عناصر الخطبة
1/من جوانب عظمة الإسلام 2/نماذج من أقوال غير المسلمين عن الإسلام 3/ تأملات في لقاء هرقل بأبي سفيان 4/ركائز دعوة الإسلام 5/عنوان صلاح العبد وفلاحه 6/من أسباب استجلاب الرزق والبركة.اقتباس
والصلاة لا يسقط أداؤها بأيّ حال من الأحوال؛ فهي واجبة في الحل والسفر، والصحة والمرض، وفي الأمن والخوف؛ فشرع الله صلاة تناسب الحال؛ فإذا كان الخوف فقد بيَّن صفة أدائها في سورة النساء، وفي حال السفر من الجمع والقصر، وفي حال المرض هيئة تناسب حال المريض...
الخطبةُ الأولَى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]؛ أما بعد:
عباد الله: الإسلام دين عظيم، شامل لجميع مناحي الحياة، أمر بعبادة الله وحده ونبذ ما سواه، ودعا إلى كريم الأخلاق ونهى عن قبيحها، حتى شهد بها غيرُ المسلمين، ومن أمثلة ذلك: قول الوليد بن المغيرة في وصف القران الكريم: "والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، لمغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته".
ومثال لقاء هرقل عظيم الروم بأبي سفيان بن حرب بإيلياء، وكانوا تجارًا بالشام -قبل إسلامه-؛ فقال أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؛ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبًا -والحديث بتمامه في البخاري- قال له هرقل: فماذا يأمركم؛ يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أبو سفيان: قلت: يقول: "اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة".
أيها المسلمون: في هذا الحديث أشار أبو سفيان إلى الركائز التي يدعو لها النبي -صلى الله عليه وسلم- في بداية دعوته لقريش، وهي تجمع بين واجبات الفرد تجاه ربه، وبين قرابته، ومجتمعه، وأول ما بدأ بعبادة الله وحده لا شريك له، وهي أصل دعوة الرسل جميعًا -عليهم السلام-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل: 36]، كما دعا نوح قومه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ)[المؤمنون: 23]، وهود -عليه السلام- قال لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)[الأعراف: 59]، وصالح -عليه السلام- قال لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)[الأعراف: 65]، وإبراهيم -عليه السلام- قال لقومه: (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ)[العنكبوت: 16]، وهكذا بقية الأنبياء قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "الرسل جميعهم أمروا بالتوحيد وأمروا به".
قال ابن حجر -رحمه الله-: "ذكر الآباء تنبيهًا على عذرهم في مخالفتهم له؛ لأن الآباء قدوة عند الفريقين؛ أي عبدة الأوثان والنصارى".
والخصلة الثانية: يأمرهم بالصلاة وهي ركن من أركان الإسلام؛ فقد أمر الله بها في آيات عديدة من القران الكريم بقوله: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)[البقرة: 43]، وهي عنوان الصلاح والفلاح، وهي أول ما يحاسب عليها العبد يوم القيامة؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة؛ فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله"(رواه الطبراني).
أيها المسلمون: والصلاة لا يسقط أداؤها بأيّ حال من الأحوال؛ فهي واجبة في الحل والسفر، والصحة والمرض، وفي الأمن والخوف؛ فشرع الله صلاة تناسب الحال؛ فإذا كان الخوف فقد بيَّن صفة أدائها في سورة النساء، وفي حال السفر من الجمع والقصر، وفي حال المرض هيئة تناسب حال المريض؛ قال عمران بن حصين -رضي الله عنه-: كانت بي بواسير فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة؛ فقال: "صَلِّ قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب"(رواه البخاري).
والوصية الثالثة: يأمرهم بالصِّدق وهو الخبر الصحيح المطابق للواقع، وهو من أشرف مكارم الأخلاق، وهو محبوب عند الخالق والمخلوق، وجزاؤه وافر؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتَب عند الله صديقًا -أي: يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقية-، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذابًا"(رواه مسلم).
وخلاف الصدق الكذب، وهو صفة من صفات المنافقين؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنافِقًا خالِصًا، ومَن كانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حتّى يَدَعَها: إذا اؤْتُمِنَ خانَ، وإذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا عاهَدَ غَدَرَ، وإذا خاصَمَ فَجَرَ"(متفق عليه).
الوصية الرابعة: وصيته بالعفاف وهو الكفّ عن المحارم وعما لا يحل للمرء.
الوصية الخامسة: يأمرهم بالصلة: يعني صلة الرحم لأنه يترتب عليها المحبة والألفة والصلة والتقارب، ولذ أمر الله بها في قوله -تعالى-: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِك خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الروم: 38]، وحذر الله -سبحانه- من القطيعة؛ فقال: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)[محمد: 22].
وحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- منها -أيضًا-؛ فقال: "الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله"(رواه مسلم)، وقال -عليه الصلاة والسلام-"مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت"(متفق عليه).
عباد الله: وصلة الرحم سبب من أسباب استجلاب الرزق والبركة في العمر؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سرَّه أن يُبسَط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه"(متفق عليه)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصيته بأهل مصر: "فاستوصوا بأهلها خيرًا فإن لهم ذمةً ورحمًا"(رواه مسلم)؛ فهاجر أم إسماعيل منهم، وكذا مارية أم إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وفقنا الله وإياكم لفعل الطاعات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
أيها المؤمنون: ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرهم بالصدقة، وهي مشتقة من صدق باذلها للمحتاج والمسكين، والله أمر بالصدقة في كتابه ورغَّب في ثوابها ومضاعفة أجرها والبركة والخلف في بقية المال، وجعلها سببًا في ظل صاحبها يوم القيامة؛ قال -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 261].
وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- من السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".
وفي الحديث؛ "كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس"(رواه الإمام أحمد)، وهي عنوان كرم المرء ورحمة قلبه للسائل، وسبب لتكاتف المجتمع، وأولى بالصدقة هو المحتاج من ذوي القربى؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة"(رواه الإمام أحمد).
كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه-: "فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتُرَدّ على فقرائهم".
هذه الوصايا ذكرها أبو سفيان -رضي الله عنه- لهرقل قبل إسلامه حتى كان من ضمن كلامه -رضي الله عنه- "فَما زِلْتُ مُوقِنًا أنَّه سَيَظْهَرُ -يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- حتَّى أدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإسْلَامَ".
ثبتنا الله وإياكم على دينه حتى نلقاه
صلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات