الأمن ونعمة التوحيد

د. منصور الصقعوب

2025-07-18 - 1447/01/23 2025-09-29 - 1447/04/07
عناصر الخطبة
1/كثرة نعم الله علينا 2/عِظَم نعمة الأمن 3/أهمية الأمن والاستقرار في المجتمعات 4/توحيد الله والسلامة من الشرك 5/وسائل حفظ النعم وصيانة المجتمعات.

اقتباس

وإذا كانت السلامة من الشرك وتحقيق التوحيد سببٌ للأمن في الدنيا، فإنها كذلك سببٌ للأمن في الآخرة، فالمؤمنون هم في الغرفات آمنون، وذلكم الأمن الحقّ، والوعد الصدق، أن تأمن من عذاب الله، وتنال الأمن من الله، فإن تيسر لك معه أمنُ الدنيا فالنعمة أعظم...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله....

 

عباد الله: العبدُ يتقلب في نعمٍ من ربّه ليس لها حصرٌ، ولا يمكن أن يحيطها عدّ، ففي كل يومٍ بل في كل ساعة ولحظة ونفَسٍ أنت تتقلب في نعماءَ كثيرة، وربُّكَ المنعمُ يعطي ويُجزِل، والموفق هو من يشكر المولى وعليه يُقبِل.

 

بيد أنه وإن كانت النعم عديدة، والخيرات وفيرة، من نِعَمِ دينٍ ودنيا، فإن من النِّعم ما لا يُقدَّرُ بِثمن، إذ لو فقدها المرء لرأى الأثر كبيراً، والخَطب عظيماً.

 

ومن هذه النعم الكبار، التي نتفيأها بحمد ربنا الغفار، نعمة الأمن في الديار.

هذه النعمة قال عنها نبينا -صلى الله عليه وسلم- مقرراً أنها إذا اجتمعت مع العافية والقوت فكأن الدنيا حيزت لنائلها: "من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"، فكم مِنّا اليوم من يملك الدنيا بحذافيرها وهو يشكو ويتبرم!

 

ولما أراد إبراهيم -عليه السلام- أن يدعو لمكة، دعا بهذه النعمة قبل الثمار والغذاء فقال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)[البقرة: 126]؛ لأن الخائف لا يلتذ بالغذاء ولا ينعم بالطمأنينة.

هذه النعمة يعرف قدرها مَن فقدها، ومَن جرب الخوف والفزع ولو لساعات.

 

في رحاب الأمن يأمن الناس على أموالهم ومحارمهم وأعراضهم، وفي ظلاله يعبدون ربهم ويقيمون شريعته ويدعون إلى سبيله.

 

في رحابِ الأمن وظلِّه تعمُّ الطمأنينةُ النفوس، ويسودها الهدوء والسعادة، وتؤدى الواجباتُ باطمئنان.

في ظل الأمن تحلو العبادة، ويصير النوم سباتاً، والطعامُ هنيئاً، والشرابُ مريئاً.

 

لو انفرط عِقد الأمن ساعة لرأيت كيف تعمّ الفوضى وتتعطل المصالح ويكثرُ الهرج وتأمل فيمن اختلّ الأمن عندهم ستجد الواقع ناطقاً، والحالَ مؤرقاً.

 

فلك أن تتصور كيف الحال لو لم تأمن على بيتك إن خرجت، ولا على نفسك إن تنقلت، ولا على مالك إن رحلت، لن تلتذ حينها بهناء ولن تفرح بسراء.

 

ومما نحمد ربنا عليه في هذه البلاد أن أتمّ علينا الأمن، مِنّةً منه وفضلاً؛ قال ربنا عن هذا الإنعام: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)[العنكبوت: 67]، وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[القصص: 57]؛ فهو الذي مكّن، وهو الذي جعل، وهو المنعم -سبحانه-.

 

وإن من أعظم أسباب الأمن، توحيدُ الله في الأرض، والسلامةُ مِن وسائل الشرك كبيره وصغيره، وربنا المولى قال: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)؛ -أي: الشرك كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم- (أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام: 82]، وَقَالَ: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55].

 

وإن من النعم التي نتفيأها -بحمد الله- في هذه البلاد: انطفاء رسوم الشرك، وظهور معالم التوحيد قولاً وفعلاً واعتقاداً، وهذه النعمة والله تساوي كل خيرات الدنيا.

 

أنك في بلد لا تُرى فيه شركياتٌ ولا بدعٌ لا يُدعى لها ولا يقَرُّ أهلها، لا يُكره الناس ولا يُقرّون على قول الزور، ولا على تعطيل الصفات، ولا على فعل المحرمات بصورها، فالحمد لله على ذلك، ونسأل الله أن يثبتنا عليه وأن يعين ولاة أمرنا على حماية التوحيد ويجزيهم عليه خيرًا.

 

فكم عانت بعض دول الإسلام في عصورٍ مضت من تولي المعتزلة والأشاعرة مفاصل الدول، وتسلطهم على الناس في امتحانهم في عقيدتهم وحَرفِهم عنها، وفَتنِ الأكابر من العلماء وإكراههم عليها وقتلهم على ذلك، وما محنة الإمام أحمد، ثم المحن التي جاءت من بعده بخافية.

 

وكم عانت بعض الدول اليوم من نشر البدع ورعايتها وحمايتها بل وإلزام الناس بها، ومحاربة السلفية في حينِ نحنُ -بحمد الله- سالمون من كل هذا، فنحمد الله -تعالى-.

 

ولأجل كل هذا فالمأمول والمتعين من كل مسلم أن يرعى هذه الأمور، وأن يحفظها في نفسه ومجتمعه، فالنعم إن شُكِرت قرّت، وزاد المولى إنعامه وإكرامه.

 

يا كرام: وإذا كانت السلامة من الشرك وتحقيق التوحيد سببٌ للأمن في الدنيا، فإنها كذلك سببٌ للأمن في الآخرة، فالمؤمنون هم في الغرفات آمنون، وذلكم الأمن الحقّ، والوعد الصدق، أن تأمن من عذاب الله، وتنال الأمن من الله، فإن تيسر لك معه أمنُ الدنيا فالنعمة أعظم، وإن فاتك الأمن في الدنيا وأنت مؤمنٌ فأمنُ الآخرة أعظم وأبقى.

 

يقال هذا لكل فاقدٍ للأمن وهو مطيعٌ لربه، ففي ذلك عِوَض وإيناسٌ.

اللهم آمنّا في الدنيا وفي الآخرة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده...

 

أما بعد: فتُحْفَظ النعم في الديار بشكر الله على هذه النعم، وبإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف وإشاعته، والنهي عن المنكر وإماتته.

 

تُحفَظ الديار باجتماع الكلمة، ووحدة الصف، والنصح للمسلمين، والطاعة لولاة الأمر في غير معصية؛ إذ في نبذ الطاعة فُرْقة وانفلات، وتنازع وشتات، وفي التنزيل آية قرر -سبحانه- فيها طريقَ الأمن وسبيل النصرة والعزة، حين قال: (‌وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج: ٤٠]، ثم ذكر صفات مَن ينصرهم لأنهم نصروا دينه فقال: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحج: 41].

 

تُحفَظ الديار بالبعد عن الشائعات، والحذر من الفتن والاضطراب، ولزوم غرز العلماء، والنهل من معينهم، وجعلهم هم القدوات، والبعد عن كل مغرضٍ يسعى لخرق السفينة، وزعزعة الأمن، فإننا والله في نعمة يتمناها كل أحد.

 

 نسأل الله أن يديم علينا الأمن، وأن يعمَّ الأمنُ بلاد المسلمين، ويقيهم من الفتن والاضطراب، ويحقن دمائهم، ويحفظ ديارهم.

 

المرفقات

الأمن ونعمة التوحيد.doc

الأمن ونعمة التوحيد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات