البرامج المفيدة في الإجازة السعيدة

الشيخ نواف بن معيض الحارثي

2025-07-04 - 1447/01/09 2025-07-06 - 1447/01/11
عناصر الخطبة
1/من أسباب ملل النفوس 2/حاجة النفس إلى الترويح 3/نعمة الوقت وأهميته 4/برامج مفيدة لقضاء الأوقات 5/التحذير من قضاء الأوقات بالمنكرات

اقتباس

وَمِنَ الْبَرَامِجِ الْـمُفِيدَةِ فِي الْإِجَازَةِ السَّعِيدَةِ: أَنْ يَشْغَلَ أَوْلَادُنَا -سَدَّدَهُمُ اللـهُ- أَوْقَاتَهُمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، كَالِالْتِحَاقِ بِحَلَقَاتِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ فِي الْـمَسَاجِدِ، وَبِالدَّوْرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ والتدريبيةِ، وَتَعَلُّمِ مَا يُنَمِّي قُدُرَاتِهِمُ الذِّهْنِيَّةَ وَالْـجَسَدِيَّةَ، كَتَعَلُّمِ فُنُونِ الرِّمَايَةِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحَمْدُ للـهِ خَالِقِ الزَّمَانِ، مُقَلِّبِ اللَّيْلِ والنَّهارِ العَظِيمِ المَنَّانِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عَظِيمِ الفَضْلِ وَجَزِيلِ الإِحْسَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، القَائِلُ فِي مُحْكَمِ القُرْآنِ: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[العصر: 1 - 3]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الرَّحْمَنِ، سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَهْلِ الجُودِ وَالْعِرْفَانِ.          

 

أَمَّا بَعْدُ: فأوصيكم بتقوى الله -تعالى-.

 

عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللـهِ! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَـكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللـهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْـجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللـهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ؛ فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَ اللـهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللـهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللـهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللـهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "وَمَا ذَاكَ؟"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللـهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْـجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ؛ نَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللـهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ؛ لَصَافَحَتْكُمُ الْـمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.(مسلم).

 

أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ: لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مَا يُلَاقِيهِ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ مِنْ كَثْرَةِ الْأَعْبَاءِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَمَا يَلْحَقُ الْأَوْلَادَ مِنْ تَكَالِيفَ وَجُهْدٍ فِي سَنَةٍ دِرَاسِيَّةٍ امْتَلَأَتْ بِالْجِدِّ وَالْـمُثَابَرَةِ، وَاتَّسَمَتْ بِالتَّعَبِ وَالْكَدِّ وَالْـمُصَابَرَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ أَسْبَابِ مَلَلِ النُّفُوسِ وَسَآمَتِهَا، وَمِنْ دَوَاعِي طَلَبِ التَّرْوِيحِ لَهَا لِإِعَادَةِ سُرُورِهَا وَبَهْجَتِهَا، وَمِنْ مَحَاسِنِ دِينِنَا الْعَظِيمِ أَنَّهُ رَاعَى جِبِلَّةَ الْإِنْسَانِ وَنَزْعَتَهُ إِلَى الرَّاحَةِ وَالِاسْتِجْمَامِ، فَأَبَاحَ لَهُ التَّرْوِيحَ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ أَعْبَاءِ الْمـَشَاقِّ وَالْأَعْمَالِ فِي سَائِرِ الْعَامِ.

 

عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَـبِّهٍ قَالَ: "إِنَّ فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَغْفُلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ: سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يُفْضِي فِيهَا إِلَى إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ، وَيَصْدُقُونَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَسَاعَةٍ يُخَلِّي بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّاتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ؛ فَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ عَوْنٌ عَلَى هَذِهِ السَّاعَاتِ، وَإِجْمَامٌ لِلْقُلُوبِ، وَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَعْرِفَ زَمَانَهُ، وَيَحْفَظَ لِسَانَهُ، وَيُقْبِلَ عَلَى شَأْنِهِ، وَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَظْعَنَ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثٍ: زَادٍ لِمَعَادِهِ، وَمَرَمَّةٍ لِمَعَاشِهِ، وَلَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ".

 

عِبَادَ اللـهِ: هَا نَحْنُ أُولَاءِ قَدْ دَخَلَتْ عَلَيْنَا إِجَازَةُ الصَّيْفِ بَعْدَ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ وَالْأَعْمَالِ، وَحَلَّتْ أَوْقَاتُ الْفَرَاغِ مِنْ أَكْثَرِ التَّكَالِيفِ الْوَظِيفِيَّةِ وَمِنْ كَثْرَةِ الْأَعْبَاءِ وَالْأَشْغَالِ، وَقَدْ طَلَبَتِ النُّفُوسُ الرَّاحَةَ وَالِاسْتِجْمَامَ، وَاشْتَاقَتْ إِلَى التَّرْوِيحِ وَالتَّغْيِيرِ فِي النِّظَامِ، فَحَرِيٌّ بِالْـمُسْلِمِ أَنْ يُعْطِيَ نَفْسَهُ حَقَّهَا مِنَ الرَّاحَةِ، وَأَنْ يَغْتَنِمَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ أَوْقَاتَ الِاسْتِرَاحَةِ؛ فَإِنَّ الْفَرَاغَ نِعْمَةٌ وَأَيُّ نِعْمَةٍ!، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ"(البخاري).

 

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ "اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الإِنْسَانُ صَحِيحاً وَلَا يَكُونُ مُتَفَرِّغاً لِلْعِبَادَةِ؛ لِاشْتِغَالِهِ بِأَسْبَابِ الْـمَعَاشِ، وَقَدْ يَكُونُ مُتَفَرِّغاً مِنَ الأَشْغَالِ وَلَا يَكُونُ صَحِيحاً، فَإِذَا اجْتَمَعَا لِلْعَبْدِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الكَسَلُ عَنْ نَيْلِ الفَضَائِلِ فَذَاكَ الغُبْنُ، كَيْفَ وَالدُّنْيَا سُوقُ الرَّبَاحِ، وَالْعُمْرُ أَقْصَرُ، وَالْعَوَائِقُ أَكْثَرُ؟!".

 

إنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْوَقْتِ تَوْفِيقٌ وَرَحْمَةٌ، وَتَضْيِيعَهُ أَسَفٌ وَنِقْمَةٌ، وَالْـمُوَفَّقُ -حَقًّا- مَنِ اغْتَنَمَ شَبَابَهُ وَصِحَّتَهُ، وَغِنَاهُ وَوَقْتَهُ، وَعَمِلَ لِآخِرَتِهِ وَتَذَكَّرَ مَوْتَهُ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ"(الحاكمُ).

 

وَمِنْ بَرَكَةِ الْأَوْقَاتِ: اغْتِنَامُهَا بِالْعِبَادَاتِ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَى اللـهِ فِيهَا بِالْقُرُبَاتِ، وَالتَّرْوِيحُ عَنْهَا بِالْـمُبَاحَاتِ، وَتَجَنُّبُ الْـمَحْظُورَاتِ؛ (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)[الشرح: 7، 8].

 

كَمَا يَنْبَغِي اسْتِغْلَالُ الْأَوْقَاتِ بِالْبَرَامِجِ الْـمُفِيدَةِ، وَاسْتِثْمَارُهَا بِالْهِوَايَاتِ النَّافِعَةِ، الَّتِي تَزِيدُ الْإِيمَانَ، وَتُقَوِّي الْأَبْدَانَ، وَتَشْحَذُ الْأَذْهَانَ، قَالَ أَحَدُ الْـحُكَمَاءِ: "مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ، أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ، أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ؛ فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ".

 

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: وَمِنَ الْبَرَامِجِ الْـمُفِيدَةِ النَّافِعَةِ فِي الْإِجَازَةِ الصَّيْفِيَّةِ الْـمَاتِعَةِ: السَّفَرُ فِي الْأَرْضِ بِالسَّبِيلِ الْـمُبَاحِ، وَالتَّرْفِيهِ الْبَرِيءِ الْـمُتَاحِ، بَعِيدًا عَنِ الْأَمَاكِنِ الْـمَشْبُوهَةِ، وَالْبِقَاعِ الْـمَوْبُوءَةِ، فَمَا أَجْمَلَ السَّفَرَ لِلِاطِّلَاعِ عَلَى آيَاتِ اللـهِ فِي الْأَرْضِ وَالْآفَاقِ، وَالِاعْتِبَارِ وَالنَّظَرِ فِي بَدِيعِ صُنْعِ الْوَاحِدِ الْخَلَّاقِ!؛ (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)[يونس: 101]، أَيْ: تَفَكَّرُوا وَاعْتَبِرُوا بِمَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَـرِ، وَانْظُرُوا فِي عَجَائِبِ صُنْعِ اللـهِ حَقَّ النَّظَرِ؛ لِيَدُلَّكُمْ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ.

 

وَمَا أَحْسَنَ السَّفَرَ إِذَا كَانَ لِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، أَوْ لِأَدَاءِ الْعُمْرَةِ فِي بَيْتِ اللـهِ الْـحَرَامِ، أو لزيارةِ مسجدِ النبيِّ الكريمِ، أَوْ بِقَصْدِ الْكَسْبِ الْـحَلَالِ، أَوْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَرَفْعِ الْـمَلَالِ، مَعَ صُحْبَةٍ مُؤْمِنَةٍ تَقِيَّةٍ، وَرُفْقَةٍ صَالِحَةٍ مَرْضِيَّةٍ!، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- "لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ"(أَبُو دَاوُدَ وغيرُه)، وَالْـمَرْءُ بِصَاحِبِهِ: إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.

 

وَمِنَ الْبَرَامِجِ الْـمُفِيدَةِ فِي الْإِجَازَةِ السَّعِيدَةِ: أَنْ يَشْغَلَ أَوْلَادُنَا -سَدَّدَهُمُ اللـهُ- أَوْقَاتَهُمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، كَالِالْتِحَاقِ بِحَلَقَاتِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ فِي الْـمَسَاجِدِ، وَبِالدَّوْرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ والتدريبيةِ، وَتَعَلُّمِ مَا يُنَمِّي قُدُرَاتِهِمُ الذِّهْنِيَّةَ وَالْـجَسَدِيَّةَ، كَتَعَلُّمِ فُنُونِ الرِّمَايَةِ وَرُكُوبِ الْـخَيْلِ وَالسِّبَاحَةِ، وَمُمَارَسَةِ فَنِّ الْـخَطِّ وَالْكِتَابَةِ، وَتَعَلُّمِ مَهَارَةِ الْقِرَاءَةِ وَالْـمُطَالَعَةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَنْشِطَةِ النَّافِعَةِ وَالْهِوَايَاتِ الْـمَاتِعَةِ.

 

عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللـهِ وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ يَرْتَمِـيَانِ فَمَلَّ أَحَدُهُمَا فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: كَسِلْتَ؟! سَمِعْتُ رَسُولَ اللـهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللـهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَهُوَ لَـهْوٌ أَوْ سَهْوٌ، إِلَّا أَرْبَعَ خِصَالٍ: مَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ -أَيِ: الرِّمَايَةُ- وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَةُ أَهْلِهِ، وَتَعَلُّمُ السِّبَاحَةِ"(الطَّبَرَانِيُّ وغيرُه).

 

فَاغْتَنِمُوا -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- أَوْقَاتَكُمْ، وَاعْمَلُوا فِي حَيَاتِكُمْ لَهَا وَلِمَا بَعْدَ مَمَاتِكُمْ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: "السَّنَةُ شَجَرَةٌ، وَالشُّهُورُ فُرُوعُهَا، وَالْأَيَّامُ أَغْصَانُهَا، وَالسَّاعَاتُ أَوْرَاقُهَا، وَالْأَنْفَاسُ ثَمَرُهَا، فَمَنْ كَانَتْ أَنْفَاسُهُ فِي طَاعَةٍ فَثَمَرَةُ شَجَرَتِهِ طَيِّـبَـةٌ، وَمَنْ كَانَتْ فِي مَعْصِيَةٍ فَثَمَرَتُهُ حَنْظَلٌ".

 

جَعَلَنِي اللـهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالصَّلَاحِ، وَيَسَّرَ لَنَا سُبُلَ السَّعَادَةِ وَالْفَلَاحِ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْـحَمْدُ لِلَّـهِ... أَمَّا بَعْدُ:  

 

فيا أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ: إِذَا كَانَتِ الْإِجَازَةُ الصَّيْفِيَّةُ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ رَبِّ الْبَرِيَّةِ، فَإِنَّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يُرَاعِيَ تِلْكَ النِّعْمَةَ بِدَوَامِ شُكْرِهَا، وَأَنْ يَحْذَرَ ارْتِكَابَ الْـمُنْكَرَاتِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى كُفْرِهَا، فَيَعْمَلَ الصَّالِحَاتِ وَيَحْرِصَ عَلَيْهَا، وَيَتْـرُكَ الْـمَعَاصِيَ وَلَا يَسْعَى إِلَيْهَا، وَالْكَيِّسُ الْفَطِنُ يَغْتَنِمُ أَوْقَاتَ فَرَاغِهِ وَصِحَّتِهِ، بِمَا يَنْفَعُهُ فِي دُنْيَاهُ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ؟

قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟"(التِّرْمِذِيُّ).

 

وَمِنْ فَضْلِ اللـهِ -تَعَالَى- عَلَيْنَا أَنَّ الْـمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهَا تَتَحَوَّلُ بِالنِّـيَّةِ الصَّالِحَةِ إِلَى عَمَلٍ صَالِحٍ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ؛ فَالْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ، وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ، وَالنَّوْمُ وَالْيَقَظَةُ أَعْمَالٌ يُثَابُ عَلَيْهَا الْمَرْءُ إِذَا أَصْلَحَ النِّـيَّةَ فِيهَا، وَنَوَى بِهَا التَّقَرُّبَ إِلَى اللـهِ وَطَاعَةَ رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ -رَضِيَ اللـهُ عَنْهُمَا- تَذَاكَرَا الْقِيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ مُعَاذٌ: "أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ، وَأَرْجُو فِي نَوْمَتِي مَا أَرْجُو فِي قَوْمَتِي"، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَنَامُ بِنِيَّةِ الْقُوَّةِ وَإِجْمَاعِ النَّفْسِ لِلْعِبَادَةِ وَتَنْشِيطِهَا لِلطَّاعَةِ، وَيَرْجُو فِي ذَلِكَ الْأَجْرَ كَمَا يَرْجُوهُ فِي قَوْمَتِهِ، أَيْ: صَلَاتِهِ.

 

وَمِمَّا يَنْبَغِي عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْإِجَازَةِ الصَّيْفِيَّةِ -وَنَحْنُ نَرْتَادُ الْأَمَاكِنَ وَالْـمَرَافِقَ الْعَامَّةَ- أَنْ نُحَافِظَ عَلَى نَظَافَتِهَا وَنَتَجَنَّبَ الْعَبَثَ بِمُنْشَآتِهَا؛ فَالطُّرُقُ وَالشَّوَارِعُ وَالسَّاحَاتُ وَالْوَاجِهَاتُ الْبَحْرِيَّةُ وَنَحْوُهَا إِنَّمَا أُنْشِئَتْ لِمَصْلَحَتِنَا الْعَامَّةِ، فَلْنُحَافِظْ عَلَيْهَا سَلِيمَةً مِنَ الْعَبَثِ طَيِّبَةً مُسْتَطَابَةً؛ فَإِنَّ النَّظَافَةَ وَإِمَاطَةَ الْأَذَى مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَمِنْ حَقِّ بِلَادِنَا عَلَيْنَا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى مَرَافِقِهَا وَمُنْشَآتِهَا.

 

المرفقات

البرامج المفيدة في الإجازة السعيدة.doc

البرامج المفيدة في الإجازة السعيدة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات