدم الأخوة في الدين، ويؤاخذ العباد عليه، يقول أحكم الحاكمين: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[سورة ق:18].
ولقد عجب معاذ بن جبل صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أن يُؤخَذ العبد بما يتكلم به، وقد أوصاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يكفّ لسانه، فقال معاذ -رضي الله عنه-: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"؛ أي ما يكسبونه من الإثم عن طريق اللسان.
إن في الناس من لا يردعه دينه أو ورعه عن أن يطلق للسان العنان فيسرف في التجني على عباد الله بالسخرية واللمز، فهذا طويل وذاك قصير، وهذا أحمق وذاك أرعن، وهذا سخيف وذاك فظيع، وكأنه وُكِّل إليه تشريح عباد الله وتجريحهم وتسقطهم وتتبُّع عوراتهم وأكل لحومهم، ولكل الناس عورات، وللناس ألسن وزلات ومثالب.
فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، أو كما جاء في الحديث: "طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، طوبى لمن ملك لسانه، ووسعة بيته، وبكى على خطيئته".
ومن وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي ذر: "وليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك"، وقُتل رجل في الغزو فبكت عليه باكية قائلة: واشهيداه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما يدريك أنه شهيد؟ لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه، أو يبخل بما لا ينقصه".
أما رمي المسلم بما هو منه بريء فهو أفظع وسائل النيل والوقيعة والبهت، لأنه يجمع بين الكذب والغيبة، وكلاهما رذيلة وكبيرة من كبائر الذنوب؛ يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث طويل: "وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار"(متفق عليه).
ويقول في الغيبة: "هي ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته"؛ فاتقوا الله عباد الله: وتأدبوا بآداب الإسلام، وكفوا ألسنتكم عن كل قول يغضب الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)[سورة الحجرات:11-12]، بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب كل شيء ومليكه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفَّق من شاء من عباده لطاعته، وأمده بتوفيقه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير عباد الله هدى، فأكرم بنهجه وتوجيهه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيا عباد الله: يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا".
وفي ذلك -يا عباد الله- ما يدفع إلى أخذ الحذر من اللسان وإلى استخدامه في النافع، كذكر الله وقراءة القرآن، وبذل النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من أبواب الخير أو إلزامه بالصمت، كما جاء في الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"(رواه مسلم).
اللهم ارزقنا حسن الخلق واجعله سجية لنا، اللهم ثقل به موازيننا وأعظم به أجورنا، واجعل أحسن أعمالنا خواتيمها، واجعل ختام أمرنا مغفرتك ومرضاتك ودخول جناتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات