الحث على الجهاد في سبيل الله

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-01-31 - 1446/08/01 2025-04-28 - 1446/10/30
عناصر الخطبة
1/أهمية جهاد أعداء الله ورسوله 2/فضل الجهاد في سبيل الله 3/أعظم الجهاد وأعلاه 4/عظم أجور المجاهدين 5/موالاة المؤمنين 6/جهاد الصحابة بالنفس والمال.

اقتباس

ولا يزال مطلب الجهاد موجودًا، والناس بأمس الحاجة إليه لحماية دينهم وأعراضهم، ولكثرة من يكيد للإسلام والمسلمين، فكونوا -يا عباد الله- درعًا للإسلام والمسلمين، وتذكروا أن النصر حليف مَن صدق في ذلك، وأن الخذلان لمن خالفه...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الذي شرع لنا الجهاد في سبيله بالمال والنفس والسنان، لإعلاء كلمة الله، وابتغاء مرضاته، والفوز بأعلى جناته، أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهو الملك العظيم، الذي جعل العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبي جاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين منهم من نال الشهادة بالرضوان في حياته فسرّ بهم، وكذا من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فإن جهاد أعداء الله ورسوله من أفضل ما تقرب به المتقربون، ومن أعظم ما تنافس فيه المتنافسون، فقد ورد في فضله من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يُقوِّي الهمم، ويرشد إلى بذل المُهَج في طلب الزلفى من الملك الأعلى، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[سورة الصف:10-12].

 

فما أعلاها من تجارة لمن آمَن بالله وجاهد في سبيله بماله ونفسه، وما أعظمه من ثواب لمن سار في هذا العمل على الصواب، وما أحسنه من بيع! وما أعظمه من شراء! وما أشرفه من استبشار! أخبرنا عن ذلك كله المالك له؛ قال -تعالى-:  (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[سورة التوبة:111] .

 

أيها المسلمون: إن الجهاد وإن لم يكن فرض عين ففضله عظيم، ومغبون تاركه؛ قال -تعالى-: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)[سورة النساء:95].

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تضمَّن الله لمن خرج في سبيله لا يُخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي، فهو ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه، بما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده: ما من كَلْم يُكْلَم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم، لونه لون دم، وريحه ريح مسك، والذي نفس محمد بيده: لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدًا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده: لوددت أن أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل"(رواه مسلم).

 

 وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً، وجبت له الجنة"، فعجب لها أبو سعيد فقال: أعِدْهَا عليَّ يا رسول الله، فأعادها عليه، ثم قال: "وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض"، قالو ما هي يا رسول الله؟ قال: "الجهاد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله"(رواه مسلم).

 

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم"(رواه الترمذي).

 

وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "عينان لا تمسهما النار؛ عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله".

 

معشر المسلمين: وكما أنه -تعالى- شرع لنا جهاد أعدائه، وبيَّن لنا فضله، فقد نهانا عن موالاتهم وإن كانوا أقرباء؛ حيث استحبوا الكفر على الإيمان، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[سورة التوبة:23]، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[سورة المائدة:51].

 

فاتقوا الله -عباد الله-، وعظِّموا أوامره -تعالى- ونواهيه، ومن ذلك ما أمر به من جهاد لأعدائه، وما نهانا عنه من موالاتهم، وإن كانت هناك علاقة فعلى مستوى السلم اللازم، والاتفاق الضروري، مع بقاء البُغض لهم والكراهة لدينهم، وليكن محبة الله ورسوله والجهاد في سبيله مقدمة على جميع المحبوبات.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[سورة التوبة:123]، بارك الله...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي شرع جهاد الكفار والمنافقين والمشركين، ووعد بنصر المؤمنين، فحين استغاثوا به -تعالى- أمدَّهم بألف من الملائكة مردفين، فسبحانه من ملك عظيم، ينصر أولياءه بملائكته، وبما يشاء من عجائب قدرته وعظيم جبروته، فيثبّت أقدامهم، ويطمئن قلوبهم حتى يغشاهم النعاس، فأعظم به من دعم وقوة ونصر، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها السماوات ونُصرت بها البريات، فهي كلمة التوحيد، ومفتاح دار السلام، ومن أجلها شرع الجهاد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله نبي أقام الله به علم الجهاد، وقمع به أهل الغي والفساد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أيَّد الله بهم الإسلام، ومزق بهم من الشرك، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فإن قتال الكفار يبتدئ مع طرفهم القريب للمؤمنين؛ امتثالاً لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً)[سورة التوبة: 123]، ولهذا بدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم ودخل الناس في دين الله أفواجًا من سائر أقاليم الجزيرة، شرع في قتال أهل الكتاب، فتجهز لغزو الروم، وسار إلى تبوك، وجهَّز جيش أسامة الذي أرسله أبو بكر قائلاً: "والله لا أحل راية عقدها رسول الله، مع حاجته لقتال المرتدين".

 

 واستمرت دائرة الإسلام تتسع في عهد أبي بكر -رضي الله عنه-، وكذا في عهد عمر -رضي الله عنه-، ومن بعده حتى ظهر هذا الدين في مشارق الأرض ومغاربها، وعلت كلمة الله وقامت الحجة على العباد، ونال الأجر والثواب من سابق إلى تلك الخيرات، وتعرَّض لتلك النفحات، وشقي من عارض وخالَف هذا الرأي، فعرَّض نفسه لعقوبة رب العالمين.

 

ولا يزال مطلب الجهاد موجودًا، والناس بأمس الحاجة إليه لحماية دينهم وأعراضهم، ولكثرة من يكيد للإسلام والمسلمين، فكونوا -يا عباد الله- درعًا للإسلام والمسلمين، وتذكروا أن النصر حليف مَن صدق في ذلك، وأن الخذلان لمن خالفه، تذكروا ما قصَّه الله عن أنبيائه وأوليائه، وتأملوا ما حصل لهم من عزّ وشرف وإكرام، وما حصل لأعدائه من دناءة وانتكاس وذلّ وهوان، ومن أعظم ذلك ما حصل لموسى -عليه السلام- ومن معه من بني إسرائيل.

 

 اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين إنك ولي ذلك والقادر عليه.

 

 (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

الحث على الجهاد في سبيل الله.doc

الحث على الجهاد في سبيل الله.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات