التحذير من مغبة الذنوب

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-08-08 - 1447/02/14 2025-10-21 - 1447/04/29
عناصر الخطبة
1/التحذير من الذنوب 2/من عقوبات المعاصي 3/من آثار المعاصي 4/الحث على الاستقامة على الطاعات 5/ الاعتراف بالتقصير وإظهار الندم

اقتباس

إنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم جنة عرضها السماوات والأرض، فاتقوا الله -عباد الله- قبل نزول الموت، وانقضاء مواقيته...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله ذي العز والاقتدار، عالم الغيب والشهادة الواحد القهار، أحاط بكل شيء علماً، وجعل لكل شيء سبباً، وكل شيء عنده بمقدار، أحمده -سبحانه- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- بفعل الطاعات، والبعد عن المحرمات سراً وجهاراً، فهو -تعالى- يعلم سركم وجهركم، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولا يعجزه شيء، وإن أمهل فلا يهمل، وقد رتَّب الأسباب على مُسبِّباتها، فجعل لكل شيء سبباً يحصل بوجوده، وينتفي بانتفائه، ويزيد بزيادته وينقص بنقصانه، فهو -سبحانه- له القدرة الكاملة والنعمة الشاملة، جعل هذه الدنيا دار تكليف وامتحان وابتلاء واختبار (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك: ٢].

 

 فهو -تعالى- قويّ لا يعجزه شيء، وغفور لمن تاب إليه، خلق الخلق لعبادته وتوحيده، وأمرهم بطاعته والاعتماد والتوكل عليه، وتكفَّل بالأرزاق وبثواب المطيعين وعقاب العاصين.

 

 فعلى المسلم الصادق في إسلامه أن يتقي الله في نفسه بالقيام بما أوجبه الله عليه، وتفقّد حاله فيصلح ما بينه وبين مولاه بالقيام بأركان الإسلام على الوجه المشروع وواجباته وما استطاع من مستحباته، وأن يُصلح ما بينه وبين البشر بترك غشّهم، وبالإحسان إليهم والرفق بهم والتسامح عنهم وفق ما شرع له في ذلك.

 

وأن يكفّ شرّه عنهم ويتذكر الحسنات وأنها تُذْهِب السيئات، وترفع الدرجات كما يتذكر السيئات ومغبتها وضررها على ما في البر والبحر، قال -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: ٤١]، أما لو عاقبهم على اقترافهم لذنوبهم بما استحقوا لأبادهم جميعاً؛ قال -تعالى-: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ)[فاطر: ٤٥].

 

ومن عقوبة الله: منعُ القطر، وعدمُ استجابة الدعاء وتسليطُ الأعداء، وسلبُ الأموال، ووقوعُ الخوف والذعرٍ، والنقصُ في الأموال والأولاد، وتنكرُ الناسِ بعضهم لبعضٍ؛ فيحدث الشقاق حتى بين الأُسَر، وحتى الدواب يحصل فيها النقص والضرر، ويظهر ذلك جلياً فيمن ظهرت فيهم المعصية لله وكتبه ورسله.

 

فتأملوا -رحمكم الله-: ماذا حلَّ بقوم نوح -عليه السلام- حين عصوا رسول ربهم، واستمروا في تكذيبهم وعنادهم ومخالفتهم لما جاء به من الأمر بالتوحيد والطاعة! فقد عمَّهم الله بالغرق ولم ينجُ منهم إلا من آمن، وما آمن معه إلا قليل.

 

 وكذلك ما حلَّ بعاد قوم هود لما تجبروا وعتوا عن أمر ربهم، قال -تعالى-: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)[الحاقة: ٦ – ٧]، ونجّى الله هوداً ومن معه من المؤمنين، فما أعظمها من عبرة، وهكذا تجد العبر الكثيرة الملائمة لكل أمة وذنبها وهوانها على الله.

 

 ومن ذلك قوم لوط وما جرى لهم مع نبيهم، وما كانوا عليه من تكذيب وتعدٍّ حتى على أضيافه، يريدون بهم الفاحشة؛ ولكنّ الله كان لهم بالمرصاد، فحين ظهر منهم ذلك واشتد الكرب على نبيه لوطٍ، جاء الفرج والأمر بالمسير ليلاً، وأخبر بسلامته ومن معه من الأهل، إلا امرأته الخائنة، قال -تعالى-: (إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ)[هود: ٨١].

 

فاعتبر -يا أخي المسلم-: وأنت تمر بديار قوم لوط وهي بحيرة منتنة فضيحةٌ باقيةٌ في الدنيا لمن يعتبر، وتاريخٌ أسود باقي لأولئك العصاة الذين غلبتهم شهواتُهم وأهواؤهم.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: ٤٢ – ٤٥].

 

 بارك الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله مُوفِّق من شاء من عباده لعبادته وطاعته ومعينه عليها، ورازقه الرغبة فيها والطمأنينة، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فلا مستحق للعبادة سواه، ولا نعبد إلا إياه.

 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- حق تقواه، اهتموا بطاعته وتذكروا عظمتها وقدرها، وتفاوت الناس في ذلك، فما أقلّ مَن يهتم بطاعة الله ويعظمها، وما أكثر من يغفل عنها، ويستخفّ بها وينفّرُ عنها، ولنا في الأحداث الواقعة بين الأمم عبرة وعظة فما أقل التائبين وما أكثر الغافلين! وما أعظمه من زجر لمن أراد الله هدايته! وما أوسعها من مهلة لمن أراد أن يستبصر في أمره!

 

وليس بعيب أن يتّهم الإنسان نفسه بالتقصير في طاعة الله، فضلاً عن الاعتراف بالذنب الواقع، وقد كان من منهج السلف الاعترافُ بالتقصير وإظهارُ الندم، وهم بررة أتقياء وفي مستوى الولاة، فعمر بن عبد العزيز -رحمه الله- في آخر خطبة خطبها يُوصي رعيته بتقوى الله، ويُبيِّن لهم خسارة من خرج من رحمة الله وحرم الجنة بسبب الذنوب.

 

 ويتهم نفسه بذلك ويتوب أمام رعيته وهو على المنبر، قال -رحمه الله-: "إنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم جنة عرضها السماوات والأرض، فاتقوا الله -عباد الله- قبل نزول الموت، وانقضاء مواقيته، وإني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي، ولكن أستغفر الله وأتوب إليه"، ثم رفع رداءه وبكى حتى شهق، فما عاد إلى المنبر بعدها حتى مات -رحمه الله-.

 

هكذا -يا عباد الله- يتهم العارفون بالله أنفسهم بالتقصير في طاعة الله وهم الصالحون الراشدون، والبررة المتقون، فعلى نهجهم فليعمل العاملون، وفي طريقهم فليتنافس المتنافسون.

 

 اللهم ارزقنا الإنابة إليك، والجد والاجتهاد في طاعتك، وهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين أماماً، يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.

 

 (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

التحذير من مغبة الذنوب.doc

التحذير من مغبة الذنوب.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات