عناصر الخطبة
1/الفرحة بأيام الحج المباركة 2/من منافع الحج وبعض عبره ومواعظه 3/حث المسلمين على الاستفادة من مؤتمر الحج 4/الوصية بنصرة المظلومين من المسلمين 5/بعض أحكام الهدي والأضحية 6/أحوال المسجد الأقصى العصيبة وواجب المسلمين نحوهااقتباس
هلَّا استفاد المسلمون في أيامهم هذا من هذا المؤتمر العظيم للإسلام والمسلمين؟! فجعلوا مؤتمرًا لهم ينظر في أحوالهم، وينظر في مصالح أرضهم وأوطانهم، وينظر في مصالح شعوبهم، التي -مع الأسف الشديد- راحت تنتظر الفَرَجَ من الغرب أو الشرق، أو من هنا أو من هناك، في حيرة وتشتت وفرقة من أمرهم...
الخطبة الأولى:
لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شريك لك لَبَّيْكَ، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لَبَّيْكَ اللهمَّ صدقًا وحقًّا، تعبدا ورقا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وقدوتنا، محمدًا عبد الله ورسوله، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبع سنتهم إلى يوم الدين.
والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والقائمين الراكعين، الساجدين في المسجد الأقصى المبارَك، وفي كل بقعة من ديار المسلمين.
وبعد أيها المسلمون، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: تُرفرف علينا في هذه الأيام، وتُظِلُّنا أشهرٌ وأيامٌ كريمةٌ، فيها يؤدِّي المسلمون عبادةً عظيمةً، وُرْكنًا مهمًّا من أركان الإسلام العظيم؛ إنه فريضة الحج إلى بيت الله العتيق العظيم المعظم، إلى بيت الله الحرام، في مكة المكرَّمة، وقد انطلق في هذه الأيام الكريمة المباركة وفد الرحمن من أرضنا المقدَّسة المباركة، ميممين شطر المسجد الحرام؛ استجابة لأمر الله -تعالى-، وتلبية لنداء سيدنا إبراهيم، وشريعة سيد المرسلين، سيدنا وحبيبنا وكريمنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المسلمون، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: هذا النداء الأزلي العظيم القديم، الذي شرعه الله على لسان سيدنا إبراهيم، وأتمَّه الله بشريعة سيد المرسلينَ، حبيبنا وحبيب رب العالمين محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فالمسلمون والمؤمنون يُلَبُّونَ دعوةَ الله -تعالى- للحج إلى بيته العتيق؛ (وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[الْحَجِّ: 27]، (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا)[الْحَجِّ: 26].
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، أيها المرابطون في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف، يا عبادَ اللهِ: إن فريضة الحج فيها من المنافع والمعاني والعبر والدروس والمواقف ما يشد المؤمن إلى الله -تعالى-، وما يشجعه على أداء هذا الفرض العظيم، وهذا الركن المكين من أركان الإسلام، وهو الحج إلى بيت الله الحرام، إلى بيت الله حيث التلبية والطواف والدعاء، والتضرع إلى الله -تعالى-، والتردد بالطواف بين الصفا والمروة، وهناك في عرفات الله؛ حيث الموقف العظيم، الموقف الكريم، الموقف الذي تضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، وتغفر فيه السيئات، فقد ورد عن سيد البشر -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم من أيام الله أكثر عتقا من النار من يوم عرفة" نسأل الله -تعالى- أن يعتقنا ويعتق رقاب المسلمين من النار، وأن يتقبلنا ويتقبل حجاج بيته الكرام بالمغفرة والتوبة، إنه بر رحيم، ورؤوف كريم، بِعِبَادِهِ المؤمنين.
أيها المسلمون، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: هناك في عرفات الله حيث تلهج القلوب بالدعاء الخالص إلى الله -تعالى-، وهناك تكون الزفرات وتجري العَبَرات؛ ندما على ما فرط الإنسان بجنب ربه، ولكن الله العفو القدير الذي جمع المؤمنين في هذا الموقف العظيم يدنو منهم دنو رحمته وعظمته؛ ليباهي بهم الملائكة، فقد ورد: "إن الله -تعالى- يدنو من أهل عرفات ويباهي بهم الملائكة، يقول لهم: انظروا إلى عبادي، جاءوني شعثًا غُبرًا"، نعم، جاؤوا من كل فج عميق، ومن أقطار الأرض جميعها؛ ليلبوا دعوة الله -تعالى-، ونداء خليله إبراهيم، واتِّباعًا لسنة حبيبنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم- الذي خطب بالمؤمنين في حجة الوداع، وبيَّن لهم أمورَ دينهم، بيَّن لهم أيها المسلمون: أيها المؤمنون، وفيما ورد في خطبته الشريفة: "أتدرون في أي يوم أنتم؟ قالوا: في يوم النحر أو يوم عرفة. قال: ما تدرون ما هذا الشهر؟ قالوا: إنه الشهر الحرام"، ورسولنا الأكرم يردد ذلك، "وأي بلد هذا؟ إنه بلد المسجد الحرام"، ليقول للمسلمين منذ ذاك اليوم، وإلى يومنا الحاضر، وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها في مؤتمر جامع للمسلمين، موحد للمؤمنين، "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في يومكم هذا"؛ هذا يبلغه النبي الأكرم -صلى الله عليه وسلم- في يوم الحج الأكبر، في خطبة الوداع، التي كانت مبينة لأحكام الإسلام، ولمبادئ الإيمان، ولأخلاق الإسلام والمسلمين، التي ينبغي لهم أن يسيروا عليها؛ ففيها الفوز، وفيها الثواب، وفيها النجاة في الدنيا والآخرة.
فهلَّا استفاد المسلمون في أيامهم هذا من هذا المؤتمر العظيم للإسلام والمسلمين؟! فجعلوا مؤتمرًا لهم ينظر في أحوالهم، وينظر في مصالح أرضهم وأوطانهم، وينظر في مصالح شعوبهم، التي -مع الأسف الشديد- راحت تنتظر الفَرَجَ من الغرب أو الشرق، أو من هنا أو من هناك، في حيرة وتشتت وفرقة من أمرهم.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: أما آنَ لأمة الإسلام والمسلمين أن تعقد مؤتمرًا لله -تعالى-، متأسيةً بمؤتمر عرفات ومناسك الحج؛ لينظروا في إغاثة الملهوفين في ديار الإسلام والمسلمين، وهنا في ديار الإسراء والمعراج، من رَفَح في الجنوب إلى جِنِينَ في الشمال؛ حيث الحرب المجنونة التي تحصد أرواح أبناء الشعب الفلسطيني، تحصد أرواح الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، والمسلمون يستنكرون، أو يشجبون، أو يدينون، ولا يرتقون إلى مستوى مؤتمر عرفات، مؤتمر الحج الأكبر الذي علت فيه كلمة الإسلام والمسلمين، فإليك يا رب عرفات ويا رب البيت الحرام، نشكو ضعفنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، فأغثنا يا غياث المستغيثين، وأمدنا برحمتك يا أرحم الراحمين، وثبتنا على الحق وعلى الإيمان، سدنة وحرَّاسًا أمناء، لمسجدك الأقصى المبارَك.
جاء في الحديث الشريف عن سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، اللهمَّ اجعل حج المؤمنين وحجَّنا مبرورًا، وذنبنا مغفورًا، ورُدَّنا يا ربَّ العالمينَ، ورُدَّهم إليك ردًّا جميلًا، وانصرنا بنصرك الذي لا يضام، واكنفنا بكنفك الذي لا يرام، إنك يا مولانا على كل شيء قدير.
أيها المسلمون: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وقدوتنا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اقتدى واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
وبعد، أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: من شعائر الله -سبحانه وتعالى- في هذه الأيام مع ما يقدمه الحجاج من الهدايا إلى بيت الله الحرام، ويتطوعون به بالقربات إلى الله -تعالى-، هناك الأضحية، وهي كما بينها العلماء واجبة أو سُنَّة مؤكَّدة على القادر عليها، توسعة على الأهل والعيال، ووصلا للفقراء والمحتاجين، وما أكثرهم في أيامنا هذه! نعم إن شعيرة الأضحية من شعائر الله -تعالى-، جعل الله وقتها في يوم النحر وما بعده، فقال -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الْكَوْثَرِ: 2].
نعم أيها المسلمون: هذه الشعيرة العظيمة التي سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ورد عنه أنَّه ضحى بكبشين أقرنين أملحين أبيضين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، وهي قربة إلى الله -تعالى-، وتوسعة على العيال والفقراء والمحتاجين، وقبل هذا وبعده هي شعيرة من شعائر الإسلام العظيم، نسأل الله -تعالى- أن يوفق حجاج بيته الكرام لأداء مناسكهم، وأن يوفق أبناء شعبنا القادرين على الأضاحي أن يجودوا بها؛ تقربًا إلى الله ورحمة بالمحتاجين، ورحمة بالمعوزين، ورحمة بالفقراء والمحتاجين.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: في هذه الأيام العصيبة الحرجة تُواجِهُ القدسَ، ويواجه المسجدُ الأقصى المبارَكُ اعتداءاتٍ كثيرةً على رحابه الشريفة، من أولئك المتطرفين المتغطرسين، الذين يحلمون بهيكل مزعوم، ويعشش في أفكارهم الخَرِبة أن هذا المكان كان في وقت من الأوقات لهم، ونحن نقول ردًّا على كل الادعاءات، وردا على كل الأحلام الموهومة والوهمية: "إن هذا البيت العظيم، وهذا البلد الكريم جعله الله مباركًا ومقدَّسًا، وأنزل فيه قرآنًا يتلوه كل مسلم: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، فهو للمسلمين عقيدة وشريعة، وأمر حياة، وهو للمسلمين حضارة، وتاريخ، وعزة، يعتز بها كل مؤمن، يوم أسري بحبيبه الأكرم -صلى الله عليه وسلم- إلى رحابه الشريفة، وعرج به من رحابه إلى السماوات العلا؛ لتفرض علينا الصلوات الخمس، وهو ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها، وشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارَك هو دعوة نبوية، علينا أن نلبيها، وأن ننهض بها، وأن نكون أول الملبِّينَ والقادمينَ إلى المسجد الأقصى المبارَك، في هذه الأيام وعلى امتداد العام؛ لأن المسجد الأقصى هو مسجدنا، وهو قِبلَتُنا، وهو مسرى نبينا -عليه الصلاة والسلام-، فلا تفريطَ، ولا تغييرَ، ولا تبديلَ في الموقف الإيماني الثابت، بإسلامية هذا المسجد المبارَك، وحق المسلمين الكامل فيه، ولا شيء لغيرهم مهما حاولوا التطاول، ومهما حاولوا الاعتداء والعدوان، فللبيت أيها المسلمون رب يحميه، والمسجد الأقصى ربه الله -تعالى-، قاصم الجبارين، وهازم المتكبرين، والمنتقم من كل جبار عنيد، ورواده وعماره هم المسلمون الموطؤون أكنافًا، هم المؤمنون الذين يأتون إليه وقلوبهم تلهف إليه، وعيونهم تشخص إليه، وتشهد أرضه لهم بأنهم الساجدون، والراكعون، والمعمرون للمسجد الأقصى المبارَك، فخاب كل طامع في هذا المسجد، والحق والنصر لكل مؤمن بأن هذا المسجد لنا وللمسلمين جميعًا.
اللهمَّ رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا.
اللهمَّ عليك بالظالمين فإنهم لا يعجزونك، اللهمَّ أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، واحفظ الإسلام والمسلمين، واحفظنا بالإسلام معمِّرينَ للمسجد الأقصى المبارَك، إنك يا مولانا على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وَصَلَّى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم